دور مؤسسات الدولة في محاربة الإرهاب
إعداد:
الأستاذ الدكتور/صبري فوزي أبوحسين
أستاذ الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات
وعضو اتحاد كتاب مصر
لكي نتناول هذا الموضوع تناولاً منهجيًّا لابد من أن نتدرج مع القارئ الكريم من المسلمات لننتقل إلى المتطلبات والاستنتاجات، فنضع الأسئلة المثيرة الآتية:
<!--ما الإرهاب؟
<!--ما أنواع الإرهاب؟
<!--ما أسباب الوقوع في الإرهاب؟
<!--ما أضرار الإرهاب؟
<!--كيف نواجه الإرهاب؟
وإجابة هذه الأسئلة ستكون في المطالب الفكرية الآتية:
أولاً: تعريف الإرهاب
يعد (الإرهاب) من المصطلحات المُلبسة والغامضة؛ بسبب التعقيدات السياسية والدينية، الماضية والحالية، إذ أصبح ذا مفهوم غامض أحيانًا، ومختلف عليه في أحيان أخرى. ونحاول هنا عرض أكثر من تعريف واستنباط تعريف محدد.
الإرهاب لغة:
(الإرهاب) مصدر قياسي للفعل(أرهب)، يقال: أرهب فلانًا: خوَّفه وفزَّعه، وجاء في التاج: الإرهاب: الإزعاج والإخافة(<!--)، وهو مشتق من الجذر اللغوي(ر/هـ/ب)، والرهْب والرهبة: مخافة مع تحرز واضطراب، وكل ما يشتق من هذا الجذر اللغوي يدور حول دلالتين كليتين، هما (الخوف، والخِفَّة)، قال ابن فارس: "الراء والهاء والباء أصلان: أحدهما يدلُّ على خوفٍ، والآخَر على دِقّة وخِفَّة؛ فالأوَّل الرَّهْبة: تقول رهِبْت الشيءَ رُهْباً ورَهَباً ورَهْبَة. والترهُّب: التعبُّد. ومن الباب الإِرهاب، وهو قَدْع الإِبل من الحوض وذِيادُها. والأصل الآخر: الرَّهْب: الناقة المهزولة. والرِّهاب: الرِّقاق من النِّصال؛ واحدها رَهْبٌ. والرَّهاب: عظمٌ في الصَّدر مشرفٌ على البَطن مثلُ اللِّسان(<!--)"..
وهاتان الدلالتان لهما صلة بالمفهوم الحديث لمصطلح (الإرهاب)، فهو عمل إجرامي يقصد في المقام الأول نشر(الخوف) في قلوب البشر المستهدفين ونفوسهم، كما أنه لا يصدر إلا من نفوس فيها(خفة) قلبية وعقلية وشخصية، نفوس ضعيفة، مستلبة مخدوعة ومغرر بها، ومن ثم نرى الدلالتين(الخوف والخفة) موجودتين في هذا المصطلح والمتصفين به.
ولقد أقر المجمع اللغوي القاهري في معجمه الوسيط مصطلح (الإرهاب) باعتبارها كلمة حديثة في اللغة العربية أساسها “رهب” بمعنى خاف، و(الإرهابيون) وصف يطلق على الذين يسلكون سبل العنف لتحقيق أهدافهم السياسية(<!--) .
ويتفق ما تقدم مع اصطلاح (الإرهاب Terreur )في اللغات الأجنبية القديمة كاليونانية واللاتينية؛ إذ يعبر عن حركة من الجسد تفزع الغير ( Manifestation du corps)، وانتقل هذا المعنى إلى اللغات الأجنبية الحديثة، وعلى سبيل المثال نجد أن معنى كلمة (إرهاب) في اللغة الإنجليزية: Terrorism المشتقة من كلمة Terror أي الرعب. وفي المنجد كلمة الإرهابي تدل على كل (من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطة) ، والحكم الإرهابي هو نوع من الحكم يقوم على الإرهاب والعنف تعمد إليه حكومات أو جماعات ثورية. (<!--).
