فلسفة الفن .. بين الجمال والابداع الفني
بقلم ... فواد الكنجي
علم الجمال او ( الاسطاطيقا )، هو فرع من فروع الفلسفة يقوم على دراسة الحواس او القيم الشعورية .
والجمال ، باعتباره ادراك جماليا لواقع او باعتباره ما يقوم الفنان من خلال اقامة علاقات ترابط بين عدة وقائع ، فهو اذا ،انعطاف من الذات وميل وجداني نحو شيء بعينه ، أنه إحساس التوجه على الشيء الماثل أمام الشخص المدرك وليس( الشي بذاتة ) حيث يقوم الفنان بتنقية ملامحه بعد أن يدرك جوانب الغير المكتملة فيه او الناقصة ليخلق نموذجا معين، وهذا ياتي بعد تنقيته اشكالة واختيار الشكل الاكثر احساسا به، ومن هنا يـفهم الجمال من خلال الأشياء الجميلة بالتجربة المباشرة ، وإدراكنا لجمال الفن ، هو إدراك للقيمة الذي أضفناها نحن الى الأشياء، وهو اساس الابداع في الفن.
و الجمال كفكره مفهوم غير ثابت يتغيـر حسب الزمان والمكان والبيئة والثقافة ، ويلعب (الابداع ) في الفن دورا أساسيا وهاما في موضوع الجمال ، وأن ما قد يبدو جميلا من هذا الجانب قد يبدو قبيحا من الجانب الآخر ، أي بمعنى عدم وجود قواعد ثابته او معاير معينة لجمال كي يقاس من خلاله الجمال، كما انه لا يوجد قواعد معينة ( للإنتاج الفني) من خلالها يتم اخذ بها لتمام العمل الفني، وعلية فان أي قواعد للانتاج الفني لا يمكن أن تصاغ قبل إتمام العمل الفني ، بل انها تـستنتج منه استنتاجا، وبالحقيقة ان علم الجمال مرتبط ارتباطا وثيقا بفلسفة الفن ، وفلسفة الفن هي فلسفة التي تقوم بدراسة ماهية الفن ، طبيعة الفن ،الفن الجميل ، ما الذي يميز الفنان المبدع عن الفنان العادي، أي نوع من التجربة يعد تذوق فني ، ماهى وظيفة الناقد ....الخ .
والفن بصورة عامة يعرف بأنه ( نشاط تعبيري وانفعالي أو هو بمعنى أدق لغة لتعبير ولتوصيل للانفعالات ) ، فالفن ليس مجرد تعبير وإنما هو توصيل للانفعالات ، كما هو الحال في اللغة ، التي تقدم (الأفكار) فان الفن يقدم (الانفعالات والعواطف) بين أفراد المجتمع بواسطة الفنون المعروفة ، فالفن يساعدنا على الشعور بذواتنا و التعرف على حقيقة مشاعرنا ، فهو أشبه ما يكون بمرآة حقيقية للنفس تنعكس على صفحته كل أهوائنا و عواطفنا وانفعالاتنا و أفكارنا ، و من هنا نفهم بان هناك علاقة وثيقة بين الفن والأخلاق لأن الفنون الجميلة تطهر أهوائنا وتنقي انفعالاتنا وتحقق ضربا من التوافق بين أحاسيسنا و أفكارنا ، أو بين رغباتنا وواجباتنا ، أننا نشعر بالسعادة العميقة إذ رأينا (شيء جميل) لأننا نستشعر توافقا عجيبا، هو الذي ينتزع من نفوسنا كل إحساس بالصراع أو التمزق و كأن الإحساس بالجمال يقترن في نفوسنا بإحساس أخلاقي الذي هو الشعور بالسلم و الطمأنينة أو التوافق النفسي ،ونحن على يقين بان الأعمال الأدبية و الموسيقية ليس من شأنها أن تنظم أهوائنا و تشيع في نفوسنا التناسق و الانتظام فحسب ، بل و تقمع ما في ذاتيتنا من جزئية لكي تحيل الجزئي فينا إلى كلي ، فالأعمال الفنية تهيب بذاتنا أن تخرج من أفقها الضيق المحدد لتقف من العمل الفني موقفا سمحا ملئه الفهم و الوعي و التقدير، اما تذوق الفن فهي الوسيلة التي تسمو بالمتأمل إلى المستوى الجمالي الذي يستطيع عنده أن يدرك كل عناصره ، لإن من شأن العمل الفني أن يفتح أمامنا العالم الإنساني الكلي الذي لا يحده زمان ولا مكان .
