الأسلوبية الإحصائية
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
محاضرة للفرقة الثانية بتخصص الأدب والنقد في كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر بالقاهرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعداد/أ.د/صبري فوزي أبوحسين
أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

توطئة:

الأسلوبية هي المعروفة بعلم دراسة الأسلوب (Stylistics- La Stylistique)وقد وجدت الأسلوبية في العصر الحديث مزيدًا من الاهتمام لدن الباحثين الغربيين. ويعد (شارل بالي) الفرنسي النمساوي تلميذ (دي سوسير)، من أوائل المؤسسين لهذا المنهج، وعرّفها بقوله: “علم يُعنى بدراسة وقائع التعبير في اللغة المشحونة بالعاطفة المعبرة عن الحساسية”. وتبعه (رومان جاكبسون) الذي عرف الأسلوبية بأنها "البحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولاً، وعن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانيًا"، و(ستيفن أولمان)... وغيرهم.

إن الأسلوبية تستبدل الذاتية والذوقية في النقد التقليدي بالتحليل الكُلِّي العلمي المنضبط، المهتم بالسمات الفارقة بين نص وآخر، ومبدع وآخر.

إنّ البحث الأسلوبيّ إنّما يُعنَى بتلك الملامح أو السمات المتميزة في تكوينات العمل الأدبي وبواسطتها تكتسب تميزه الفردي أو قيمه الفنية، بصفته إنتاجًا إبداعيًّا لفرد بعينه، أو ما يتجاوزه إلى تحديد سمات معينة لجنس أدبيّ بعينه .

وتكمن أهمية الأسلوبية في بحثها عن الأسس الموضوعية لعلم الأسلوب، وتمثل طريقة في تحليل شكل النصّ مع الاعتماد على علوم أخرى والإفادة من معطياتها كعلم اللغة(اللسانيات).
وتتميز عن البنيوية بأنها لا تكتفي ببنية النص، بل تنظر إلى كل ما يحيط به نظرة شاملة، وهدفها الأساس البحث عن جماليات النصّ، وتأكيد شكلية الأدب بكل أجناسه.

كما أنّ الأسلوبية تتصل بعلم البلاغة، ولا سيما فيما يعرف بالانزياح والتكرار والإيحاءات التي يستشفها الناقد من السياقات المختلفة. ومن الباحثين من يرى أن أفق الدراسة الأسلوبية أوسع من أفق الدراسة البلاغية؛ فالأسلوبية علم وصفيّ يدرس الظواهر اللغوية جميعها بدءًا من الصوت مرورًا بالتركيب، أمّا البلاغة فهي علم معياري محدّد.

والحق أن هذا الكلام إن انطبق على علم البلاغة غربيًّا فإنه لا ينطبق على البلاغة العربية بعلومها الثلاثة وتراثها العربي العميق الفذ عند أسلافنا الكبار أمثال سيبويه وابن جني وعبدالقاهر الجرجاني والزمخشري، وغيرهم.فما نظرية النظم، عند الإمام عبدالقاهر الجرجاني إلا الأسلوب، ومن هذه النظرية بنى الأسلوبيون منهجهم الحديث "الأسلوبية" فأضحت بفضل الكثير من الملاحظات المتراكمة علمًا خاصًّا بدراسة جماليات الشعر والنثر، فليس في البلاغة العربية ما نعتذر عنه كما يقرر الدكتور عبدالعزيز حمودة رحمه الله تعالى، بل هي علم أصيل نفخر به ونفاخر الدنيا، ولها بناء شامخ . تستفيد الأسلوبية من البلاغة، مما يجعلها امتدادًا لها لا بديلاً!

وقد ظهرت الأسلوبية بوصفها منهجًا نقديًّا لسانيًّا، منطلقها الأساس النصّ الأدبيّ ودراسته دراسة لغوية لاستخلاص العناصر المكوّنة له، إذ إنّ المقاربة الأسلوبية من أهمّ الوسائل القادرة على كشف الخصائص المميزة لكلّ شكل تعبيريّ أو استعمال لغويّ.

–أنماط الأسلوب:

–الانزياح:

يتمثل الأسلوب في كونه انحرافًا عن القاعدة بالعدول؛ لأنّه ينأى بالمنشئ عن النمطية ويمكّنه من التعبير عن ذاته مبرزًا تميزه وتفرده في مجال اللغة، والانزياح أو الانحراف، ومعناه: مخالفة الأنماط المعيارية المتعارَف عليها للخروج إلى أسلوب غير مألوف، وذلك عن طريق استغلال إمكانات اللغة وطاقاتها الكامنة. ومن هنا يسعى الكاتب إلى تحقيق شروط البلاغة، بوصفها مدافعًا عن الاستعمال الجماليّ للغة، وكذلك يرعى مقتضيات النحو، لأنّ الخروج أو الانزياح الذي يسعى إلى تجاوز قواعد النحو واللغة غير مقبول جماليًّا.
-الاختيار:

يقوم المبدع بهذه العملية عندما يختار لفظة من بين العديد من الكلمات المعروفة لديه، والتي تمثل الرصيد المعجمي له فبمقدوره استبدال لفظة بأخرى، ولكنّه يختار كلمة ما يخال أنّها تؤدي المعنى الذي يراوده، وبمجرد التعبير تنعزل سائر المفردات التي يمكن أن تؤدي المعنى، وهذا الاختيار محكوم بحالة نفسية يحسب المتكلم أنّ هذه الكلمة أكثر قدرة على أداء معناه من غيره، فتنتقل كلماته من حيز المعجم إلى حيز السياق، ومن هنا تكتسب الألفاظ معاني جديدة بحسب سياقاتها الجديدة، قد تشترك مع دلالتها السابقة أي عندما تكون اللغة في درجة الصفر، وقد تخالفها مخالفة واسعة، وما يكشف تلك الانحرافات إنّما هو علم الأسلوب.