الإرهاب اصطلاحًا
عرف قاموس ” إكسفورد” كلمة الإرهاب بأنها “استخدام العنف والتخويف بصفة خاصة لتحقيق أغراض سياسية”. وفي اللغة الفرنسية نجد أن قاموس “روبير” عرف الإرهاب بأنه “الاستعمال المنظم لوسائل استثنائية للعنف من أجل تحقيق هدف سياسي مثل الاستيلاء أو المحافظة أو ممارسة السلطة، وبصفة خاصة هو مجموعة من أعمال العنف (اعتداءات فردية أو جماعية أو تدمير) تنفذها منظمة سياسية للتأثير على السكان وخلق مناخ بانعدام الأمن(<!--)". كما يعني الإرهاب أيضا محاولة الجماعات والأفراد فرض أفكار أو مواقف أو مذاهب بالقوة؛ لأنها تعد نفسها على صواب والأغلبية مهما كانت نسبتها على ضلال، وتعطي نفسها وضع الوصاية عليها تحت أي مبرر… ومن هنا يأتي أسلوب الفرض والإرغام(<!--)، وفي معجم المنجد كلمة الإرهابي تدل على كل (من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطة) ، و(الحكم الإرهابي) هو نوع من الحكم يقوم على الإرهاب والعنف تعمد إليه حكومات أو جماعات ثورية (<!--).
ويعرف الإرهاب في القانون الجنائي بأنه:" تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف، ويكون موجهًا ضد أتباع طائفة دينية أو أخرى سياسية معينة، أو لتحقيق هدف أيديولوجي، وفيه استهداف متعمد أو تجاهل سلامة غير المدنيين. إنها أعمال العنف غير المشروعة والحرب. يتم عادة استخدام تكتيكات مماثلة من قبل المنظمات الإجرامية لفرض قوانينها. فهو وسيلة من وسائل الإكراه في المجتمع الدولي. وإنه العنف المتعمد الذي تقوم به جماعات غير حكومية أو عملاء سريون بدافع سياسي ضد أهداف غير مقاتلة، ويهدف عادة للتأثير على الجمهور(<!--).
و(الإرهاب) قد يكون (فكرًا) يزين العنف ضد الآخرين ويبرره، وقد يكون (قولاً) يدعو إليه ويعلن عنه ويحث عليه. والغالب أنه (فعل) عنيف غير مشروع، يمارس بلا إعمال للعقل أو الضمير، بل بكل وحشية وهمجية وجاهلية وغطرسة وبلطجة! والهدف من ذلك بث الرعب والخوف والهلع والفرقة والفتنة بين أفراد المجتمع! لتحقيق مآرب سياسية أو عقائد دينية أو مصالح اقتصادية أو غير ذلك، على حساب أمن العامة وأمانهم، وراحتهم ورخائهم، واستقرارهم وهدوئهم...
ثانيًا: الإرهاب فى القرآن الكريم :
بتدبر الكلمات المشتقة من الجذر (ر/هـ/ب) في القرآن الكريم نجد أنها وردت سبع مرات بدلالة الخوف هي: [يَرْهَبُون(الأعراف، الآية:154)، فارْهبُون(مرتان: (البقرة، الآية:40، (النحل، الآية:51)، تُرهِبُونَ(الأنفال، الآية:60)، اسَتْرهَبُوهُم(الأعراف، الآية:116)، رَهْبَةً(الحشر، الآية:13)، رَهَبًا(الأنبياء، الآية:90)]، وخمس مرات بدلالة التعبد، هي[ الرهبان(التوبة، الآية:34)، رهبانا(المائدة، الآية:82)، رهبانهم (التوبة، الآية: 31)، رهبانية(الحديد، الآية:27)] (<!--)..وما يهمنا هنا السبع الأولى لاتصال دلالتها بمصطلح الإرهاب في مفهومه الحديث، و يمكن تنصيفها في الدلالات الثلاثة الآتية:
<!--الرهبة من الله تعالى وحده:
وذلك في أربعة مواضع من كتاب ربنا عز وجل، هي:
<!--قوله تعالى:(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (<!--))
<!--قوله تعالى: (وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ(<!--))
<!--قوله تعالى: (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ(<!--) ).
<!--قوله تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (<!--))
فالله –عز وجل- هو وحده المختص بالرهبة والخوف والخشية والخشوع والخضوع والتقوى دائمًا وأبدًا في كل زمان ومكان وحال ومآل؛ لأنه الجبار القهار المنتقم المعز المذل، مالك كل شيء وهو على كل شيء قدير.
<!--الإرهاب لأعداء الأمة المحاربين البارزين والمستترين
وذلك في موضعين، هما:
<!--قوله تعالى: {لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (<!--)}، يقول الله -تعالى ذكره- للمؤمنين به من أصحاب رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم-: لأنتم أيها المؤمنون أشدّ رهبة في صدور اليهود من بني النضير من الله، خافوا منكم أعظم مما يخافون الله، وقدموا مخافة المخلوق الذي لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًّا، على مخافة الخالق، الذي بيده الضر والنفع، والعطاء والمنع. والسبب أنهم قوم لا يفقهون، قدر عظمة الله، فهم لذلك يستخفُّون بمعاصيه، ولا يرهبون عقابه قدر رهبته منكم، ولايفقهون مراتب الأمور، ولا يعرفون حقائق الأشياء، ولا يتصورون العواقب، وإنما الفقه كل الفقه، أن يكون خوف الخالق ورجاؤه ومحبته مقدمة على غيرها، وغيرها تبعًا لها. كما قال مفسرو قرآننا قديمًا وحديثًا(<!--).
