واحد من الثوار
لكم تمنيت يوما كهذا، تتحرر فيه رقاب العباد من وطئة الظلم والاستبداد، لكم تساءلت عن سر تلاشي العدالة والرحمة ؟؟؟؟
ربما عشت في بحار مخيلتي استنشق هواء تلك الأيام التي حكى لي أبي عنها؛ أيام ناصر وقيام ثورة 23 يوليو. وتمنيت أن يرتد بي الزمن إلى الوراء.
لقد نال أبي وظيفة حكومية، وشقة في مساكن الحكومه، وبطاقة سلع تموينية، وبطاقة تأمين صحي؛ انتفع بها في أيامه الأخيره، ولولا إهمال جثيم ما فارق الحياة!!!
لكننا جيل آخر؛ ليس له حق في الوظيفة، ولا حق في السكن، ولا الزواج، وربما ليس له حق في الحياة. في زمن تشترى فيه الحقوق. زمن الهبش والنصب والرشوة.
شاب مثلي تخرج من كلية الآداب من قسم اللغة العربية منذ أكثر من عشر سنوات بقدير جيد. كل محولاته الشاقة في الحصول على فرصة عمل بأت بالفشل، عقود وزارة التربية والتعليم السنوية تباع، ولا أملك ثمنها بل لا أعرف من يبيعها، والمدارس الخاصة تبيع استمارة توظيف بعشرة جنيهات تلقى في صفيحة القمامة، والمهم شراء امتحان بكذا ألف جنيه.
لم أنل سوى عدة دورات تدريبية تحويلية ، بالطبع لا تؤهل لسوق العمل لأنها ببساطة لا تساير التقدم الرهيب. لكني مضطر للذهاب إليها من أجل الحصول على مئة وخمسين جنيها آخر كل شهر.
وبعد وفاة أبي انقطع سبيل الرزق الذي يسد كل نفقات الحياة، وبعد طول تفكير في مشروع رأس ماله خمسين جنيه؛ هي ثمن أشياء لا فادة منها ( بذلة لأبي وساعة حائط وكتب الكلية). سمعت أحد الوزراء يقول: صاحب عربة الفول مستثمر صغير، بائع الشيكولاته في الترام مستثمر أقل.
ربما اهتديت إلى مشروع أفضل ، بائع خضار في حي بعيد عن السوق. ذهبت إلي الوكالة بآخر خمسين جنيه في جيبي لأشتري سبت طماطم ونص جوال بطاطس ونص جوال بصل ، ولم يتبقى معي شئ لإيجار الميزان، رأف بحالي صاحبه واكتفى برهن بطاقتي الشخصية.
وقفت حتى ضاق صدري وزهت في بضاعتي ؛ حتى بعث الله لي الرزق ، وما أن توالت الزبائن حتى أتت الإزالة وألقت بضاعتي في سيارتها الممتلئة بأرزاق من لا يملك قوت يومه.
صرخت من أعماق نفسي قائلا : يا ناس لم أتحصل إلا على سبعة عشر جنيها، والله حرام ... ظلم ... افترى... منكم لله على دين 20 جنيه ، وفاتورة كهرباء 17 جنيه وفاتورة مياه 15 جنيه!!!
يبدو أن العدل والرحمه هجروا بلدنا !!!
وإذا بالضابط يخرج من السيارة ممسكا بي من قميصي مرددا ألفاظا بذيئة، طالبا بطاقتي، غير مكترس بما أقول.
بمكالمة من تليفونه المحمول ، جرني عسكره ضربا حتى قسم الشرطة، وهناك لم يعطوا لي فرصة للكلام ، فقط زجتني يد غاشمة إلى الزنزانة التي بتُ فيها أيام ، لم أبرح فيها عن ذكر الله، حتى أتي المخلص الذي فتح باب الزنزانة. وهو يردد: الله أكبر، الله أكبر، الثوره قامت يا رجاله.
تخيلت لوقت إنها إحدى أحاديث أبي التي تتردد برأسي قبيل النوم...
وعلى التو هرولت فرحا بالحرية التي سُلبت مني . سألت أحد المارة ماذا حدث اليوم؟
قال هو يجري: اليوم "جمعة الغضب"، لست أدري أي غضب!!!
ركبت عربة نصف نقل عليها مواد بناء أظنها مسروقة ، رأيت أناسا متجمهرين يحملون لافتات وأعلام ، فقفذت من صندوق السيارة ولحقت بهم ، وأخذت أردد هتافات من أعماق نفسي المنسحقه ؛ تعبرعن كرامتي المهدرة، حتى رفعوني على الأعناق ....
ساحة النقاش