وانهارت جداران الصمت
وانهارات جدران الصمت وخرج القابع في عزلته خلف أسوار الخوف، ليصرخ من أعماق النفس المنسحقه : كفايه ظلم، كفاية فساد.
لكن لا أحد يجيب، ولا أحد يلتفت. بخطى واسعة يعبر الطريق غير مكترث بالسيارات المسرعه، ليتوقف أمام محطة البنزين في زهول تام . تمتد يده التي يتصبب منها العراق إلى جيوبه لتبحث عن نقود ، مخرجا خمسه جنيهات، ينظر إليها وكأنه يودعها ، طالبا علبة كبريت وزجاجة بنزين، ويهرول مسرعا ليعبر الطريق مرة أخرى!!!!
ظللت واقفا على الرصيف المقابل وعيناي مشدودتان نحوه تراقبه . وقف برهه ينظر إلى السماء، وما لبث أن صب النزين على جسده .
نظرت إلى الواقفين بجواره وتعجبت لا أحد يبالي ؛ لم تلتفت عيونهم إلى ما يفعل، ولم تنصت آذانهم إلى ما كان يقول، حتى أنوفهم لم تشم رائحة النزين.
صب البنزين على جسده ويداه المرتعشتان تود التراجع قبل قدح ثقاب الكبريت.
قررت أن أعبر الطريق بعدما ايقنت أنه أشرف على الانتحار. تعجبت من الوافقين بجواره ؛ لعله كان يستجير كالمستجير من الرمضاء بالنار!!
ربما ظنوا في البداية أنها أحد ألاعيب الحواة.
اقتربت منه ونظرت إليه نظرة ثاقبه، فأشار بإصبعه إلى لافته معلقه على مبنى عتيق؛ لا أحد يجرؤ على الاقتراب منه ، وقال ظلمني هؤلاء.
اقترب منا شحص آخر ممسكا بمطفأة حريق أخرجها من سيارته، في محاوله فاشلة جاءت بعد فوات الأوان لإنقاذ هذا المظلوم.
لتلتهم النيران هذا الجسد، كما التهمته نيران الظلم، ليفيقوا من سكرهم وهو يحترق....
رُميت ملاءه بيضاء من شرفة مجاورة ، وضعتها على جسده ، وتجمهر المارة يتساءلون؟؟؟
أمتدت يداي المرتعشتان إلى تليفونه المحمول الساقط على الأرض، لاتصل بأول رقم رأيته.
لم يتمالك من أحدثه قائلا : منهم لله خصخصوا الشركه وطردوه من شغله، وتأمروا وطردوه من بيته لأنه قال كلمة حق.
نظرت خلفي لأجد عسكري مرور يطالب سائق التاكسي بمخالفه 150 جنيه وسحب رخص . والسائق يقول : حرام، ظلم ، غرامة وسحب رخص؛ عطلت المرور لإنقاذ إنسان، والله حرام ، اليوم آخر يوم لتسديد قسط التاكسي."
ليثور بركان الغضب الخامد بداخلي قائلا يسقط الاستبداد ، يسقط الفساد، نحن نطالب بالإصلاح والتغيير....
ليردد الهتاف ورائي الذين فاقوا من سكرهم وحطموا جداران الصمت....
آيات شعبان
ساحة النقاش