بقلم نزار سرطاوي
هل نحن العرب وحدنا من ابتلينا بالفساد؟ بالتأكيد لا. فالفساد منتشر في كافة أنحاء العالم. لكن دول العالم الثالث – وقدرنا أن نكون في عدادها، إن لم نكن في طليعتها – تحظى بالنصيب الأكبر في هذا المضمار. لكن ما أنا بصدده هو قصة فساد في الدولة العبرية – قصة ستكون أمام المحكمة بعد منتصف شهر أيار القادم. الملفت في القصة أن بعض أطرافها فلسطينيون، وتحديداً من فلسطينيي 48.
الفصل الأول من القصة هو كل ما وصل إليّ حتى اللحظة. ويتلخص في أن وثيقة رسمية أو شبه رسمية أوردت أن شاعراً فلسطينياً تلقى جائزة أدبية من وزارة العلوم والفنون الإسرائيلية. لكن الشاعر ينفي نفياً قاطعاً أنه تلقاها أو سعى للحصول عليها. بل إنه يرفض الفكرة من أساسها باعتبارها تتعارض مع مبادئه القائمة على رفض العمل لحساب المؤسسات الإسرائيلية، ناهيك عن القبول بجوائزها الأدبية.
عرفت بالقصة عن طريق الفيس بوك – هذا الموقع العملاق الذي اشتعلت الثورات الشعبية من خلال التواصل والتنسيق عبر صفحاته. فقد وصلتني على الفيس بوك فجر يوم الخميس 14 نيسان 2011 مقالة من الصديق الشاعر الفلسطيني سليمان دغش تحت عنوان "المحكمة تقر يوم 18/5/2011 موعد الجلسة الأولى للنظر في دعوى الشاعر سليمان دغش ضد الوزير الإسرائيلي السابق غالب مجادلة." التهمة التي تبحثها المحكمة المركزية في عكا، التي ماطلت كثيراً قبل قبول الدعوى، كما يقول الشاعر، هي "الافتراء وتشويه السمعة والإساءة لمكانة الشاعر."
وتتلخص الدعوى، كما أتت على لسان دغش، في أن اسمه ورد قبل أكثر من عام في كتيّب وردت فيه أيضاً أسماء عدد من كتاب وأدباء "عرب الداخل" (أو عرب 48) حصلوا على "جائزة التفرغ" من وزارة العلوم والفنون التي كان على رأسها الوزير العربي الفلسطيني غالب مجادلة. يضيف أنّه لم ولن يتقدم للجائزة ولم يحصل عليها في يوم من الأيام وأنّه يرفض رفضاً قاطعاً أيّة جائزة من أية مؤسسة أو شخصية رسمية إسرائيلية حتى لو بلغت قيمتها ملايين الدولارات."
حين قرأت المقالة تهيأ لي أن الشاعر يعمل (أو كان يعمل) في الوزارة المذكورة وتصورت أن الجائزة ربما تكون عبارة عن إجازة تتيح للحاصل عليها حق تقاضي الراتب والحقوق الوظيفية الأخرى دون الالتزام بالدوام الرسمي، حتى يتفرغ للعمل الأدبي. وقد ذكرت ذلك للشاعر في حوارٍ مقتضب معه، وسألته فيما إذا كان يترتب على حصول أحدٍ على الجائزة أية مكاسب مالية. كما تساءلت عن الفائدة التي تعود على من يقوم بتزوير الأسماء. وخلصت إلى أنها ربما تكون مجرد عملية تهدف إلى دعم الادعاءات الإسرائيلية حول كونها واحة للديموقراطية وحقوق الإنسان.
الشاعر دغش استفزه استنتاجي بأنه يعمل لدى الوزارة الإسرائيلية المذكورة. فرد بإنكار لم يخل من استنكار: "أنا لا أعمل ولم أعمل في الوزارة يا صديقي ولا في أية مؤسسة اسرائيلية صهيونية."
وحول جائزة التفرغ أوضح أن "الوزارة الاسرائيلية اقامت لجنة رسمية لمنح ادباء عرب جائزة مالية بقيمة 70 ألف شاقل اسرائيلي ]أي ما يعادل قرابة 20 ألف دولار[ تمنح لكتاب عرب يتقدمون للجائزة بغض النظر عن اماكن عملهم" مؤكّداً أن الهدف من هذه الجائزة يتمثل في "إغراء الكتاب بالمال لضرب مصداقية وهيبة الأدب المقاوم" إضافةً إلى تحقيق مكسب إعلامي يصب في خانة ادعاء إسرائيل بأنها دولة ديموقراطية. وأشار إلى أن زجّ اسمه يقصد منه تشويه موقفه الرافض لهذه "المؤامرة."
إسرائيل كما لا يخفى على أحد زيّفت التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، فهل نستغرب أن تزيف السجلات. لا أستغرب أن يكون أحد العاملين في اللجنة المشرفة على الجائزة قدم الطلب ودبّر أمر الموافقة وتم صرف الجائزة، وبذلك يتحقق الهدف الذي ذكره دغش. لكن أليس من البديهي أن نسأل: أين ذهب المبلغ المخصص لدغش؟ في حساب من أودع؟ ومن الذي نَسّبَ، ومن الذي وافق، ومن الذي وقّع؟ لا يمكن لشخص واحد أن يقوم بكل ذلك.
نحن إذن قد نكون أمام قضية فساد تنطوي إضافة إلى الافتراء وتشويه السمعة على التزوير والاختلاس. وربما يكون حجمها أكبر مما تبدو عليه. فالذي استطاع أن يزج باسم سليمان دغش قادر على أن يزج بأسماء أدباء فلسطينيين آخرين على قاعدة "محدش قاري ورق." وربما مورست هذه العملية في أكثر من دورة. ثم أين غالب مجادلة (الوزير في تلك الفترة) من كل ذلك وما مقدار تورطه في هذا الأمر؟
غالب مجادلة ولد عام 1953 في باقة الغربية، إحدى قرى المثلث. دخل الكنيست الإسرائيلي مع قائمة حزب العمل عام 2004. في أوائل عام 2007، تولى وزارة بدون حقيبة وخلال فترة وجيزة اصبح وزيراً للعلوم والفنون إثر استقالة سلفه عوفير بينس احتجاجا على انضمام حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة ليبرمان إلى الائتلاف الحكومي برئاسة اولمرت.
مجادلة كان يدافع عن حقه كفلسطيني في تولي المناصب الرفيعة في الحكومات الإسرائيلية مؤكداً في الوقت نفسه أن انتماءه للقومية العربية أهم عنده من المنصب. وينسب إليه قوله إن "جذور عرب إسرائيل زُرعت قبل أنشاء الدولة. هم مواطنون في هذه الدولة ولهم حقوق. إقامتهم ومواطنتهم ليست مجال للمناقشة." كيف نوفق بين المواقف المعلنة للوزير السابق وما يقال عن قضية وزارته مع دغش؟ وهل نحن بصدد فضيحة "مجادلة غيت؟"
ساحة النقاش