من منا لم يساوره الشك فى أننا نعيش هذه الأيام عصر جفاف ينابيع المحبة ، وتجمد عروق المشاعر والأحاسيس ، وتصدع أعمدة العلاقات الإنسانية ، وتغير أنماط السلوك فى المعاملات اليومية ، فالشواهد كثيرة .. والدلائل والأمثلة لاتعد ولاتحصى على أن الناس فى مجتمعنا اليوم أصبحوا يبنون الحواجز فيما بينهم أكثر مما يبنون جسورا" للتواصل بينهم ..؟!
تثور الأسئلة وتصرخ ..؟؟!! فهل من مجيب ...؟؟؟
لماذا لم تعد الصداقة كما كنا نعرفها بكاء" بعيون الاخرين ..؟؟ لقد كان الناس فيما مضى يمارسون الصداقة ، ويطبقون أبجدياتها ، ثم صاروا الآن يعرفونها فقط ..! وصارت صداقاتهم صداقات طارئة غير معمرة ، تهرب عند أول منعطف ، تماما" مثل فقاعات المياة الغازية تفور لحظة ثم تتلاشى سريعا" لأنها صداقات نفعية سرعان ما تختفى وتسقط فى فخ النسيان...؟!
أين ذهبت العبارات المأثورة " صديق مساعد .. خير من عضد وساعد " ، و " الصديق ... قبل الطريق " ، و " الصديق ... وقت الضيق " ، وأين منا قول على بن أبى طالب ( رضى الله عنه ) : " خير الأصدقاء من أقبل إذا أدبر الزمان عنك " وقول أحمد شوقى وإذا الزمان تنكرت أحداثه لأخيك .... فاذكره .. عسى أن تذكرا
لماذا صرنا قوالب جامدة تتحرك فى الشارع مثل " الروبوت " ...!! الوجوه متجهمة ، والإبتسامة باهتة بلاروح .. لانبدأ بالتحية ، ولانلقى السلام على أحد إلا إضطرارا" ..وضاعت منا وصية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى إفشاء السلام على من نعرف ومن لانعرف ، فهل كذب الشاعر الذى قال : إن البر شىء هين ..... وجه طليق ، ولسان لين ....؟؟؟؟!!
لماذا تحجرت قلوبنا .. وتجمدت إنسانيتنا .. وماتت فينا النخوة فلم نعد نهرع لإعانة المكروب ، وتناسينا أن أفضل المعروف هو إغاثة الملهوف ، وأن صنائع المعروف .. تقى مصارع السوء . ووصل الشارع إلى حالة متردية من البلادة وعدم المبالاة .
ويستمر جمر التساؤل ...؟؟؟؟
لماذا تباعد الجيران ، وسكان البيت الواحد....؟؟!لماذا تقلصت العلاقة بينهم إلى تحيات تقريرية جافة ، ولسان حالهم يقول " صباح الخير ياجارى .. إنت فى حالك وأنا فى حالى ..؟؟! " لماذا أغفلنا وصية رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) عن الجار حتى ظن الصحابة أنه سيورثه ، وقول المولى عز وجل فى سورة البقرة " والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب .... الآية " ، والأقوال المأثورة " الجار ... قبل الدار " ، " والجار جار ... وإن جار ..! "....إلخ
لماذا لم يعد أفراد الأسرة يحرصون على الإلتفاف حول مائدة طعام واحدة كما كان الحال فى الزمن الجميل ..؟؟! ولماذا إختفت " اللمة" حول أكواب الشاى وقت العصارى ..؟! لماذا قلت الزيارات العائلية ..؟؟ وتبخرت صلة الأرحام ..؟؟ وندرت لقاءات الأهل والأقارب فى الأعياد ..؟؟
لماذا إزداد جحود الأبناء ..؟؟ وتعالت الصرخات المكتومة للأمهات " قلبى على ولدى إنفطر ... وقلب ولدى على حجر ..؟؟!! "
آه من زمن العولمة الذى تقاربت فيه المسافات ، وكثرت فيه الأسفار ، فانطفأت لوعة الفراق .. وخمدت جذوة الحنين ... وماتت لهفة اللقاء بعد إشتياق ..؟! وياحسرتاه على زمن النقاء حين كانت البلدة الصغيرة تخرج إلى رصيف القطار على رؤوس الأشهاد ، لتودع إبنا" لها مسافرا" إلى عاصمة البلاد ...؟؟؟!!
نعود لنتساءل ..؟؟
لماذا أصبحت الرومانسية عذراء خجول فى مجتمع الواقعية الفجة ...؟؟!! لماذا انقطعت مراسلاتنا وأصبحت حياتنا كلها SMS ، وإيميلات ذات قوالب جاهزة وجامدة ..؟؟! لماذا لم يعد سن القلم يلامس ورقة زرقاء .. ودفء إحساس ..؟؟!! لماذا لم نعد نشعر بصهد الكلام الصادر من القلب لا من الأحبال الصوتية وعضلات الشفتين ..؟!!
لماذا المجتمع على سطح صفيح ساخن ..؟؟!! لماذا الغيرة والحسد ..؟ لماذا كل فرد متربص للآخر يعذبه تفوقه عليه ، وتسعده هزائمه وانكساراته ، ويتمنى زوال نعمته ، وينسى قول الحق تبارك فى سورة النساء " أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله " ..؟؟!
لماذا الكراهية قبل الحب دائما " ...؟! لماذا الود المشبوه .. والصدق الكاذب ..؟! والأنانية التى تعشعش فى الصدور ..؟! لماذا نصافح بحذر .. ونصادق بحذر .. ونثق بحذر ..؟؟!
لماذا ذاكرتنا ضعيفة أمام الحسنات .... ويقظة أمام السيئات ..؟؟ أين ذهبت قيم العتاب .. والتسامح والصفح الجميل .. وأخلاق الترفع ، والعفو عند المقدرة ..؟؟! لماذا أصبح الوفاء صفة حيوانية ..؟!
ولماذا ضاعت الأمانة وتوفيت فى ظروف غامضة....؟؟؟!!
وتظل الأسئلة محبوسة خلف الضلوع ..؟ رغم أن الإجابات على مرمى النظر ..؟! والمعالم واضحة على حافة الطريق ، ولكننا لاننظر أبعد من أنوفنا ..؟! فزوال ذلك كله مرده العودة إلى تعاليم الشريعة السمحة وتطبيقها قولا" ، وعملا"، والعودة إلى كتاب الله تعالى ، والتأسى بسنة رسوله
( صلى الله عليه وسلم ) الذى كانت تصفه زوجته عائشة ( رضى الله عنها ) بأن خلقه كان هو القرآن أو كما قالت " كان القرآن يمشى على قدمين " .. ففى ذلك صلاح الأمر كله ، وإعادة الإعتبار لأدب المعاملات فى مجتمع قد إنفلت ، وتقزم ، وانقلب فيه هرم الأخلاق .وصدق الشاعر حين قال :
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه ... فقوم النفس بالأخلاق تستقم
ساحة النقاش