<!--<!--
قال ابن سعد فى طبقاته يروى عن عائشة رضى الله عنها : لما صدر السبعون من عند رسول الله r طابت نفسه ’ فقد جعل الله له منعة وقوماً وأهل حرب وعدة ونجدة ’ وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج ’ فضيقوا على أصحابه وتعبثوا بهم ’ ونالوا ما لم يكونوا ينالون من الشتم والأذى ’ فشكا ذلك أصحاب رسول الله r واستأذنوه فى الهجرة ’ فقال : ( قد أخبرت بدار هجرتكم وهى يثرب ’ فمن أراد الخروج فليخرج إليها ) فجعل القوم يتجهزون ويتوافقون ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك ’ فكان أول من قدم المدينة من أصحابه r أبو سلمة بن عبد الأسد ثم قدم بعده عامر ابن ربيعة ومعه امرأته بنت أبى حشمة ’ فهى أول ظعينة قدمت المدينة ثم قدم أصحاب رسول الله r أرسالاً فنزلوا على الأنصار فى دورهم ’ فآووهم ونصروهم وآسوهم .
ولم يهاجر أحد من أصحاب رسول الله r إلا متخفياً غير عمر ابن الخطاب رضى الله عنه ’ فقد روى علىّ ابن أبى طالب رضى الله عنه أنه لمّا همّ بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه ’ وانتضى فى يده أسهماً ’ واختصر عنزته ( عصاه ) ومضى قبل الكعبة ’ والملأ من قر يش بفنائها فطاف فى البيت سبعاً متمكناً مطمئناً ’ ثم أتى المقام فصلى ’ ثم وقف فقال :( شاهت الوجوه ’ لا يرغم الله إلا هذه المعاطس ’ من أراد أن يثكل أمه ’ أو ييتم ولده ’ أو ترمل زوجته فليلقنى وراء هذا الوادى)
قال علىّ فما أتبعه إلا قوم مستضعفون علّمهم ما أرشدهم ثم مضى لوجهه .
وهكذا تتابع المسلمون في الهجرة إلى المدينة حتى لم يبق بمكة منهم إلا رسول الله r وأبو بكر وعلىّ ’ أو معذب محبوس ’ أو مريض ’ أو ضعيف عن الخروج .
العبر و العظات :
كانت فتنة المسلمين من أصحاب النبى r فى مكة ’ فتنة الإيذاء و التعذيب وما يرونه من المشركين من ألوان الهزأ و السخرية ’ فلما أذن لهم الرسول r بالهجرة ’ أصبحت فتنتهم فى ترك وطنهم وأموالهم ودورهم وأمتعتهم ’ ولقد كانوا أوفياء لدينهم مخلصين لربهم ’ أمام الفتنة الأولى و الثانية ’ قابلوا المحن والشدائد بصبر ثابت وعزم عنيد .
حتى إذا أشار عليهم رسول الله بالهجرة إلى المدينة ’ توجهوا إليها وقد تركوا من ورائهم الوطن وما لهم فيه من مال ومتاع ونشب ’ ذلك أنهم خرجوا مستخفين متسللين ’ ولا يتم ذلك إلا إذا تخلصوا من الأمتعة و الأثقال ’ فتركوا كل ذلك فى مكة ليسلم لهم الدين ’ واستعاضوا عنها بالأخوة الذين ينتظرونهم فى المدينة ليؤووهم وينصرونهم .
وهذا هو المثل الصحيح للمسلم الذى أخلص الدين لله : لا يبالى بالوطن ولا بالمال و النشب فى سبيل أن يسلم له دينه . هذا عن أصحاب رسول الله فى مكة .
أما أهل المدينة الذين آووهم فى بيوتهم وواسوهم ونصروهم ’ فقد قدموا المثل الصادق للأخوة الإسلامية و المحبة فى الله تعالى .
وأنت خبير أن الله عز وجل قد جعل أخوة الدين أقوى من أخوة النسب وحدها ’ ولذلك كان الميراث فى صدر الإسلام على أساس وشيجة الدين ’ وأخوته والهجرة فى سبيله ’ ولم يستقر حكم الميراث على أساس علاقة القرابة إلا بعد تكامل الإسلام فى المدينة وصارت للمسلمين دار إسلام قوية منيعة .