تكرار الأنماط اللغوية:

يبتعد الأديب هنا عن مبدأ الاستبدال والاختيار، ويعمد إلى التكرار المحكوم بحاجة نفسية لا تسمح للمنشئ بالاختيار، فهو يرتبط بحاجة ملحّة تتطلب منه تكرار الكلمة ليفرّغ من خلالها شحناته النفسية، إذ إنّ للتكرار مبعثًا نفسيًّا، ومن ثمّ فهو مؤشر أسلوبي يدل على أنّ هنالك معاني تحوج إلى شيء من الإشباع لذا تبتعد عن مبدأ الاختيار والاستبدال، وتستخدم طرقًا جديدة في التوزيع، وهذا ما يسمى بالمتغيرات الأسلوبية.

ويعتمد المنهج الأسلوبي على علوم اللغة المختلفة، مما يعني البحث عن جميع الخصائص الأسلوبية للنص من الحرف حتى الجملة. ويرتكز التحليل على عدة مستويات متعددة تشمل هذه العلوم. هي:

المستوى اللفظي الدلالي: و يشمل علم الدلالة، و دراسة اللفظة المفردة وهيئتها، ومعظم الباحثين المطبقين للأسلوبية يفصل الدلالة عن اللفظ!

المستوى التركيبي: يتم فيه دراسة الجملة وتركيبها كالتقديم والتأخير، والحذف، والقصر، وغيره.

المستوى التصويري: و فيه تُدرس الصور المختلفة في النص من صور جزئية، أو كلية مع مكوناتها. و يُدرس في هذا المستوى كل أنواع الصور.

المستوى الإيقاعي: وهنا يُدرس علم العروض و القافية في النص الشعري، و علم الأصوات، وعلم البديع في النص الأدبي عامة. و يدخل في هذا المستوى كل ما يمت للصوت بصلة من (الفونيم).

ولم يعد المنهج الأسلوبي يعتمد على الألفاظ وعلاقاتها بالجمل والتراكيب والقواعد النحوية فحسب بل " توسع مفهوم علم الأسلوب ليشمل كل ما يتعلق باللغة من أصوات و صيغ و كلمات وتراكيب فتداخل مع علم الأصوات و الصرف و الدلالة و التراكيب لتوضيح الغاية منه, و الكشف عن الخواطر و الانفعالات و الصور , وبلوغ أقصى درجة من التأثير الفني , بل توسع أكثر من ذلك أخيرًا، و اشتمل على علم النفس و الاجتماع و الفلسفة وعلوم أخرى شهدت دقة مناهجها ومدى صلاحيتها في إغناء المنهج الأسلوبي.
وقد أدى الاهتمام بدراسة الأسلوب وتحليله لغويًّا على وفق معايير لغته أو فنيًّا على وفق المعايير الفنية , إلى ظهور ما يسمى بالأسلوبية اللغوية التي ترى أن الأسلوب قد يكون انزياحًا أو انحرافًا, أو عدولاً عن السياق اللغوي المألوف في هذه اللغة أو تلك , أو قد يكون تكرارًا للمثال , أو النموذج النصي الذي يهتم به الذوق العام أو قد يكون كشفًا خاصًّا لبعض أصول اللغة ومرجعياتها، ولا سيما في الوجه الجمالي للتعبير أو ما يسمى بالوجه البلاغي أو البياني".
ومن هنا نستخلص بأن الأسلوبية إنما تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الدراسات اللغوية التي تمهد لدراسة النص الأدبي؛ لأن الناقد الأدبي قبل كل شيء يجب أن يكون لغويًّا جيدًا؛ لأنه" لا وجود لأي نص أدبي خارج حدود لغته"، وهذا يدفعنا إلى القول أن الأسلوبية لا تكتفي ألبتةَ ببنية النص كما هي البنيوية بل تنظر إلى ما يحيط بها نظرة شمولية تهدف من ورائها إلى خلق جماليات النص الأدبي و تنويره للقارئ.

وكلما تمكن الباحث من الإلمام بهذه المستويات في النص استطاع إبراز كل خصائصه الأسلوبية.

اتجاهات الأسلوبية:

ويتحدد المنهج الأسلوبي وفق ستة اتجاهات(صوتية، وظيفية، تكوينية، تعبيرية، نحوية، إحصائية، وهذا بيانها:

1-  <!--[endif]-->الأسلوبية الصوتية:

وتهتم بدراسة ثلاثة فروع في النص: دراسة الأصوات مجردة، ودراسة الأصوات والإيقاع، وجرس الألفاظ، والنغمة والتكرار، ورد الكلام بعضه على بعض، وإشاعة أنواع التوازن المختلفة، ودراسة العلاقة بين الصوت والمعنى، وترى أن الإيقاع لا يقتصر وجوده على الشعر وحده بل هو موجود في النثر أيضًا. ومن دعاتها المطبقين إياها جاكبسون.

2-   <!--[endif]-->الأسلوبية الوظيفية:

ويقال لها (الأسلوبية البنيوية). وقد عرفها (ريفاتير) أنها التي تدرس عملية الإبلاغ من خلال النصوص، مع التركيز على العناصر التي تساعد على إبراز شخصية المبدع وجذب انتباه المتلقي. وهذا لا يتأتى إلا بإخضاع العناصر الأسلوبية الموجودة في النص من غير انتقاء من خلال الاستعانة بالمتلقي. واقترح (ريفاتير) القارئ العمدة الذي عنده القدرة على الاستجابة لكل مثير أو متوالية أسلوبية. كما أضاف (ريفاتير) إلى الانحراف الدلالي تعديلاً جذريًّا وهو الانحراف السياقي. وتهتم الأسلوبية الوظيفية بدراسة العدول أو ما يسمى بالانحراف أو الانزياح.

