حكاية بقلم: محمد مسعد البرديسي
قرب النهر الرافد من بين جبال امتلأت خضرة تتلوها أشجار كثيفة ونخل سامق يميل بأغصان خضر ناضجة الثمار ثمار التمر ذات اللون البني الجميل ويميل مع الأغصان كأنه يحي صحراء بادية رمت بأطرافها الى أفق بعيد.
وهناك جلس حسن وبجانبه صديقه وابن عمه يوسف يتسامران في جلسة يتوقان اليها في هذا الوقت من السنة خاصة بعد موسم دراسي طويل وشاق و بينما حسن يسترسل في رمي أحجار صغيرةالى نهر صغير كأنه يجري على مهل بعدما خلفه سيل قريب فاجأ القرية ففرحت به الأرض والأطفال والنساء والشيوخ
وفي هذه الفرحة التي شاعت بين أهل القرية هاهو حسن يطلق ضحكاته وهو يتسامر مع بن عمه يوسف وقد خلفت فرحة المطر وبهجته جلسات السمر والزيارات جالسا يحكي حكاية كلب مزرعتهم أصلان الحكاية التي لازالت قرية البتراء تحكيهـا رغم أن فات عليها قرابة العام أو يزيد.
لكن لأن يوسف جاء اليوم في زيارة للقرية بعد حفل المطر البهيج حيث يقطن يوسف المدينة أوالحضر فكان لزاما أن يحكي حسن كبف بدأت الحكاية حكاية الكلب المزرعة أصلان ...........
وكيف دخل فجأة الى مزرعتهم صباح يوم ما جمل صغير يجري لكنه بالنسبة للغنم والطيور ضخم وطويل وليس بالمزرعة أي نوع من الجمال ! ففزعت منه الغنم والدجاج و الطيور وقام الديك يصيح والدجاج وراءه تصرخ وانتهز الحمار الفرصة وأطلق النهيق وأصبح باب المزرعة مفتوحًا وانتبه أصلان للجلبة والأصوات التي حدثت فقفز الى المزرعة وأطلق نباحًا واقترب من الجمل الصغير يشمه وارتعد خوفا فأخذ يجري المسكين داخل المزرعة هنا وهناك و يسمع الصياح والصراخ والنهيق ,
ويضحك حسن وهو يروي الحكاية ثم يقول : أطلق أصلان نباحه للغنم والدجاج والجميع وكأنه يهدئ من فزعهم من هذا الغريب ويريد منهم أن يتوقفوا عن الصراخ و التقط أصـلان شيئا من الجمل ثم أغلق باب المزرعة وانطلق بعيدًا تاركًا كل المكان وجرى نحو الشرق ولا ندري إلى أين ذهب
وتأخر أصلان عن العودة الى المزرعة والى المكان ومضى اليوم وشعر أبي وجدي أن أصلان غير موجود وبعدما شاهدا الجمل الغريب ظن أبي أن هناك شيئًا ما بين دخول الجمل الى المزرعة وغياب أصلان
وأشار جدي فقال : سوف يأتي أصلان ونعرف الخبر الأكيد وهكذا مضت ساعات نهار تالي وقبل أن تميل الشمس الى الزوال من اليوم التالي رأينا قوم من البدو يركبون الجمال وأمامهم أصلان يجري نحو المزرعة والى القرية وتهلل وجه أبي وجدي بالبشاشة والفرح
وتوقف القوم عندنا وجرى أصلان صوب أبي وهو يلهث بشدة ويخرج لسانه وتقدم أعرابي كأنه شيخ القوم من أبي وقال وقد شاهد بعينه الجمل الصغير الضائع من القافلة يرقد داخل المزرعة :
السلام عليكم يا شيخ ورد أبي قائلا : وعليك السلام مرحبا بك أخا العرب تفضل وبعدما جلس الأعرابي ومن معه حكى لأبي كيف وصل أصلان الى القافلة وقال :
بعدما جن علينا الليل ونصبنا خيامنا في طرف البادية وأوقدنا النار أمامنا حضر إلينا هذا الكلب ونحن نعرف كلب الحراسة من الكلاب الأخرى الضالة ثم تقدم مني وكأنه يعرفني وكان يضع قماشة في فمه فألقاها أمامي فأيقنت أنها نفس القماشة التي ميزت بها الجمل الصغير ولففتــها حول رقبته كي لايضيع وكانت الناقة أمه قد وضعته منذ شهر أو يزيد وأصبحت حزينة لاتأكل ولا تشرب حتى يعود وحمدت الله وتذكرت أني مررت والقافلة معي الى قريتكم منذ يومين أو يزيد وأعتقد أني شاهدت الكلب أصلان مع غنم لكم يرعاها وانه لكلب بحق ذكي فقد عرفنا وحفظ الى أين اتجهنا
اني لأشكركم ايها الشيخ وأهنيكم على كلب الحراسة هذا وفي الصباح عزمت وأخوتي وتوجهنا الى قريتكم وكان أصلان دليــلنا الى القرية والى المكان
وسر جدي وأبي كثيرا لذكاء أصلان وأمانته وجاز لنا بحق أن نطلق عليه الكلب الحارس الأمين
وفي مبادرة مثيرة قام الأعرابي من مجلسه وعرض على أبي كيسا مليئا بالنقود يريد أن يشتري أصلان من أبي بأي ثمن يريده فضحك أبي وقال :
نحن لانفرط في أصلان ولكني سوف نهديك ابنا لأصلان جرو صغير سوف يصير مستقبلا مثل أبيه وهو من ذات النوع والفصيلة وانصرف الأعرابي فرحا ومسرورا بالجرو الصغير وهكذا عـاد الجمل المسكين الى أمه
وبعدما علمنا بهذه الحكاية أسرعت من نفسي أحضن أصلان وصرت أرعى غنم المزرعة كل يوم وفي صحبتي أصـلان وكنت من قبل أمتنع كثيرا عن الخروج للرعي مما كان يغضب أبي مني.
ساحة النقاش