قم للمعلم

بقلم نزار سرطاوي

 

وصلتني من خلال الفيسبوك كما وصلت الآلاف من القراء من ]واحة الشاعر محمد طكو  [– التي أتلقى منها الكثير من الإبداعات – رسالة مختصرة جداً هي عبارة عن بيت من الشعر العربي الفصيح. هذا البيت جاء من طرف الشاعر لطفي الياسيني، أحد شعراء الأرض المحتلة، الذي لا نكنّ له إلا الاحترام. نص البيت هو:

 

 

 

ظرط الزمان فاصبحتم اساتذة *** يخرى الزمان فقد تمسوا مديرينا

مفاجأة! أليس كذلك؟ الغريب أن الرسالة – لحكمةٍ لا أعلمها – وصلت مكررة ثلاث مرات.

 استفزني البيت كثيراً. لكن من عادتي أن أتريث قليلاً قبل أن أطلق الأحكام على ما أقرأ وأحاول الالتزام بالموضوعية قدر الإمكان، وهذا ما أجهَد في أن أفعله هنا.

بادئ ذي بدأ أحب أن أوضح أن هذا البيت الساخر الذي يشوبه الخلل ليس بجديد عليّ، وإن كنت لا أعرف قائله الأصلي. سمعته أول مرة في منتصف ستينيات القرن المنصرم، أي قبل حوالي 45 عاماً. فقد كان بعض طلبة المدارس المتوسطة والثانوية أيامها يقولونه أحياناً على سبيل الهزل. لكنه لم يكن متداولاً يشكل واسع.

مواطن الخلل الرئيسة في البيت المذكور ثلاثة. الأول والثاني فنيّان، أما الثالث فيدخل في باب الأخلاق.  

الخلل الأول هو في العروض. فالبيت، لمن له إلمام بمبادئ العروض أتى على البحر البسيط (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن) وهناك خلل في الوزن مصدره الكلمة الأولى (ظرط) التي تأتي بمقطعين قصيرين بدل واحد طويل، وهذا يؤدي إلى ثقل تمجه الأذن.  

الخلل الثاني في اللفظ.  فنقول "ضرط" بالضاد لا بالظاء، وإن كان البعض يستعيضون عن الضاد بالظاء في العامية. جاء في لسان العرب تحت مادة "ضرط" ما يلي: "الضُّراطُ: صوت الفَيْخ معروف، ضَرَط يَضرطُ ضرْطاً وضِرطاً، بكسر الراء، وضَرِيطاً وضُراطاً. وفي المَثَل: أَوْدَى العَيْرُ إِلا ضَرِطاً أَي لم يَبْقَ من جَلَدِه وقُوّته إِلا هذا.

 والضاد لفظ يطلق على اللغة العربية، فهي "لغة الضاد." ذلك أنها هي اللغة الوحيدة في العالم التي تحتوي على هذا الحرف الجميل. ولا يليق بـأدباء اللغة العربية وأدبائها أن يُلحِنوا هكذا.

 أما الخلل الثالث فيتمثل في المناسبة، أو بالأحرى قلة المناسبة. بأية مناسبة نسخر من المعلمين. "بـأي مشيئة" نهجو من نضع أبناءَنا وبناتِنا أمانة في أعناقهم. إن في هذا لشطط كبير واعتداء في غير مكانه. لا نستغرب أن يعمد صفيق يدّعي الشعرٍ إلى التندر بالمعلمين ويكرره التلامذة الفاشلون والسفهاء. لكن أنْ نبعث نحن الحياة في بيت شعري تافه كهذا مات من سنين وننشره على الفيسبوك ليقرأه الخاصة والعامة، فهذا أمر يمجه الذوق السليم ويتناقض مع أبسط قواعد الاحترام لرموز العلم. فهل نريد أن نعلم أطفالنا أن يسخروا بمعلميهم و يستهزؤا بهم. وكأنّ المعلمين تنقصهم المصائب، وهم الذين يعانون ما يعانون ويتاقضون مقابل تربيتهم للأجيال ما لا يكاد يقيم الأود لقاء كدهم وتعبهم ومعاناتهم.

 لا خير في أمةٍ تحتقر معلميها هذا الاحتقار. خير لنا من أن نصب هذا الهراء في آذان أطفالنا ومراهقينا، أن نكرر ما قاله (في زمن غير هذا الزمن) سيد الشعراء وأميرهم أحمد شوقي رحمه الله

قــم للـمعلم وفّـه التبـجيـلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

 

 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 558 مشاهدة
نشرت فى 11 مايو 2011 بواسطة nizarsartawi

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

49,223