يقول الله عز وجل : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (72) سورة الأنفال. ثم إنه يستنبط من مشروعية هذه الهجرة حكمان شرعيان :
1- وجوب الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ’ وروى ابن العربى ( أن هذه الهجرة كانت فرضاً فى أيام النبى r ’ وهى باقية مفروضة إلى يوم القيامة . والتى انقطعت بالفتح ’ إنما هي القصد إلى النبى r ’ فإن بقى فى دار الحرب عصى ) ومثل دار الحرب فى ذلك كل مكان لا يتسنى للمسلم فيه إقامة الشعائر الإسلامية من صلاة وصيام وجماعة وأذان ’ وغير ذلك من أحكامه الظاهرة .
وما يستدل على ذلك قوله تعالى :( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا ؟ فيم كنتم ؟ قالوا : كنا مستضعفين فى الأرض ’ قالوا الم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ’ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ’ إلا المستضعفين من الرجال و النساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ) .
2- وجوب نصرة المسلمين لبعضهم مهما اختلفت ديارهم وبلادهم ما دام ذلك ممكناً ’ فقد اتفق العلماء و الأئمة على أن المسلمين إذا قدروا على استنقاذ المستضعفين أو المأسورين أو المظلومين من إخوانهم المسلمين ’ فى أي جهة من جهات الأرض ’ ثم لم يفعلوا ذلك فقد باءوا بإثم كبير .
يقول أبو بكر العربى : إذا كان فى المسلمين أسراء أو مستضعفين فإن الولاية معهم قائمة و النصرة لهم واجبة بالبدن ’ بأن لا تبقى منا عين تطرف ’ حتى نخرج الى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك ’ أو نبذل جميع أموالنا فى استخراجهم ’ حتى لا يبق لا لأحد درهم من ذلك .
وكما تجب موالاة المسلمين ونصرتهم لبعضهم ’ فإنه يجب أن تكون هذه الموالاة فيما بينهم ’ ولا يجوز أن يشيع شىء من الولاية و التناصر أو التآخى بين المسلمين وغيرهم ’ وهذا ما يصرح به كلام الله عز وجل ’ إذ يقول :( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة فى الأرض و فساد كبير).
يقول ابن العربى قطع الله الولاية بين الكفار و المؤمنين ’ فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض ’ وجعل الكافرين بعضهم أولياء بعض ’ يتناصرون بدينهم ويتعاملون باعتقادهم .
ولا ريب أن تطبيق مثل هذه التعاليم الإلهية ’ هى أساس نصرة المسلمين فى كل عصر وزمن ’ كما أن إهمالهم لها وانصرافهم إلى ما يخالفها هو أساس ما نراه اليوم من ضعفهم وتفككهم وتألب أعدائهم عليهم من وكل جهة وصوب .
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
جاء فى صحاح السنة وما رواه علماء السيرة أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه لما وجد المسلمين قد تتابعوا مهاجرين الى المدينة ’ جاء يستأذن رسول الله r هو الآخر فى الهجرة ’ فقال له رسول الله r :( على رسلك ’ فإني أرجو أن يؤذن لى ) فقال أبو بكر :( وهل ترجو ذلك بأبى أنت وأمى ؟ ) قال :(نعم ) فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله r ليصحبه ’ وعلف راحلتين كانتا عنده ’ وأخذ يتعهدهما بالرعاية أربعة أشهر .
وفى هذه الأثناء رأت قريش أن رسول الله r صارت له شيعة وأصحاب غيرهم بغير بلدهم ’ فحذروا خروج رسول الله r إليهم وخافوا أن يكون قد أجمع لحربهم .
فاجتمعوا له فى دار الندوة ( وهى دار قصى ابن كلاب التى كانت قريش لا تقضى أمراً إلا فيها ) يتشاورون فيما يصنعون بأمر رسول الله r ’ فاجتمع رأيهم أخيراً على أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً جلداً ’ ثم يعطى كل منهم سيفاً صارما ’ ثم يعمدوا اليه فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه ’ كى لا تقدر بنو عبد مناف على حربهم جميعاً ’ وضربوا لذلك ميعاد يوم معلوم فأتى جبريل عليه السلام رسول الله r يأمره بالهجرة ’ وينهاه أن ينام فى مضجعه تلك الليلة .
قالت عائشة رضى الله عنها فيما يروى البخارى : فبينما نحن يوماً جلوس فى بيت أبى بكر فى حر الظهيرة ’ قال قائل لأبى بكر :( هذا رسول الله r متقنعاً ’ فى ساعة لم يكن يأتينا فيها ) فقال أبو بكر :( فداً أبى وأمى ’ والله ما جاء فى هذه الساعة إلا لأمر ) قالت : فجاء رسول الله r ’ فاستأذن ’ فأذن له ’ فدخل ’ فقال النبي r لأبى بكر : ( أخرج من عندك ) فقال أبة بكر :( إنما هم أهلك بأبى أنت يا رسول الله ) ’ قال رسول الله r :( فإنى قد أذن لى فى الخروج ) فقال أبو بكر : ( الصحبة يارسول الله ) ’ قال رسول الله r :( نعم ) فقال أبو بكر :( فخذ بأبى أنت يا رسول الله إحدى راحلتى ) ’ قال رسول الله r : ( بالثمن ) .
