جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
بعد الإتفاق مع الدكتور/ المشد ، والتعاقد معه ، تصادف وقوع هذا الحادث . في مدينة طولون ، في جنوب فرنسا ، وصل ثلاثة أشخاص ، قادمين من باريس في رحلة داخلية . استأجروا سيارة ، وجدوا بداخلها أربعة أشخاص ، قادوها إلي فيلا قريبة من محطة القطار . باتوا من ليلتهم يرسمون الخطة . وفي الصباح توجهوا إلي مرفأ صغير ، غرب المدينة ، في رحلة استطلاعية . بالقرب منهم كان موقع المفاعلين النويين العراقيين ، وقد كان من المقرر شحنهما إلي بغداد ، عن طريق ميناء مرسيليا . كانت الخطة التي حملها الرجال السبعة ، وجاءوا بها إلي هذا المكان ، هي سرقة قلبي المفاعلين ، والخطة البديلة كانت تخريبهما . وقد جري إعداد الخطة والخطة البديلة ، بناءًا علي معلومات دقيقة ، تم تسريبها عن طريق عالم ذرة عراقي ، تم تجنيده لحساب الموساد ، عن طريق شبكة كانت فيها ستيفي ليفني ، وزيرة الخارجية الإسرائيلية فيما بعد ، وزعيمة أحد الأحزاب السياسية هناك ، وصاحبة الفتوي الحاخامية الشهيرة بجواز الزنا ، طالما كان في خدمة دولة إسرائيل . وبالفعل تسللوا إلي داخل المكان ، وهو مستودع حربي فرنسي ، لابد بحكم طبيعته أن يخضع لأعلي درجات التأمين ، فضلاً عن طبيعة المخزون فيه . دخلوا بسهولة ضمن رتل الشاحنات الفرنسية ، التي حملت المعدات والمفاعلين الى المستودع ، واستطاعوا تمييز المفاعلين العراقيين من بين عدة مفاعلات أخري . وقد كان برفقتهم عالم نووي إسرائيلي . وحاولوا فك قلبي المفاعلين بشتي الطرق ، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل ، بعد الجهد والوقت الذي بذلوه ، لم يجدوا مناصاً من تخريب المفاعلين عن طريق وضع عبوات ناسفة وتفجيرها ، بداخلهما ، وذلك بفضل المعلومات والمخططات الوفيرة ، التي وفرها العميل العراقي ، وقدرة عالم الذرة الإسرائيلي ، علي تحديد المواضع الدقيقة ، للعبوات الناسفة ، من قلبي المفاعلين ، كي تكون قوة التفجير كافية للتدمير . وفجروا المفاعلين ، ولاذوا بالفرار ، فتم تدمير أكثر من 60 % من مكونات المفاعلين . أسرعت فرنسا إلي شحن معدات بديلة للعراق . علي الجانب الآخر ، كان المشد قد اكتشف ، أن شحنة اليورانيوم الفرنسية ، إلي العراق ، غير مطابقة للمواصفات . وهنا حدث شد وجذب ، بين السلطتين الفرنسية والعراقية ، انتهت إلي مطالبة فرنسا ، الجانب العراقي ، بضرورة إرسال المهندس ، الذي اكتشف عدم مطابقة اليورانيوم للمواصفات المطلوبة ، بنفسه ، إلي باريس . وأصر الجانب الفرنسي علي ذلك ، رغم أن هذه المهمة ، يمكن إنجازها عن طريق أي مهندس عادي بهيئة الطاقة النووية . وضغط الجانب العراقي علي الدكتور المشد ، لإنجاز المهمة ، استناداً إلي ثقتهم في قدراته ، وامكانياته . علي جانب ثالث ، كان الموساد قد نجح في إختراق مفوضية الطاقة الذرية الفرنسية ، ونجح في اكتشاف وتحديد ، شخصية العالم المصري ، الذي يعمل لصالح المشروع النووي لصدام حسين ، في باريس . وهو ليس غريباً عليهم ، فقد سبق لهم متابعته في النرويج من قبل ، وضغطوا عليه ، وأغروه ، وطاردوه ، بعد خطبته الشهيرة التي ألقاها هناك ، عن القضية الفلسطينية ، حتي غادرها ، قافلاً إلي بلده مصر . وها هو يظهر أمامهم في المشهد مرة أخري ، ولكن هذه المرة في أرض