 و من المعروف أن العالم (رومان ياكوسبون) قد حدد ست عناصر وست وظائف، والأسلوبية البنيوية قد اهتمت بالوظيفة الشعرية من بين هذه الوظائف، لذا ينظر إلى نظرية (ياكبسون) على أنها جزء من الأسلوبية، على الرغم من أن (ياكبسون) لا يدعي ذلك، إلا أنه لا يميل إلى تعريف الخصائص الجوهرية للأدب من المنظور اللغوي البحث، أو بمصطلحات لغوية بحثة، فهو يعطي العوامل الأخرى من مثل المتلقي أهمية في تحديد الأدب.

ويتحدد الأسلوب عند (ياكبسون) حسب الوظيفة المهيمنة التي تقوم بها اللغة، ولذا هناك من يذهب إلى أن أسلوبية (ياكبسون) أسلوبية وظيفية لتمييزها عن الأسلوبية البنيوية.
يختلف (ريفاتير) مع (ياكبسون) في عدة مفاهيم، ويقترح (ريفاتير) الوظيفة الأسلوبية بدلا من الوظيفة الشعرية ويقترح كذلك مصطلح الوظيفة الشكلية، كما أنه لا يوافقه على أن الأسلوب تابع للوظيفة المهيمنة التي تقوم بها اللغة، ولذا هناك من يذهب إلى أن أسلوبية (ياكبسون) أسلوبية وظيفية لتمييزها عن الأسلوبية البنيوية.

ويختلف (ريفاتير) مع (ياكبسون) في عدة مفاهيبم، ويقترح (ريفاتير) الوظيفة الأسلوبية بدلاً من الوظيفة الشعرية ويقترح كذلك مصطلح الوظيفة الشكلية، كما أنه لا يوافقه على أن الأسلوب تابع للوظيفة المهيمنة من الوظائف الست:

ويذهب (ريفاتير) إلى أنه توجد وظيفتان فقط هما:

<!--[if !supportLists]-->-       <!--[endif]--> الوظيفة الأسلوبية : وهي وحدها المتركزة في الرسالة.
- الوظيفة المرجعية : تشترك الوظائف الأخرى في كونها موجهة نحو شيء موجود خارج الإرسالية وهي تنظم الخطاب حول المسنن ومفكك السنن والمحتوى.
يؤكد (ريفاتير) على أن اللسانيات يمكنها أن تحلل كل الإرساليات فهي تهتم فقط بالبنيات التي لا تقبل أي تعويض.

وبهذا فقد ميز (ريفاتير) الأسلوب الأدبي عن بقية الأساليب الأخرى وعرفه قائلاً: أعني بالأسلوب الأدبي كل شكل مكتوب فردي ذي مقصدية أدبية.
ففي نظر (ريفاتير) الشكل ذو مرتبة متفوقة؛ ذلك لأن في منظوره الرسالة ومحتواها سوف يفقد كل منهما خصوصيته المتميزة إذا ما تغير عدد العناصر اللفظية ونظمها وبنيتها، ومن هنا فالأسلوب هو الأساس في الأسلوب هو ذلك الإبراز الذي يفرض انتباه القارئ، بعض عناصر السلسلة التعبيرية بحيث لا يمكن لهذا القارئ أن يهما تلك العناصر دون تسوية النص، كما أنه لا يمكن أن يكتشفها دون أن يحددها دالة ومتميزة … وما يتحصل قوله هو أن اللغة تعبر والأسلوب يعمل على إبراز القيمة.
ومن هذا التعريف يتضح أن (ريفاتير) يعتمد على القارئ في الكشف عن الخصائص التعبيرية، كما أنه أقام تحليله لمعايير الأسلوب على مفهوم القارئ النموذجي، الذي يقصد به مجموعة القراء تقاطعون في التأثير بخاصة من الخصائص الأسلوبية…

<!--الأسلوبية التكوينية:

إن رائد هذا الاتجاه هو الألماني (ليوسبيتزر) الذي تأثر بأستاذه (كارل فوسلر) الذي جمع بين المثالية والوصفية بوصفهما منهجين لا فلسفتين، فانطلق (سبيتزر) في وعي الظاهرة الأسلوبية من الحدس لكنه لم يتوقف عند إطار الحدس، إنما استعان على تأكيده أو نفيه باختبار الأسلوب اختبارًا علميًّا.
يتحدث (سبيتزر) عن خطوة الحدس قائلاً :إن الخطوة الأولى في هذا التحليل التي يتأسس عليها ما سواها لا يمكن التخطيط بها على الإطلاق، إذ ينفي أن تكون قد تمت بالفعل، هذه الخطوة هي إدراك دهشتنا أمام ملمح معين والإقناع بأنه يرتبط جذريًّا بمجموع العمل الأدبي ويشرحه.
وبهذا فـ(سبيتزر) يجعل للتحليل الأسلوبي خطوتين :
-الخطوة الأولى : هي خطوة حدسية ذاتية ومهمة، هذه الخطوة هي الكشف عن العنصر المركزي بالأسلوب الذي تتمحور حوله العناصر الأخرى، أو مجموع العمل الأدبي.

- الخطوة الثانية : هي التفسير الذي يأخذ على عاتقه اختبار ما اكتشفته الخطوة الأولى، ويكشف عن السمات الأسلوبية العامة للنص وطريقة تكونها وعلاقتها بالفرد مُرسِلاً أو مُتلقِّيًّا.