قالت عائشة : فجهزناهما أحث جهاز ’ وصنعنا لهما سفرة فى جراب ’ فقطعت أسماء بنت أبى بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب ’ فبذلك سميت ذات النطاق .
وانطلق رسول الله r إلى علىّ ابن أبى طالب رضى الله عنه فأمره أن يتخلف بعده بمكة ريثما يؤدى عن رسول الله r الودائع التى كانت عنده للناس ’ إذ لم يكن أحد من أهل مكة له شىء يخشى عليه إلا استودعه عند رسول الله r لما يعلمون من صدقه وأمانته . وأمر أبو بكر غبنه عبد الله أن يتسمّع لهما ما يقوله الناس عنهما فى بياض النهار ’ ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون معه من أخبار . وأمر عامر ابن فهيرة ( مولاه) أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما إذا أمسى إلى الغار ( غار ثور ) ليطعما من ألبانها ’وأمر أسماء بنته أن تأتيهما من الطعام بما يصلحهما فى كل مساء
عن أسماء بنت أبى بكر قالت : لما خرج رسول الله r وخرج معه أبو بكر ’ إحتمل أبو بكر ماله كله معه : خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم ’ قالت وانطلق بها معه ’ قالت : فدخل علينا جدى أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال : والله إنى لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه ’ قالت : قلت :كلا يا أبت ’ إنه قد ترك لنا خيراً كيثراً ’ قالت: فأخذت أحجارا فوضعتها فى كوة فى البيت الذى كان أبى يضع ماله فيها ’ ثم وضعت عليها ثوباً ’ ثم أخذت بيده ’ فقلت يا أبت ضع يدك على هذا المال ’ فقالت: فوضع يده عليه ’ قال : لابأس ’ إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن ’ وفى هذا بلاغ لكم . ولا والله ما ترك لنا شيئاً ولكنى أردت أن أسكت الشيخ بذلك .
ولما كانت عتمة تلك الليلة التى هاجر فيها النبى r أجتمع المشركون على باب رسول اله r يتربصون به ليقتلوه ’ ولكنه عليه الصلاة و السلام خرج من بينهم وقد ألقى الله عليهم سنة من النوم بعد أن ترك عليّاً رضى الله عنه فى مكانه نائماً على فراشه ’ وطمأنه بأنه لن يصل إليه أى مكروه
وانطلق رسول الله r وصاحبه أبو بكر إلى غار ثور ليقيما فيه ’ وكان ذلك على الراجح فى اليوم الثانى من ربيع الأول الموافق 20 أيلول سنة ( 622 م ) بعد أم مضى ثلاثة عشر سنة من البعثة ’ فدخل أبو بكر قبل رسول الله r فلمس الغار ’ لينظر أفيه سبع أو حيّة ’ يقى رسول الله صلى اله عليه وسلم بنفسه ’ فأقاما فيه ثلاثة أيام ’ وكان يبيت عندهما عبد الله ابن أبى بكر يخبرهما بأخبار مكة ’ ثم يدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت بها ’ وكان عامر ابن فهيرة يروح عليهما بقطيعه من الغنم ’ فإذا خرج من عندهما عبد الله تبع عامر أثره بالغنم كى لا يظهر لقدميه أثر .
أما المشركون فقد انطلقوا - بعد أن علموا بخروج رسول الله r - ينتشرون فى طريق المدينة يفتشون عنه فى كل المظان ’ حتى وصلوا إلى غار ثور ’ وسمع رسول الله r وصاحبه أقدام المشركين تخفق من حولهم فأخذ الروع أبا بكر وهمس يحدث النبى r : لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا ’ فأجابه عليه الصلاة و السلام :( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) ...
فأعمى الله أبصار المشركين حتى لم يحن لأحد منهم التفاتة الى ذلك الغار ولم يخطر ببال واحد منهم أن يتساءل عما يكون بداخله .