<!-- قول الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ. وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(<!--). فالإرهاب لا يكون إلا للمحاربين المعتدين، فقد ذكر في الآية التي سبقتها، الخوف من خيانة المعاهدين بسبب نقضهم العهود ، قال تعالى: {َوإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ(<!--)}، كما يزداد المعنى وضوحًا أيضًا وتأكيدًا، عند مواصلة القراءة إلى تمام الآية التي تليها ، وهي قوله تعالى: { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا (<!--)}؛ فالإرهاب هنا "من أجل منع العدوان والظلم، ولحماية أمة الإسلام التي أُمرت بالتزام الحق والعدل، وأمرت بتحصل القوة لتثبيتهما إزاء الناس كافة، ولأن الاستعداد المستمر والجاهزية للجهاد عند الاقتضاء يدفع الحرب ويمنع وقوعها بسبب خوف من يعتزم نقض العهود، ويبيت الاعتداء، ويضمر الخيانة والغدر، وإرهابه إرهابٌ مشروع، ولا يتحقق له ذلك، ويحصل له الخوف والرهبة الزاجرة إلا متى علم بشدة قوة المسلمين؛ فالآية التي تأمر المسلمين بوجوب تحصيل القوة، وتوفير أسبابها ومقوماتها، بما يتناسب مع كل عصر، إنما لتكون رادعًا وزاجرًا يرهب كل من تسول له نفسه مباغتتهم بالحرب، فيتضرر المسلمون، وتتعطل رسالة الإسلام الذي يسعى إلى تحقيق السلام ، ويأمر بالجنوح له ؛ لأنه -أي: الإسلام- من بين مقاصده وغاياته ، وفي تحصيل القوة سدٌّ لأبواب المفاسد والحروب، وحفظ للأمن، وجلب مصالح ومنافع العباد، فيهنأ الجميع باتقاء الفتن، ويسعد الجميع بانفتاح أبواب التعاون وتنمو روابط المودة ويزدهر العمران في الأرض(<!--).
فالدولة مطالبة بأن تتسلح دائمًا بكل عدة عسكرية قادرة على الردع، وعلى الإرهاب لكل الأعداء المتربصين بنا: المعروفين وغير المعروفين، فلن يتحقق لنا الاستقرار والعيش في سلام إلا من خلال القوة الحامية، والقوة المدافعة، والقوة البناء المعمرة. وصدق شعارنا: يد تبني، ويد تحمل السلاح.
<!--الاسترهاب:
وذلك في قوله تعالى عن سحرة فرعون: " قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ(<!--) ويفهم من الآية أنه يوجد نوع من التخطيط لإيقاع الناس في الخوف والهلع والفزع، واستعانة بكل وسيلة تحمل على ذلك وتدفع إليه، وتتسبب فبه، فــ(استرهبوهم) أي حملوهم على أن يرهبوا. جاء في تفسير الإمام الطبري: "قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال موسى للسحرة: (ألقوا ما أنتم ملقون) فألقت السحرة ما معهم، فلما ألقوا ذلك "سحروا أعين الناس :" خيلوا إلى أعين الناس بما أحدثوا من التخييل والخُدَع أنها تسعى، " واسترهبوهم، يقول: واسترهبوا الناس بما سحروا في أعينهم, حتى خافوا من العصيّ والحبال, ظنًّا منهم أنها حيات" وجاءوا " كما قال الله: "بسحر عظيم": بتخييل عظيم كبير(<!--): أي أرهبوهم إرهابًا شديدًا كأنهم استدعوا رهبتهم، أو أرهبوهم فكأن فعلهم اقتضى واستدعى الرهبة من الناس. وفي المعجم الوسيط: استرهبه: رهَّبه(<!--).
وفي القرآن الكريم ألفاظ متصلة بدلالة الإرهاب الحديثة والحالية، يمكن حصرها في المصادر الآتية: الظلم، والبغي، والاعتداء، والحرابة، والفساد، والإجرام، والطغيان، الرعب، الخوف... <!--[if !supportFootnotes]--><!--[endif]-->