وتعنى الأسلوبية التكوينية بدراسة الوسائل التي يلجأ إليها المبدع للتعبير عما يريد العبارة عنه بأسلوب رفيع فالسمات الأسلوبية يمكن أن تتنوع أو تختلف أو تأتلف وأن تفسر بواسطة الخصائص السيكلوجية التي يتمتع بها أصل الوضع. ويرى(سبتزر) أن تكثيف المجاز ولعدول بالفظة عن أصل الوضع أو ما يسمى الانحراف أو العدول هو بعض مصادر الجمال في النص.

وتقوم الأسلوبية التكوينية على مبدأين:

أ‌-ـ دراسة نصوص كثيرة تمثل أنواعًا أدبية مختلفة وأجناسًا متعددة وعصورًا متنوعة؛ بغية الكشف عن الآليات التي تتحكم في تكوين الأسلوب الشعري.

ب‌- ـ الإفادة من نتائج علم النفس في إلقاء الضوء على الأصل الاشتقاقي لبعض السمات الفردية لكاتب أو شاعر ما؛ فدراسة العمل الأدبي أسلوبيًّا يتطلب التحرك بمرونة قصوى بين الأطراف والمركز الباطني للنص, والوصول إلى تلك النتائج يتطلب إعادة قراءة النص مرارًا.

4-الأسلوبية التعبيرية:

ترى أن التعبير وسيلة من الوسائل التي يلجأ إليها المنشئ؛ لاجتذاب القارئ، فالكاتب لا يفصح عن إحساسه وتأويله إلا إذا أتيح له أدوات دلالية ملائمة، وما على الأسلوبي إلا أن يبحث في هذه الأدوات ويعمل على دراستها وتصنيفها...

ويعد العالم (شارل بالي C.Bally) مؤسس الأسلوبية التعبيرية بعد أن تتلمذ على يد (دي سوسير) الذي درس الكلام دراسة لسانية فاستفاد منه بالي ورأى ضرورة دراسة الكلام دراسة وصفية أسلوبية. يقول بالي: "تدرس الأسلوبية وقائع التعبير اللغوي من ناحية الحساسية المعبر عنها … التي ينبغي أن تهتم عنده باستعمال الفرد للكلام في الظروف العامة التي تشترك فيها مجموعة لسانية لا بالاستعمال الذي يقوم به الكاتب وهو استعمال إرادي قصدي يتعامل مع اللغة بهدف جمالي.

وبهذا التعريف فإن (بالي) يجعل مجال الأسلوبية هو التعبير اللغوي في وسط اجتماعي، أو شكل معين للحياة أو طريقة للتفكير الجماعي مثل اللغات الشعبية أو لغة الطفولة … إلخ.
يرى (بالي) أن مستويات التعبير الأسلوبي تتحدد باللهجة والطبقة والشريحة الاجتماعية والعصر والمكان والعمر والجنس..

وقد فرق (تشارل بالي) بين أسلوبين: أحدهما ينشد التأثير في القارئ والآخر لا يعنيه إلا إيصال الأفكار بدقة. وطور تلاميذه هذا الاتجاه عن طريق التوسع في دراسة التعبير الأدبي؛ فالأسلوبية التعبيرية تقوم على شحن المتكلم كلماته بدلالات ليكثفها بغية خدمة المدلول.

وقد قسم (بالي) خصائص اللغة العاطفية أو الوجدانية إلى قسمين :
القسم الأول : هو اللغة الطبيعية، وتعني أن يكون هناك تلاؤم بين الشكل والمضمون.
القسم الثاني : هو اللغة المستثارة وهي أن تضفي فئة من الفئات طابعًا تأثيريًّا خالصًا.
وقد اعتنى بالي بهذين القسمين معًا؛ لأنه يهتم باللغة من حيث هي كلام فردي ذو طابع اجتماعي لا يقصد به التأثير الجمالي.
هذا هو باختصار تصور الأسلوبية، ولكن تلامذته لم يوافقوه على إخراج الأدب من دائرة الدرس الأسلوبي، ومنهم بيار جيرو الذي يحدد الأسلوب بقوله “هو وجه للملفوظ ينتج عن اختيار أدوات التعبير، وتحدده طبيعة المتكلم ومقاصده.
وحدود أدوات التعبير تحدد بالقيم التي يحتويها الإيصال اللساني فتعبر عن الموقف العفوي للمرسل، وتنقسم هذه القيم إلى ثلاث وهي :
-قيم مفهومية : وينجم منها الأسلوب الواضح والمنطقي والسليم.
- قيم تعبيرية : وينجم منها الأسلوب الانفعالي أو النزق أو الطفولي.
-قيم انطباعية : وينجم الأسلوب الحاسم والساخر والمضحك.
وبهذا فإن الأسلوبية عند جيرور تتلخص بمعرفة أدوات التعبير ووصفها وتحديدها، وفي معرفة مختلف الملفوظات، علاوة على إنشاء نموذجًا للأساليب.

5-الأسلوبية النحوية:

وتهتم بدراسة العلاقات والترابط والانسجام الداخلي في النص وتماسكه عن طريق الروابط التركيبية المختلفة , ومن هذه العلاقات : استخدام الضمائر والعطف والتعميم بعد التخصيص... وهذه العلاقات يلجأ إليها الكاتب لتنظيم جملة بعضها إلى جانب بعض مما يؤدي إلى تماسكها و ترابطها .. ويطلق عليها أحيانًا الأسلوبية البنائية، وتنظر إلى النصّ الأدبي من خلال الأسلوبية البنائية على أنّه بنية متماسكة، وبكونه كائنًا عضويًّا شعوريًّا
6- الأسلوبية الإحصائية:

وتعتمد الأسلوبية الإحصائية على المعايير الإحصائية انطلاقًا من أنّ الأسلوب مجموعة اختيارات المؤلّف، لذا يعدّ الإحصاء معيارًا موضوعيًّا يتيح تشخيص الأساليب، وبإمكاننا بواسطته تمييز الفرق بين أسلوب وآخر، بل يكاد ينفرد من بين المعايير الموضوعية بقابليته لأنّه يُستخدم في قياس الخصائص الأسلوبية بغض النظر عن الاختلافات في مفهوم الأسلوب ذاته.