ولما انقطع الطلب عنهما خرج رسول الله r وأبا بكر ’ بعد أن جاءهما عبد الله ابن أرقط وهو من المشركين ’ كانا قد استأجراه ليدلهما على الطرق الخفية الى المدينة بعد أن اطمأنا إليه ’ وواعداه مع الراحلتين عند الغار ) فسارا متبعين طريق الساحل بإرشاد من عبد الله بن أرقط ’ وكان قد جعل مشركوا مكة لكل من أتى برسول الله r وأبى بكر رضى الله عنه ديّة كل منهما . وذات يوم ’ بينما كان جماعة من بنى مدلج فى مجلس لهم ’ وبينهم سراقة ابن جعشم ’ إذ اقبل إليهم رجل منهم فقال : إنى قد رأيت آنفاً أسودة بالساحل ’ أراها محمداً و أصحابه ’ فعرف سراقة أنهم هم ’ ولكنه أراد أن يثنى عزم غيره عن الطلب ’ فقال له : إنك قد رأيت فلاناً و فلانا ’ انطلقوا بأعيننا يبتغون ضالة لهم . ثم لبث فى المجلس ساعة ’ وقام فركب فرسه ثم سار حتى دنا من رسول الله فعثرت به فرسه فخرّ عنها ’ ثم ركبها ثانية وسار حتى صار يسمع قراْءة النبى صلى اله عليه وسلم وهو لا يلتفت ’ وأبو بكر يكثر الالتفات ’ فساخت قائمتا فرس سراقة فى الأرض حتى بلغتا الركبتين ’ فخر عنها ثم زجرها حتى نهضت ’ فلم تكد تخرج قدميها حتى سطع لأثرهما غبار ارتفع فى السماء مثل الدخان ’ فعلم سراقة أنه ممنوع من رسول الله r ’ وداخله رعب عظيم ’ فناداهما بالأمان .فوقف رسول الله r ومن معه حتى وصل إليهم ’ فاعتذر إليه وساله أن يستغفر له ’ ثم عرض عليهما الزاد و المتاع ’ فقالا : لا حاجة لنا ’ ولكن عمّ عنا الخبر ’ فقال كفيتم .
ثم عاد سراقة أدراجه إلى مكة وهو يصرف أنظار الناس عن الرسول ومن معه بما يراه من القول وهكذا انطلق إليهما فى الصباح جاهداً فى قتلهما ’ وعاد فى المساء يحرسهما ويصرف الناس عنهما .
ووصل رسول الله r قباء ’ فاستقبله من فيها بضعة أيام نازلاً على كلثوم ابن هدم ’ حيث أدركه فيها على رضى الله عنه بعد أن أدى عنه الودائع إلى أصحابها ’ وأسس النبى r هناك مسجد قباء ’ وهو المسجد الذى وصفه الله بقوله {000 لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (108) سورة التوبة .
ثم واصل سيره إلى المدينة فدخلها لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول على ما ذكره المؤر خون فالتف حوله الأنصار ’ كل يمسك زمام راحلته يرجوه النزول عنده فكان r يقول لهم : دعوها فإنها مأمورة فلم تزل راحلته تسير فى فجاج المدينة وسككها حتى وصلت الى مربد لغلامين يتيمين من بنى النجار أمام دار أبى أيوب الأنصارى ’ فقال النبى r :( ههنا المنزل إن شاء الله ) وجاء أبو أيوب فاحتمل الرحل إلى بيته ’ وخرجت ولائد من بنى النجار - فيما يرويه ابن هشام - فرحات بمقدم رسول الله r ’ وجواره لهن ’ وهنّ ينشدنّ
نحن جوار بنى النجار يا حبذا محمد من جار
فقال عليه السلام لهنّ : ( أتحببننى ؟ ) فقلن : نعم فقال : الله يعلم أن قلبى يحبكنّ )
صورة عن مقام النبى r فى دار أبى أيوب :
روى أبو بكر ابن أبى شيبة وابن إسحاق و الإمام أحمد ابن حنبل من طرق متعددة بألفاظ متقاربة أن أبا أيوب رضى الله عنه قال وهو يحدث عن أيام رسول الله r عنده : لما نزل رسول الله r فى بيتى فى أسفل البيت وأنا وأم أيوب فى العلو ’ فقلت له : يانبى الله بأبى أنت و أمى إنى لأكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتى ’ فاظهر أنت فكن فى الأعلى ’ وننزل نحن نكون فى السفل ’ فقال : يا أبا أيوب ’ إنه لأرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون فى أسفل البيت .
