جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
المرأة دائماً ، تتبع القمر وصفاً ، والريشة والألوان رسماً ، والشعر والخيال فكراً ووجداناً . ذلك المخلوق العجيب الذي يضفي علي الوجود رونقاً ، وجمالاً ، وسحراً . المانح للحياة حلاوة ، وطراوة ، ودفئا ، وحناناً ، ولطفاً ، وحباً ، وشوقاً . فإذا جمعت إلي جوار ذلك نبوغاً وعبقرية في مجالات بزَّت فيها عن الرجال بزَّاً ، فتلك هي العبقرية الجميلة .
ومس كوري عالمة بولندية . أول إمرأة تحصل علي جائزة نوبل ، وهي الوحيدة التي حصلت عليها في مجالين مختلفين . فقد حصلت عليها مناصفة بينها وبين زوجها في الفيزياء . ثم حصلت عليها منفردة في الكيمياء . وهي أول إمرأة تحصل علي درجة الأستاذية في جامعة باريس . وضعت نظرية للنشاط الإشعاعي ، وابتكرت تقنيات لفصل النظائر المشعة ، واكتشفت عنصري البولونيوم والراديوم الكيميائيين ، وأشرفت علي أول دراسة لمعالجة الأورام بالنظائر المشعة . توفيت بمرض فقر الدم اللاتنسجي ، نتيجة تعرضها للإشعاع لعدة أعوام .
وسميرة موسي هي مس كوري المصرية ، كما أطلق عليها المصريون . بنت القرية التي انتقل بها والدها الفلاح إلي القاهرة كي تتلقي تعليمها ، فاشتري فندقاً متواضعاً في حي الحسين ، وكان مستقبل أسرته بالكامل معلقاً علي هذا القرار . ثم بني لوكاندة وادي النيل بميدان العتبة . ونجح في إلحاق ابنته بمدرسة قصر الشوق الإبتدائية ، ثم مدرسة بنات الأشراف الثانوية ، وكانت تديرها نبوية موسي ، رائدة التعليم في مصر ، والناشطة السياسية .
تفوقت سميرة موسي ، وكانت تحصل علي المركز الأول في جميع الإمتحانات التي دخلتها . بانت عبقريتها وهي في السادسة عشر من عمرها ، حيث ألفت كتاباً في الجبر أسمته " الجبر الحديث " ، طبعت منه ثلاثمائة نسخة علي نفقة والدها . فكرت في ترك مدرستها لعدم وجود معمل بها ، فسارعت نبوية موسي ببناء معمل لها ، قيضت له أفضل مدرسي العلوم .
التحقت سميرة بكلية العلوم ، ودخلت معاملها ، وفيها التقت بالأسطورة التي صاغت عبقريتها العلمية والإجتماعية ، التقت بآينشتاين العرب / علي مشرفة . كانت الأولي علي دفعتها ، وأول معيدة يعينها مشرفة ضمن هيئة التدريس ، رغم احتجاجات الأجانب ، وعلي رأسهم الأستاذ " آيرز " الإنجليزي .
سافرت سميرة إلي لندن للحصول علي الماجستيرفي التواصل الحراري للغازات ، ثم في بعثة للحصول علي الدكتوراه في الأشعة السينية ، إلي جانب دراسة الإشعاع النووي . أنجزت الرسالة في عامين ، وفي العام الثالث واصلت أبحاثها ، وتوصلت إلي معادلة تمكن من تفتيت المعادن الرخيصة ، وصناعة القنبلة الذرية منها ، إلا أن ذلك لم يلق قبولاً لدي الغرب حينذاك . وقد كانت عضواً في العديد من اللجان العلمية المتخصصة ، وعملت علي انشاء هيئة الطاقة الذرية . كانت تقول : " أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين " . وفي رسالة لوالدها : " لو كان في مصر معمل مثل المعامل الموجودة هنا كنت أستطيع أن أعمل حاجات كثيرة " وفي آخر رسالة له قالت : " لقد استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا و عندما أعود إلى مصر سأقدم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان و سأستطيع أن أخدم قضية السلام ".
استجابت سميرة إلي دعوة السفر إلي أمريكا في عام 1951م ، وأتيح لها إجراء البحوث في معامل جامعة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية . تلقت عروضاً بالبقاء إلا أنها رفضت ، وكان قد صدر بشأنها قراراً سرياً بألا تعود إلي مصر ، وإن عادت فلتعد جثة هامدة . وقد كانت هناك شكوك حول أسباب موتها في حادث سيارة غامض . إلي أن ظهرت ريتا ديفيد توماس ، حفيدة الممثلة المصرية راقية ابراهيم " راشيل ابراهام ليفي " ، من زوجها اليهودي الأمريكي . وقد كشفت عن العلاقة الحميمة بين جدتها وعالمة الذرة المصرية من واقع مذكراتها التي كانت تخفيها ، وأن جدتها ساهمت في تصفيتها ، حيث أنها استطاعت سرقة مفتاح شقتها بطبعه علي صابونة ، مما أتاح دخولها ، وتصوير معملها الخاص وأبحاثها . وهي التي حملت عرض البقاء ، والحصول علي الجنسية ، والإقامة ، والعمل . فلما رفضت ، هددتها بالعواقب الوخيمة ، مما دفعها إلي طردها . بعدها قرر الموساد تصفيتها .
في آخر بعثاتها لأمريكا ، كان في استقبالها صديقة مشتركة ، هي التي كانت تخبر راقية ابراهيم بتحركاتها . وقبل عودة سميرة بأيام ، تلقت دعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفونيا ، وأرسلوا لها سيارة لاصطحابها . وفي الطريق اعترضتهم سيارة نقل فجأة ، لتصطدمهما ، وتهوي السيارة بسميرة إلي واد عميق ، بعد أن قفز السائق المجهول المحترف من السيارة . وقد انكرت إدارة المعامل الدعوة ، وأنكرت أمر السيارة ، وقيدت القضية ضد مجهول .
كتب أحد اساتذتها في جامعة بدفورد في تقريره عنها لجامعة القاهرة : " إن تجارب سميرة موسى قد تغير وجه الانسانية لو وجدت المعونة الكافية " . و قال المتحدث باسم السفارة المصرية في واشنطن ذلك اليوم: " إن الآنسة سميرة موسى علي ، الطالبة المصرية التي تتلقى العلم في الولايات المتحدة ، قُتلت في حادث سيارة ، بعد أن أتمت دراستها في جامعة أوكردج بولاية تنيسي الأمريكية ".
ماتت سميرة موسي " 3 مارس 1917 ـ 15 أغسطس 1952 " عن عمر يناهز 35 ربيعاً .
وقد سلمت مع جثتها نوتة صغير ، كانت تسجل فيها خواطرها ، وكان آخر ما خطته فيها : " ثم غربت الشمس " .