ويُعنى هذا الاتجاه بالكمّ وإحصاء الظواهر اللغوية في النصّ، ويبني أحكامه بناء على نتائج هذا الإحصاء، ويعدّ المنهج الإحصائيّ من أهمّ المناهج التي خدمت النصوص الأدبية وبلورت جماليتها، إذ تعدّى مفهوم الإحصاء للكشف عن التوظيف الأسلوبي والدلالي للظواهر اللغوية المتواترة في العمل الأدبي؛ إذ تعتمد الدراسة الأسلوبية الإحصائية الإحصاءَ الرياضيَّ؛ بغيةَ الدخول في النصّ الأدبي لنستدلّ من خلالها على أهمّ خصائص الخطاب في أدواته البلاغية والجمالية، إذ يهدف التشخيص الأسلوبي الإحصائي إلى تحقيق الوصف الإحصائي الأسلوبي للنصّ لبيان ما يميزه من خصائص أسلوبية عن باقي النصوص.

إن الإحصاء الرياضي مطية للدخول إلى عوالم النصوص الأدبية، دلالة منها على خصائص الخطاب الأدبي في أدواته البلاغية والجمالية؛ إذ "يهدف التشخيص الأسلوبي الإحصائي إلى تحقيق الوصف الإحصائي الأسلوبي للنص، لبيان ما يميزه من خصائص أسلوبية" عن باقي النصوص الأخرى. وانصبت جهود الأسلوبيين الإحصائيين على مدارسة النصوص الإبداعية، من خلال بنياتها المشكلة لها ومراعاة عدم تكرارها، والبحث عن الصيغ والمفردات التي يركز عليها المبدع دون غيرها، وذلك للوقوف على المعجم الإفرادي والتركيبي والإيقاعي للمبدع ذاته، كما سعت إلى تبيان خصائص اللغة التي اعتمدها الكاتب محاولة منها لتأكيد أن المقاربة الإحصائية للأسلوب يقصد منها تمييز الملامح اللغوية للنص، وذلك من خلال إبراز معدلات تكرار مختلف المعاجم، سواء أكانت إفرادية أم تركيبية أم إيقاعية ونسب هذا التكرار، ولهذا النمط من المقاربة أهمية خاصة في تشخيص الاستعمال اللغوي عند المبدع، وإظهار الفروق اللغوية بينه وبين مبدع آخر، مع ذكر العلل والأسباب إلى حد ما.

ومن رواد المنهج الأسلوبي الإحصائي في الغرب (برنلد شبلز) في مؤلفه "علم اللغة والدراسات الأدبية، دراسة الأسلوب والبلاغة".ـ و(كراهم هاف) في كتابه "الأسلوب والأسلوبية"، و(جون كوهن) في كتابه "بنية اللغة الشعرية"، و(بوزيمان) في معادلته الإحصائية المعروفة .

كما نجد تجلي الأسلوبية الإحصائية واضحًا في النقد العربي المعاصر، حيث تركز بين الترجمة والنقد ومحاولات التطبيق على النصوص الإبداعية العربية، ومن النقاد العرب الأسلوبيين الذين برزوا في هذا الاتجاه: سعد مصلوح "الأسلوب دراسة لغوية إحصائية"، و"الدراسة الإحصائية للأسلوب، بحث في المفهوم والأجزاء والوظيفة" عالم الفكر العدد 03 أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر 1980م، والدكتور محمد الهادي الطرابلسي "في منهجية الدراسة الأسلوبية"، مجلة الجامعة التونسية نوفمبر 1983م، والدكتور صلاح فضل في كتابه "علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته"، والدكتور محمد العمري في كتابه"تحليل الخطاب الشعري".

 إن الإفادة من تطبيقات علم الإحصاء من شانه تعزيز المعايير الموضوعية في الدرس النقدي. حيث يمكن استخدامه (أي الإحصاء) في تشخيص الظواهر الأسلوبية، عن تلك السمات التي ترد في النص ورودًا عشوائيًّا لا يعتد بها.

إجراءات الأسلوبية الإحصائية:

تعتمد الأسلوبية الإحصائية على معادلة بوزيمان، المنسوبة إلى العالم الألماني أ. بوزيمان A.Busemann الذي كان أول من اقترحها و طبقها على نصوص من الأدب الألماني في دراسة نشرت له عام 1925م.

و تكون هذه المعادلة بقسمة التعابير الدالة على الحدث على التعابير المرتبطة بالوصف، فإذا زادت القيمة كان طابع اللغة أقرب إلى الأسلوب الأدبي، و كلما نقصت كان أقرب إلى الأسلوب العلمي.