قال : فكان رسول الله r فى سفله وكنا فوقه فى المسكن ’ ولقد انكسرت جرّة لنا فيها ماء يوما ’ فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ’ ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء ’ تخوفاً أن يقطر على رسول الله r منه شىء فيؤذيه ’ فنزلت إليه وأنا مشفق ’ فلم أزل أستعطفه حتى أنتقل إلى العلو . قال : وكنا نضع له العشاء ’ ثم نبعث به إليه ’ فإذا رد علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب موضع يده فأكلنا منه نبتغى بذلك البركة ’ حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له بصلاً وثوماً ’ فرده رسول الله r ولم أر ليده فيه أثر ’ فجئته فزعاً فقلت يا رسول الله بأبى أنت و أمى ’ رددت عشاءك ولم أر فيه موضع يدك ’ وكنت حينما ترد علينا فضل طعامك أتيمم أنا وأم أيوب موضع يدك نبتغى بذلك البركة ’ فقال : إنى وجدت فيه ريح هذه الشجرة ’ وأنا رجل أناجى ’ فأما أنتم فكلوه ’ قال : فأكلناه ’ ثم لم نضع فى طعامه شيئاً من الثوم أو البصل بعد .
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman";} </style> <![endif]-->
العبر و العظات :
إن الله عز وجل جعل قداسة الدين و العقيدة فوق كل شىء ’ فلا قيمة للأرض و الوطن و المال و الجاه إذا كانت العقيدة وشعائر الدين مهددة بالحرب و الزوال ’ ولذا فرض الله على عباده أن يضحوا بكل ذلك - إذا اقتضى الأمر - فى سبيل العقيدة و الإسلام .
و سنة الله تعالى فى الكون اقتضت أن تكون القوى المعنوية التى تتمثل فى العقيدة السليمة و الدين الحق هى المحافظة للمكاسب و القوى المادية ’ فمهما كانت الأمة غنية فى خلقها السليم متمسكة بدينها الصحيح فإن سلطانها المادى المتمثل فى الوطن والمال و العزة يغدو أكثر تماسكاً وأرسخ بقاءاً وأمنع جانباً . ومهما كانت فقيرة فى أخلاقها مضطربة تائهة فى عقيدتها فإن سلطانها المادى المتمثل فيما ذكرناه يغدو أقرب إلى الاضمحلال و الزوال ’ وقلنا إن التاريخ أعظم شاهد على ذلك .
ولذلك شرع الله عز وجل مبدأ التضحية بالمال و الأرض فى سبيل العقيدة و الدين عندما يقتضى الأمر ’ فبذلك يضمن المسلمون لأنفسهم المال و الطن و الحياة ’ وإن بدا لأول وهلة أنهم تعروا عن كل ذلك وفقدوه
وحسبنا دليلاً على هذه الحقيقة هجرة رسول الله r من مكة إلى المدينة ’ لقد كانت بحسب الظاهر تركاً للوطن وتضييعاً له ’ ولكنه كان فى واقع الأمر حفاظاً عليه وضمانة له ’ ورب مظهر من مظاهر الحفاظ على الشىء يبدو فى صورة الترك و الإعراض عنه فقد عاد بعد بضع سنين من هجرته هذه - بفضل الدين الذى أقام صرحه ودولته - إلى وطنه الذى أخرج منه ’ عزيز الجانب ’ منيع القوة ’ دون أن يستطيع أحد من أولئك الذين تربصوا به ولاحقوه بقصد القتل أن يدنوا إليه بأى سوء
ولنعد الآن الى التأمل فيما سردناه من قصة هجرته r لنستنبط منها الدلالات والأحكام الهامة لكل مسلم :
1- من أبرز ما يظهر لنا من قصة هجرة الرسول r ’ استبقاؤه لأبى بكر رضى الله عنه دون غيره من الصحابة كى يكون رفيقه فى هذه الرحلة .
