هذه أضخم تظاهرة للدجل والخرافة يشهدها العالم، لن يقلل من انتمائها لأقدم عصور الشعوذة السياسية والاقتصادية، أن يخرج توني بلير الذي استأجره رعاة الانقلاب، للعمل في مطبخ بروباغندا السيسي، ويقول إن الأخير هو أول من رأت عينه بين حكام مصر منذ عقدين، يفهم العالم الحديث. توني بلير وعبد الفتاح السيسي من طينة واحدة، نموذج للصبي أو التابع المطيع لأي فتوة، سواء كان "فتوة" اقتصاديّاً، أو عسكريذاً، بحيث إنك لو نظرت في كيمياء العلاقة بين رئيس الحكومة البريطانية، بلير، وفتوة العالم رئيس أميركا في ذلك الوقت، جورج بوش الابن العسكري، وقارنت بينها وبين علاقة عبد الفتاح السيسي القادم إلى حكم مصر بانقلاب ممول، وحكام الإمارات "الفتوة الاقتصادي"، لن تجد تفاوتاً أو فرقاً كبيراً، كان بلير ظلاً شاحباً لبوش، كما أن السيسي ظل باهت لهم. في مؤتمر شرم الشيخ، بدا وكأن الأمر يتعلق بحفل عرس لفتوة محلي صغير الحجم، لديه سجل عريض من الخدمة بين يدي فتوات كبار، إقليميين ودوليين، جاءوا ليس فقط من باب المجاملة، وإنما لإثبات أن لا مكان لمن لا يسمع الكلام، ومن ثم شهد الحفل كميات هائلة من الألعاب النارية، والحركات البهلوانية، والخدع السينمائية، وكأن نمراً اقتصادياً يولد بأحدث ما توصلت إليه الهندسة الوراثية. وحين يكون المستهدف صناعة صورة مليئة بكل عناصر البهرجة والإبهار، فلا مكان للكلام المنطقي أو العلمي، تماماً كما كانت صورة الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 السينمائية، حين حشروا أربعين مليون شخص، عنوة، في مساحة جغرافية، أثبتت كل الدراسات العلمية أنها لا تستوعب عُشر هذا الرقم، فما المانع أن "تدوي" المليارات الطائرة في أفق المؤتمر، وأن يوعد المصريون بأنهار من العسل، إذا كان الأمر كله لا يعدو كونه لعباً بالأرقام وبالعقول وبالأنفس التي أرهقها الفقر والاحتياج. يقف السيسي، في معية حكام الإمارات، سعيداً بالهدايا الملونة واللعب المثيرة، مخترقاً كل حدود الخيال الجامح، ليزف نبأ إنشاء قاهرة جديدة عاصمة لمصر، في غمضة عين، يقول اللاعبون الرئيسيون، إنها تتطلب عشر سنوات كي تنجز، فيصرخ لا.. أريدها على طريقة "مسافة السكة"، وكأنه يلهو بمكعبات يصنع منها مدناً وأنهارا وقنوات سويس، فيقف معهم أمام المجسم الافتراضي للمشروع، ويعيشه كأنه واقع حدث بالفعل، ويكمل الآخرون العرض المبهر، فتأتي تسمية طرق وشوارع العاصمة الجديدة، عاصمة الوهم الكبير. حسناً هو مهرجان للفلوس، لا مجال هنا للقيم والمبادئ، ولأنه يعرف أن مفتاح الرضا هناك في تل أبيب، فلا بأس من تجديد العقيدة بحوارات مع الميديا الأميركية، تغازل إسرائيل نتنياهو، فيعلن مجدداً أنه على تواصل دائم ومستمر معه، وأن علاقتهما مصونة بالثقة والاحترام، فما يجمعهما هو "الحب الكبير للسلام" والكراهية الأكبر للإخوان، وبالتالي لحماس، وفقاً لمعادلة جنرال الفلوس الذي يعتبر أن الكل جاء من نبع الإخوان. يتحدث الجنرال عن مصر الكبيرة جدّاً، اقتصاديّاً وسياسيّاً، ثم حين تسأله "واشنطن بوست" عن المساعدات الأميركية، يتذكّر بأن مصر صغيرة ونامية ومحتاجة، ولذا، لا مجال فيها لحقوق إنسان قبل مائتي عام، أسوة بالولايات المتحدة التي وصلت إلى هذه الحالة من احترام الحريات السياسية والإنسانية بعد قيامها بقرنين. هي الفلوس وحدها تتكلم، فانس التاريخ والنضال والكرامة، فالحب لمن يدفع، والصداقة لمن يمول، هكذا يتوهمون التنمية في زمن الجنرال، ويدهشك، هنا، أن من أصدقائنا الناصريين من لا يزال متمسكاً بأن هذا هو "عبد الناصر الجديد". شتان بين زمن "من أموالنا بإيد عمالنا" وبين عصر "أنا لنتنياهو ونتنياهو إلي"، مع الاعتذار لفيروز. ملحوظة: في ظروف مشابهة قبل 35 عاماً، كان السادات المختال بعلاقته بواشنطن وتل أبيب يقول إن عام 1980 هو عام الرخاء..ذهب السادات، ولم يأت رخاء العام 80 أبداً.
* نقلاً عن "العربي الجديد"