وتقوم معادلة بوزيمان على حساب نسبة الأفعال إلى الصفات في العمل المدروس، ويرمز إليها بـ(ن/ف/ص). ويكون ذلك بإحصاء عدد الكلمات في الفئة الأولى (الأفعال) وعدد الكلمات في الفئة الثانية (الصفات)، وقسمة العدد الأول على الثاني، واعتبار الناتج مؤشرًا إحصائيًّا صالحًا لقياس الفروق بين مستويات اللغة المختلفة، كالفرق بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة، والفرق بين اللغة العلمية واللغة الأدبية، والفرق بين لغة الرجال ولغة النساء، وغيرها من الفروق التي تفرضها مقامات الحياة الواقعية من جهة، وسياقات العمل الأدبي ومستوياته المتعددة من جهة أخرى.
وقد نشأت معادلة بوزيمان بدءًا في إطار اللسانيات النفسانية لقياس درجة الانفعال والتوازن العاطفي، ثم أخذت طريقها إلى الأدب لقياس مدى أدبية العمل المدروس. وشهدت تطبيقاتٍ في بعض لغات العالم، ومن بينها اللغة العربية. وقد طبقها في النقد العربي العلامة سعد مصلوح-حفظه الله وبارك أثره ونسله- في كتابه (الأسلوب: دراسة لغوية إحصائية)، وهي المحاولة العربية الأولى والجادة لاستثمار هذا المقياس، وإنجاز دراسة علمية تتوخى أن تبتعد قدر الإمكان عن الأحكام الذاتية والانطباعات الشخصية.أعلى النموذج

 نشأة المعادلة:

يذكر فريدريك أنتوش Friederike Antosh في بحثه المعنون بـ«تشخيص الأسلوب الأدبي باستخدام نسبة الأفعال إلى الصفات» أن العالم الألماني أ. بوزيمان A. Busemann كشف، في 1925م، عن منهج جديد يسبر العلاقة الدقيقة بين مظاهر «الفعل» و«الوصف» في النصوص الأدبية. ويقوم هذا المنهج على معادلة رياضية هي:

<!--(عبارات الفعل) هي العبارات التي تصور أنشطة، وتتجلى في كلمات تدل على نشاط أو حركة. أما (عبارات الوصف) فهي التي تعبر عن خصائص إما كمية أو نوعية. ولمَّا كان التعرف على هذين النوعين من العبارات يعتمد إلى حد بعيد على الحدس، ومن ثم يصعب التمييز بينهما تمييزًا دقيقًا، عمل كل من ف. نويباور V. Neubauer وأ. شيلتسمان A. schlismann على تبسيط المعادلة عن طريق تقييد مجاليْ عبارات الفعل وعبارات الوصف، وحَصْر الأولى في الأفعال، والثانية في الصفات، من زاوية نحوية صرفة.

تطبيق المعادلة في النقد الأدبي، وفروضها الأساسية:

إن هذه المعادلة، كما يوضح العلامة سعد مصلوح، تستخدم مؤشرًا لقياس مدى انفعالية أو عقلانية لغة النصوص، ويصلح استخدامها- من ثَمَّ- مقياسًا لتشخيص الأسلوب الأدبي. وهي تتأثر بعدد من العوامل التي تنزع بقيمتها إما إلى الارتفاع أو الانخفاض.

ويمكن رد هذه العوامل أو المؤثرات إلى نوعين أساسيين هما: مؤثرات ترجع إلى الصياغة، ومؤثرات ترجع إلى المضمون:

 أما مؤثرات الصياغة فتتحدد بالمقولات الأساسية الآتية:
الكلام المنطوق يمتاز بارتفاع (ن ف ص) في مقابل انخفاضها في الكلام المكتوب.
نصوص اللهجات تمتاز بارتفاع (ن ف ص) في مقابل انخفاضها في النصوص الفصحى.
النصوص الشعرية تمتاز بارتفاع (ن ف ص) في مقابل انخفاضها في النثر.
– تختلف (ن ف ص) ارتفاعًا وانخفاضًا أيضا باختلاف فنون القول في الشعر والنثر على النحو الآتي:
– تمتاز الأعمال الأدبية (القصة والقصيدة والرواية والمسرحية) بارتفاع (ن ف ص) في مقابل انخفاضها في الأعمال العلمية.

– يمتاز النثر الأدبي بارتفاع (ن ف ص) في مقابل انخفاضها في النثر الصحفي (في الخبر والمقال والتعليق).

– يصل أقصى ارتفاع (ن ف ص) في قصص الجنيات، وتتناقص تدريجيًّا في الحكايات الشعبية، ثم في القصص والروايات المؤلفة.

– يمتاز الشعر الغنائي بارتفاع (ن ف ص) في مقابل الشعر الموضوعي (المسرحي مثلا).
– ومن أهم مؤثرات الصياغة طريقة العرض التي يلجأ إليها المنشئون في الأعمال القصصية والروائية خاصة، وتتأثر بها قيمة(ن ف ص) وفقا للآتي:

– قيمة (ن ف ص) في الفقرات السردية والوصفية تكون أقل منها في حديث النفس (المونولوج)، وفي هذا أقل منها في الحوار.

الأحاديث المتناثرة في الأجزاء السردية تحتل مكانًا وسطًا من حيث قيمة (ن ف ص) بين الحوار والمونولوج.

– قيمة (ن ف ص) في المونولوج تكون أقل منها في الحوار.
– قيمة (ن ف ص) مع السرد تكون أعلى إذا كان السرد من وجهة نظر شخصية (أي على لسان شخص ما) منها إذا كان السرد مجرد وصف مباشر على لسان المؤلف نفسه.

النوع الثاني من المؤثرات هو مؤثرات المضمون، ومن أهمها:
العمر:

 إذ يرتبط منحنى ن ف ص عادة بمراحل العمر، فيميل إلى تسجيل قيم عالية في الطفولة والشباب، ثم يتجه إلى الانخفاض في الكهولة.

الجنس:

 تميل قيمة (ن ف ص) إلى الارتفاع عند النساء في مقابل ميل واضح إلى الانخفاض عند الرجال.
 كيفية تطبيق المعادلة:

في ضوء التعديلات التي اقترحها نويباور وشيلتسمان سعياً إلى تبسيط معادلة بوزيمان، قرر أنتوش أن جميع أشكال الفعل تُحْتَسبُ في إطار (الفعل)، باستثناء الأفعال المساعدة. وفي إطار (الصفة) تُحْسَبُ جميع الصفات المسندة إلى اسم، والمؤكدات مثل sehr وausgesprochen
هذا في اللغة الألمانية، أما في اللغة العربية فقد ذهب سعد مصلوح إلى تطبيق المعادلة على النحو الآتي:

- يشمل الإحصاء، بالنسبة إلى الأفعال، جميع الأفعال التي تتضمن التعبير عن الحدث والزمن معًا.