وقد استنبط العلماء من ذلك مدى محبة الرسول r لأبى بكر وأنه أقرب الصحابة إليه وأولاهم بالخلافة من بعده ’ ولقد عززت هذه الدلالات أموراً كيثرة أخرى مثل استخلافه له فى الصلاة بالناس عند مرضه وإصراره على أن لا يصلى عنه غيره ’ ومثل قوله فى الحديث الصحيح :( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا )
ولقد كان أبو بكر رضى الله عنه - كما رأينا - على مستوى هذه المزية التى أكرمه اله بها ’ فقد كان مثال الصاحب الصادق بل و المضحى بروحه وبكل ما يملك من أجل رسول الله r ’ ولقد رأينا كيف أبى إلا أن يسبق رسول الله فى دخول الغار كى يجعل من نفسه فداءاً له عليه الصلاة و السلام فيما إذا كان فيه سبع أو حية أو أى مكروه ينال الإنسان منه الأذى ’ ورأينا كيف جند أمواله وأولاده ومولاه وراعى أغنامه فى سبيل خدمة رسول الله r فى هذه الرحلة الشاقة الطويلة . ولعمرى إن هذا ما ينبغى أن يكون عليه شأن كل مسلم آمن بالله ورسوله ’ ولذا يقول رسول الله صلى اله عليه وسلم :( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده و الناس أجمعين )
2- قد يخطر فى بال المسلم أن يقارن بين هجرة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وهجرة النبى r ويتساءل : لماذا هاجر عمر علانية متحدياً المشركين دون أى خوف ووجل ’ على حين هاجر رسول الله مستخفياً محتاطاً لنفسه ؟ أيكون عمر ابن الخطاب أشد جرأة من النبى r ؟
و الجواب أن عمر ابن الخطاب أو أى مسلم آخر غير رسول الله r يعتبر تصرفه تصرفاً شخصياً لا حجة تشريعية فيه ’ فله أن يتخير من الطرق و الوسائل و الأساليب ما يحلو له وما يتفق مع قوة جرأته وإيمانه بالله تعالى ’ أما رسول الله r فهو مشرّع ’ أى أن جميع تصرفاته المتعلقة بالدين تعتبر تشريعاً لنا ’ ولذلك كانت سنته هى المصدر الثانى من مصادر التشريع الإسلامى مجموع أقواله و أفعاله وصفاته وتقريره ’ فلو أنه فعل كما فعل عمر ’ لحسب الناس أن هذا هو الواجب ! ... وأنه لايجوز أخذ الحيطة و الحذر ’والتخفى عند الخوف ’ مع أن الله عز وجل أقام شريعته فى هذه الدنيا على مقتضى الأسباب و المسببات ’وإن كان الواقع الذى لا شك فيه أن ذلك بتسبيب الله تعالى و إرادته ’ لأجل ذلك غستعمل رسول الله r كل الأسباب المادية التى يهتدى إليها العقل البشرى فى مثل هذا العمل ’ حتى لم يترك وسيلة من هذه الوسائل إلا اعتد بها واستعملها ’ فترك على ابن أبى طالب ينام فى فراشه ويتغطى ببرده ’ واستعان بأحد المشركين - بعد أن أمنه- ليدله على الطرق الفرعية التى قد لا تخطر فى بال الأعداء ’ وأقام فى الغار ثلاثة أيام متخفياً ’ إلى آخر ما عبأه من الاحتياطات المادية التى قد يفكر بها العقل ’ ليوضح بذلك أن الإيمان بالله عز وجل لا ينافى استعمال الأسباب المادية التى أرادت حكمة الله تعالى أن تكون أسباباً .
وليس قيامه بذلك بسبب خوف فى نفسه ’ أو شك فى إمكان وقوعه فى قبضة المشركين قبل وصوله المدينة ’ والدليل على ذلك أنه عليه الصلاة و السلام بعد أن استنفد الأسباب المادية كلها ’ وتحلق المشركون حول الغار الذى يختبىء فيه رسول الله r وصاحبه - بحيث لو نظر احدهم عند قدمه لأبصر الرسول r - استبد الخوف بابى بكر رضى الله عنه على حين كان يطمئنه عليه الصلاة و السلام قائلاً : يا أبا بكر : ما ظنك بإثنين الله ثالثهما ) ولقد كان من مقتضى اعتماده على كل تلك الاحتياطات أن يشعر بشىء من الخوف و الجزع فى تلك الحال .
لقد كان كل ما فعله من تلك الاحتياطات إذاً وظيفة تشريعية قام بها ’ فلما انتهى من أدائها ’ عاد قلبه مرتبطاً بالله تعالى معتمداً على حمايته وتوفيقه ’ ليعلم المسلمون أن الاعتماد فى كل أمر لا ينبغى أن يكون إلا على الله عز وجل ’ ولكن لا ينافى ذلك احترام الأسباب التى جعلها الله فى هذا الكون أسباباً . ومن أبرز الأدلة على هذا الذى نقوله أيضاً ’ حالته r عندما لحق به سراقة يريد قتله وأصبح على مقربة منه ’ لقد كان من مقتضى تلك الاحتياطات الهائلة التى قام بها أن يشعر بشىء من الخوف من هذا الذى يجد فى اللحاق به بل كان مستغرقاً فى قراءته ومناجاته ربه لأنه يعلم أن الله الذى أمره بالهجرة سيمنعه من الناس ويعصمه من شرهم كما بين فى كتابه المبين .