الفرات . حزم دكتور المشد أمتعته ، مغادراً من بغداد إلي باريس . بعد أن حجز غرفة له ، بفندق الميريديان بباريس . ودع أسرته ، وسافر إلي عاصمة النور . وهناك أصبح محور اهتمام ونشاط جهاز الموساد ، وكان الهدف الإيقاع به في حبائلهم ، وتجنيده لحساب دولة اسرائيل . دفعوا في طريقه بعاهرة باريسية تدعي ماري كلود ماجال ، وقيل أنها من شبكة ستيفي ليفني للدعارة ، باعتبار أن هذا الطريق ، من واقع خبرتهم ، هو الأسهل للسيطرة علي الرجل العربي ، ليس باعتباره محباً للجنس ، مع الشقروات ، وصويحبات العيون الملونة فقط ، ولكنه الأسهل قياداً في الخضوع للإبتزاز عن هذا الطريق ، وخشية التشهير والفضيحة من طريق آخر . وقد استأجرت تلك الفتاة الغرفة المجاورة لغرفة الدكتور المشد . وحاولت ماري الإيقاع به ، إلا أنه كان دائم الصد لها ، ورفض مجاراتها ، أو حتي التحدث إليها . وفي تلك الليلة أبت إلا أن تقضي سهرة ممتعة معهِ ، فذهبت إلي غرفته ، ففتح الباب وطردها ، وظلت واقفة أمام غرفته ، آملة أن يغير رأيه . لكن هذا لم يحدث . وفجأة سمعت صوت جلبة أصوات من داخل غرفة العالم المصري ، أعقبتها ضجة ، ثم ساد الصمت . وفي يوم الجمعة 13 يونيه / حزيران سنة 1980 م ، اكتشفت الشرطة الفرنسية ، جثة الدكتور المشد ، مهشمة الرأس بآلة حادة ، ودماؤه تغطي سجاد الغرفة . وكان المقصود من دفع فتاة الليل في طريقه ، معاودة إغتياله ثانية ، وهو ميت ، فيصبح مقتله عن طريق مومس فرنسية ، وقد روجوا لذلك ابتداءًا . حتي جاءت شهادة الفتاة الفرنسية لتقلب المنضدة علي رؤوس من جندوها لإغتيال الرجل . فقد شهدت بما حدث معها فعلاً ، وأنه قد رفض حتي مجرد التحدث معها . وقد كانت شاهدة العيان الوحيدة في القضية . فقيدت القضية ضد مجهول ، وضرب حولها طوق من التعتيم الإعلامي المطبق . أما الفتاة ، فبعد إدلاءها بشهادتها في القضية ، بأقل من شهر ، وأثناء تواجدها في ضاحية سان ميشيل ، وعند عبورها الشارع ، بعد خروجها من إحدي الحانات الفقيرة ، صدمتها سيارة مجهولة ، لتلقي حتفها في الحال ، وقيدت القضية ضد مجهول . قالت زنوبة علي الخشاني ، زوجة الدكتور المشد ، في معرض دفاعها عن زوجها : " يحيى كان رجلا محترما بكل معنى الكلمة، وأخلاقه لا يختلف عليها اثنان، ويحيى قبل أن يكون زوجي فهو ابن عمي، تربينا سويًّا منذ الصغر؛ ولذلك أنا أعلم جيدًا أخلاقه، ولم يكن له في هذه "السكك" حتى إنه لم يكن يسهر خارج المنزل، إنما كان من عمله لمنزله والعكس…". وبعد حوالي عام ، قام الطيران الإسرائيلي ، بالإغارة علي العراق ، وتدمير موقع المفاعلين تدميراً كاملاً . وبعد عودة أسرة المشد من العراق ، قامت بعمل جنازة له ، لم يحضرها أي من المسئولين ، وحضرها عدد محدود من زملاءه ، وتلامذته من كلية الهندسة . وغاب عنها الإعلام غياباً تاماً . وتتعيش أسرته من معاش ضئيل من الشئون الإجتماعية ، ومعاش من دولة العراق ، تقرر له ـ بأوامر من صدام ـ مدي الحياة . وتوقف صرفه بعد حرب الخليج . ليدخل بذلك الدكتور المشد ضمن سلسلة العلماء الذين تم إغتيالهم عن طريق الموساد . ولا يزال ملف هذه القضايا مقفولاً ، والفاعل مجهولاً . رحم الله الفقيد رحمة واسعة ، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان ، ولا أراكم الله مكروهاً في عزيز لديكم . ،،،