 أما الأفعال التي تخصصت دلالتها في الزمن كالأفعال الناقصة أو التي جمدت دلالتها على الحدث فينبغي أن تكون خارج الإحصاء. وعلى ذلك فيخرج من الإحصاء الأنواع الآتية من الأفعال:
 الأفعال الناقصة: (كان وأخواتها إلا إذا استعملت تامة).

الأفعال الجامدة: مثل نعم وبئس.

 أفعال الشروع والمقاربة: مثل كاد وأخواتها.

ويدخل في الإحصاء جميع ما سوى ذلك من أفعال.

أما بالنسبة للصفات فيخرج من الإحصاء الجملة التي تقع في النحو التقليدي صفة سواء كانت جملة فعلية أو اسمية أو شبه جملة متعلق بمحذوف. وذلك لأسباب منها أولا: أن إعراب هذه الجملة صفة هو تصور نحوي (أي مقولة منهجية) وليس حقيقة من حقائق اللغة، وثانيا: لأن الجملة تتركب من عناصر قابلة هي في ذاتها للتصنيف مما يعقد عملية الإحصاء. وفيما عدا ذلك فقد شمل الإحصاء جميع الأنواع الأخرى من الصفات بما في ذلك الجامد المؤول بالمشتق كالمصدر الواقع صفة، والاسم الموصول بعد المعرفة، والمنسوب، واسم الإشارة الواقع بعد معرفة.
وفي موضع لاحق أضاف الدكتور مصلوح أن الصفات المعطوفة على صفة تدخل أيضا في الإحصاء.
تقوم على دراسة ذات طرفين , أولهما: هو التعبير بالحدث , والثاني هو التعبير بالوصف , ويعني بالأول الكلمات أو الجمل التي تعبر عن حدث و بالتالي الكلمات التي تعبر عن صفة , ويتم احتساب عدد التراكيب والقيمة العددية الحاصلة تزيد أو تنقص تبعاً لزيادة أو نقص عدد الكلمات الموجودة في هذه التراكيب , وتستخدم هذه القيمة في الدلالة على أدبية الأسلوب والتفريق بين أسلوب كاتب وكاتب .
فمثلاً كتاب " الأيام" لطه حسين تبين مثلاً أن نسبة الجمل الفعلية إلى الوصفية 39% في حين أن نسبة تكرار هذه الجمل في كتاب " حياة قلم" للعقاد لا تتعدى 18% , ومعنى ذلك أن كتاب الأيام أقرب إلى الأسلوب الانفعالي والحركي من كتاب العقاد الذي يميل فيه إلى الطابع الذهني العقلاني.
وقد ناقش المختار كريم في كتابه «الأسلوب والإحصاء» معادلة بوزيمان وآلية الدكتور مصلوح في تطبيقها على الأدب العربي، وأورد عليهما عدة ملاحظات، وكذا الدكتور صلاح فضل في كتابه علم الأسلووب، والدكتور شفيع علي السيد في كتابه المنهج الأسلوبي.  ويقيت تجربة علامتنا السعد باقية جاذبة الباحثين في تطبيقها على الأدب العربي، مُشجِّعة على المضي بها قدمًا، فقد طبَّقَها على عيناتٍ معتبرة من «الأيام» بأجزائه الثلاثة، و«مستقبل الثقافة في مصر» لطه حسين، و»حياة قلم» للعقاد، ولمادة متنوعة من الصحف العربية، ثم على استقصاء شامل لأربع من مسرحيات شوقي هي «مجنون ليلى»، و«مصرع كليوباترا»، و«الست هدى»، و«أميرة الأندلس»، ولروايتين كاملتين هما: «بعد الغروب» لمحمد عبد الحليم عبدالله، و«ميرامار» لنجيب محفوظ. وقد انتهى بهذه التطبيقات المتعددة إلى تصديق فرضيات بوزيمان.

وقد أضاف أحد الباحثين تفصيلات إضافية تؤخذ بعين الاعتبار في التطبيق على النصوص السردية، وهي تفصيلات لا تتعارض مع الخطوط العريضة التي اقترحها العلامة السعد، وهذه التفصيلات الإضافية هي:

– يحسب في الأفعال أسماء الأفعال مثل (هيَّا، تعال، هلمَّ .. . إلخ)، لأن دلالتها تتضمن الحدث والزمن معًا، وهما الجانبان اللذان اشترطهما مصلوح في الكلمة لتحتسب فعلا.

– نخرج من حساب الصفات جميع الصفات الداخلة في تكوين أسماء الأعلام، مثل: سهيل الجمرة الخبيثة، سعيد الضبعة، عبيد الديك، الشاعر الزحلي… إلخ، وهذه أسماء بعض شخصيات الرواية المدروسة.

– نخرج من حساب الصفات جميع الأسماء المعارف الواقعة منادى، والمعربة صفة بحسب القواعد النحوية، مثل: أيها المجنون، أيها المنفيُّ، أيها الشاعر .. . إلخ، لأنَّ هذه الكلمات، باتفاق النحاة، هي المقصودة بالنداء، وليست (أيُّها) سوى وصلةٍ ووسيلةٍ لنداء ما فيه «أل».
– ندخل في حساب الصفات جميع الصفات التي فصل بينها وبين موصوفها بواو زائدة .