3- وفى تخلف علىّ رضى الله عنه عن النبى r فى أداء الودائع التى كانت عنده الى أصحابها دلالة باهرة على التناقض العجيب الذى كان المشركون واقعين فيه ’ ففى الوقت الذى كانوا يكذبونه ويرونه ساحراً أو مخادعاً لم يكونوا يجدون من حولهم من هو خير منه أمانة وصدقاً ’ فكانوا لا يضعون حوائجهم وأموالهم التى يخافون عليها إلا عنده ...! وهذا يدل على أن كفرانهم لم يكن بسبب الشك لديهم فى صدقه ’ وإنما هو بسبب تكبرهم واستعلائهم على الحق الذى جاء به وخوفاً على زعامتهم وطغيانهم .
4- ثم إننا نلمح فى النشاط الذى كان يبذله عبد الله ابن أبى بكر رضى الله عنه ’ ذاهباً آيباً بين الغار ومكة ’ يتحسس الأخبار و ينقلها الى رسول الله r وأبيه ’ وفيما عمدت إليه أخته أسماء رضى الله عنها من الجد فى تهيىء الزاد و الراحلة واشتراكها فى إعداد العدة لتلك الرحلة - نلمح فى ذلك صورة مما يجب أن يكون عليه الشباب المسلم ذكوراً وإناثاً فى سبيل الله عز وجل ومن أجل تحقيق مبادىء الإسلام وإقامة المجتمع المسلم ’ فلا يكفى أن يكون الإنسان منطوياً على نفسه مقتصراً على عباداته ’ بل عليه ان يستنفد طاقاته وأوجه نشاطه كلها سعياً فى سبيل الإسلام ’ وتلك هى مزية الشباب فى حياة الإسلام و المسلمين فى كل زمن وعصر .
وإذا تأملت فيمن كان حول رسول الله r إبان دعوته وجهاده ’ وجدت أن أغلبيتهم العظمى كانوا شباباً لم يتجاوزوا المرحلة الأولى فى عمر شبابهم ’ ولم يألوا جهداً فى تجنيد طاقاتهم وقوتهم من أجل نصرة الإسلام وإقامة مجتمعه .
5- أمّا ما حدث لسراقة وفرسه وهو يلحق لبرسول الله r فينبغى أن لا يفوتنا أنها معجزة خارقة لرسول الله r اتفق أئمة الحديث على صحتها ونقلها وفى مقدمتهم البخارى ومسلم ’ فأضفها إلى معجزاته الأخرى التى سبق الحديث عنها فيما مضى .
6- ومن أبرز المعجزات الخارقة فى قصة هجرته عليه الصلاة و السلام خروجه r من بيئته وقد أحاط به المشركون يتربصون به ليقتلوه ’ فقد علق النوم بأعينهم جميعاً حتى لم يحس به أحد منهم ’ وكان من تتمة السخرية بتآمرهم على حياته ما امتلأت به رؤسهم من التراب الذى ألقاه رسول الله r على رؤوسهم إذ خرج من بينهم وهو يتلو قوله تعالى :( وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون )
لقد كانت هذ ه المعجزة بمثابة إعلان لهؤلاء المشركين وغيرهم فى كل عصر ووقت ’ بأن ما قد يلاقيه الرسول وصحبه من ألوان الاضطهاد و العذاب على أيديهم مدة من الزمن فى سبيل دينه ’ لا يعنى أنه قد تخلى عنهم وأن النصر قد ابتعد عن متناولهم ’ فلا ينبغى للمشركين وعامة أعداء الدين أن يفرحوا ويستبشروا بذلك ’ فإن نصر الله قريب وإن وسائل هذا النصر توشك أن تتحقق بين كل لحظة وأخرى
7- وتكشف الصورة التى استقبلت بها المدينة المنورة رسول الله r عن مدى المحبة الشديدة التى كانت تفيض بها أفئدة الأنصار من أهل المدينة رجالاً و نساءاً وأطفالاً ’ لقد كانوا يخرجون كل يوم إلى ظاهر المدينة ينتظرون تحت لفح الشمس وصول رسول الله r إليهم ’ حتى إذا هبّ النهار ليدبر ’ عادوا أدراجهم ليعودوا إلى الانتظار صباح اليوم التالى ’ فلما طلع الرسول عليهم جاشت العواطف فى صدورهم وانطلقت ألسنتهم تهتف بالقصائد و الأهازيج فرحاً لمرآه عليه الصلاة و السلام ومقدمه عليهم ’ ولقد بادلهم رسول الله صلى اله عليه وسلم نفس المحبة ’ حتى إنه جعل ينظر إلى ولائد بنى النجار من حوله ’ وهنّ ينشدنّ ويتغنين بمقدمه ’ قائلاً : أتحببننى ؟ والله إن قلبى ليحبكنّ
يدلنا كل ذلك أن محبة رسول اله r ليست فى مجرد الإتباع له ’ بل المحبة له هى أساس الإتباع وباعثه ’ فلولا المحبة العاطفية فى القلب لما وجد وازع يحمل على الإتباع فى العمل .