تقييم فرضية بوزيمان:

- فكرة بوزيمان القائمة على حساب نسبة الأفعال إلى الصفات في دراسة الآثار الأدبية واعدة، ولكنها لا تزال بعيدة عن أن تكون أداة موضوعية محايدة بيد الناقد الأدبي. لا يمكن بحال الاكتفاء بقيمها من حيث الارتفاع والانخفاض لقياس مدى أدبية العمل المدروس، ولا يمكن اعتبار عدم تطابق قيمها مع فروض بوزيمان ومريديه ضعفًا في أداة الأديب. إذ هذه الفروض لا تزال بحاجة إلى مزيد درس وتمحيص وتعميق.
- قيم (ن ف ص) تتأثر بعوامل الصياغة أكثر بكثير من تأثرها بعوامل المضمون.
- خلصنا إلى بعض الفروض الخاصة بنا نراها تعديلا لفروض أنتوش ومصلوح، وهي:
أ‌- السرد الذي يقتصر على تصوير الحدث بعيدا عن وصف المشاركين فيه أو وصف البيئة التي يقع فيها يميل إلى رفع قيمة (ن ف ص).

ب‌- قد يلجأ الكاتب إلى استخدام الجمل الاسمية في تصوير المشاركين في الحدث وتصوير البيئة التي تحتضنه، أو استخدام الصفات/الجمل وهي غير محتسبة ضمن الصفات وفقا لآلية سعد مصلوح. وفي ضوء هذا الخيار تميل قيمة ن ف ص إلى الارتفاع، مما يدعو إلى مراجعة خيارات سعد مصلوح التي ذهب فيها إلى عدم احتساب الصفات/الجمل أو الصفات/أشباه الجمل في عدد الصفات.

ت‌- هذا السرد يتقدم في قيمة (ن ف ص) على المونولوج بخلاف ما ذهب إليه أنتوش.
ث‌- اللغة الشعرية في النثر تنزع إلى خفض قيمة (ن ف ص) وليس إلى رفعها.
ج‌- الوصف الخالص، كوصف المشاركين في الأحداث ووصف البيئة التي تقع فيها الأحداث، ينزع إلى خفض قيمة (ن ف ص) بشكل كبير.


وعلى هذا فإن الأسلوبية تواصل تأملها لعالم النص عن طريق القراءة متعددة الوجوه , وتتحدد هذه الاتجاهات بعضها مع بعض في كيان عضوي يجذب القارئ و يستثير تساؤلاته.

إن مناهج النقد الأدبي كثيرة و متعددة و تتداخل مع علوم شتى بعضها يتصل بالنص الأدبي بوصفه نصًّا لغويًّا و بعض آخر ينظر إلى النص الأدبي بعلاقته مع الخارج أي العلاقة بالمجتمع و التاريخ أو العلاقة بالذات المبدعة. و قد ظلت كثير من الأحكام النقدية قائمة على تقدير الناقد و مستوى ثقافته، و موقفه الذاتي من النص، فاختلف النقاد حول النص الواحد. من هنا كان الدرس الأسلوبي محاولة لتأسيس أحكام نقدية مبنية على إمكانيات النص و ما يقدمه من إشارات ذات دلالة تعين على تقدير النص و وضعه في مكانه المناسب. و علم الأسلوب الإحصائي واحد من تنويعات الدرس الأسلوبي الجادة المنضبطة في مقاربة النص مقاربة علمية رياضية شافية وافية مقنعة عند دعاته والمطبقين إياه.

وختامًا من الرائع بل من الأروع أن نجمع بين تلك المناهج النقدية قديمها وحديثها، ونأخذ منها ما نراه من نظرةٍ فاحصة أنها ستخدم النص الأدبي وتكسيه حلة جديدة، وتعطي كل ذي حق حقه سواء كان من جهة المبدع أو النص أو المتلقي أي: المرسل، والرسالة، والمرسل إليه.

المصدر: أبرز مصادر المحاضرة ومراجعها: - الأسلوبية والأسلوب، عبد السلام المسدي، تونس: الدار العربية لكتاب، ط2، 1982م. - الأسلوب دراسة لغوية إحصائية، سعد مصلوح، عالم الكتب. ط3. القاهرة. 1992. 73.74. - اتجاهات البحث الأسلوبي , لشكري عياد. - مدخل إلى علم الأسلوب: للدكتور: شكري عياد - الأسلوبية منهجًا نقديًّا، محمد عزام، دمشق: وزارة الثقافة السورية، ط1، 1989م. - الأسلوبية وتحليل الخطاب، نور الدين السدّ، الجزائر: دار هومة، ط1، 1997م. - البحث الأسلوبي: معاصرة وتراث، رجاء عيد، الاسكندرية: دار المعارف، ط1، 1993م. - البلاغة والأسلوبية، محمد عبد المطلب، مصر: الهيئة العامة للكتاب، ط1، 1984م. - بنية اللغة الشعرية، جون كوهن، ترجمة محمد الوالي ومحمد العمري، الدار البيضاء: دار توبقال، ط1، 1986م. - النقد الأدبي الحديث أسسه الجمالية , للدكتور: سعد أبو الرضا. - أصداء دراسات أدبية نقدية , للدكتور: عناد غزوان. - الأسلوبية وتحليل الخطاب: للدكتور: منذر عياشي. - في النقد و النقد الألسني: للدكتور: إبراهيم خليل. - الأسلوبية ونظرية النص .. للدكتور: إبراهيم خليل. الرابط: https://arabiyaa.com/2018/05/08/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9D - عبدالعزيز الفارسي فـي رواية (تبكي الأرض يضحك زحل) في ضوء معادلة بوزيمان، على الرابط: https://www.nizwa.com/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8% http://art.uobabylon.edu.iq/
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 11684 مشاهدة
نشرت فى 14 مارس 2020 بواسطة sabryfatma

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

337,340