ولقد ضل قوم حسبوا أن محبة رسول الله r ليس لها معنى إلا الإتباع و الإقتداء وفاتهم أن الإقتداء لا يأتى إلا بوازع ودافع ’ ولن تجد من وازع يحمل على الإتباع إلا المحبة القلبية التى تهز المشاعر وتستبد بالعواطف ’ ولذلك جعل رسول الله r مقياس الإيمان بالله امتلاء القلب بمحبته r ’ بحيث تغدو متغلبة على محبة الولد والوالد و الناس أجمعين ’ وهذا يدل على أن محبة رسول الله r من جنس محبة الولد و الوالد أى مصدر كل منهما العاطفة و القلب وإلا لم تصح المقارنة و التفضيل بينهما .
8- أما الصورة التى رأيناها فى مقامه r عند أبى أيوب الأنصارى فى منزله ’ فتكشف لنا مظهر آخر من مظاهر محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه والسلام له .
والذى يهمنا من ذلك هنا ’ هو التأمل فى تبرك أبو أيوب وأم أيوب ’ بآثار أصابع رسول الله r فى قطعة الطعام ’ حينما كان يرد عليهما فضل طعامه ’ إذاً فالتبرك بآثار النبى r مشروع قد أقره r .
وقد روى البخارى ومسلم صوراً كثيرة من تبرك الصحابة بآثار النبى r و التوسل بها للإستشفاء أو العناية و التوفيق وما شابه ذلك .
من ذلك ما رواه البخارى فى كتاب اللباس ’ فى باب ما يذكر فى الشيب ’ من أن أم سلمة زوج النبى r كانت تحتفظ بشعرات من شعر النبى r فى جلجل لها ( ما يشبه القارورة يحفظ فيه ما يراد صيانته ) فكان إذا أصاب أحد من الصحابة عين أو أذى أرسل إليها إناء فيه ماء ’ فجعلت الشعرات فى الماء ’ ثم أخذوا الماء يشربونه توسلا للاستشفاء و التبرك به .
ومن ذلك ما رواه مسلم فى كتاب الفضائل باب ( طيب عرقه r ) أنه عليه الصلاة و السلام كان يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست هى فى البيت ’ فجاء ذات يوم فنام على فراشها ’ فجاءت أم سليم وقد عرق رسول الله r واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش ففتحت عتيدها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره فى قواريرها ’ فأفاق النبى r فقال: ما تصنعين يا أم سليم ؟ فقالت يا رسول الله : نرجو بركته لصبياننا ’ قال : أصبت )
ومن ذلك ما جاء فى الصحيحين من استباق الصحابة إلى فضل وضوئه r و التبرك بالكثير من آثاره كألبسته و القدح الذى كان يشرب به .
فإذا كان هذا شأن التوسل بآثاره المادية فكيف بالتوسل بمنزلته عند اللع عز وجل وكيف بالتوسل بكونه رحمة للعالمين ؟
ولا يذهبن بك الوهم إلى أننا نقيس التوسل على التبرك ’وأن المسألة لا تعدو أن تكون استدلالا بالقياس ’ فإن التوسل و التبرك كلمتان تدلان على معنى واحد وهو التماس الخير و البركة عن طريق المتوسل به . وكل من التوسل بجاهه r عند الله و التوسل بآثاره أو فضلاته أو ثيابه ’ أفراد وجزئيات داخلة تحت نوع شامل هو مطلق التوسل الذى ثبت حكمه بالأحاديث الصحيحة ’ وكل الصور الجزئية له يدخل تحت عموم النص بواسطة ما يسمى ب ( تنقيح المناط ) عند علماء الأصول .
ولنكتف من تعليقنا على قصة هجرته r عند هذا القدر ’ لنتحدث بعد ذلك عن الأعمال الجليلة التى بدأ يقوم بها r فى المجتمع الجديد فى المدينة المنورة .
ساحة النقاش