ومن هنا ياتي العمل الفني الذي ينطوي وبصورة عامة من عنصرين ( المادة والصورة ) ، بمعنى أنه ليس ثمة مادة في الفكر بدون صورة وليس للصورة أي معنى في ذاتها لأن وظيفتها الاتحاد بالمادة ، والمادة موضوع الحدس الحسي القبلي وليس لنا من حدس سواه وهذا الحدس يتمثل في الزمان والمكان اللذان يجعلان من المدركات الحسية ( ظواهر ) وهي عبارة عن الأشياء وكما تبدو لنا وكما هي في ذاتها ، وان درجة كمال العمل الفي تكمن حينما يتوازن الشكل مع المضمون وبنسق (هارمونك ) ومتى ما تحققت هذه النسبة وهذا النسق في العمل الفني فحينها لا يوصف ذلك العمل الا بكونه جميل والفن الذي يوصف (بالجمال) هو إنتاج حرا كتملت فية اسس الفن في الشكل والمضمون فان كان الجمال ينفذ منه إلى الشكل، فإن الجمال ليس ملتصقا بالحسي بل هو يتجاوزه ، والجميل هو الذي يدفع إلى السرور في حد ذاته ، فالفن لا يمكن أن نسميه فنا جميلا إلا إذا كنا واعين به كفن خلق للحياة الشاملة وإبداع للذات الجمالية الأوسع نطاقا من الذات الطبيعية أو الذات الأخلاقية ، إنها محاولة للارتفاع إلى مستوى الإنسانية وهذا يتم عندما يلتقي الخاص بالعام في لحظة الاستنارة والجزئية التي تلتحم في شمولية الحياة - لا يهم ما إذا كان الفنان قد شاهدها في الحياة أو خلقها بالخيال من خلال تجربة مباشرة أو غير مباشرة - فالفن ليس تسجيلا للواقع أو لجزئيات الواقع، أنه نفاذ لما وراء الواقع ، إنه ينفذ من السطحي إلى الجوهري، ومن المظهر إلى الحقيقة، ومن الجزء الى الكل ، بكون الفنان له طاقة غريزية وأن ثقافته تتسامى بهذه الطاقة، وأنه يسير بعقده النفسية وما قراءه من كتب في مجال اهتماماته، وأنه يهرب إلى أحلام اليقظة والشطح الخيالي ويلجأ إلى اللعب فيرتب على ذلك نموذجا معين يخرجه باسلوب فني ، ومن هنا نستطيع القول بان الفن هو تعبير عما هو مكبوت والهرب إلى الخيال ، فالفن هو الخيال.. والثقافة.. وهموم ..والغريزة ..و العقل .. وهو الحرية ..والتغير ..والسمو ..والفوقية.. وانا ، ولهذا فإن الفنان هو من يتحكم في انتاجه وفق رغباته وغرائزه وهو حين يصوغ انطباعاته أو يشكل أحاسيسه فإنه في الحقيقة إنما يتحرر منها ، فالفنان الذي يخلع على انطباعاته طابعا موضوعيا ، إنما يفصلها عنه لكي يعلو عليها ، و إذا كان للفن وظيفة تطهيرية أو تحريرية فذلك لأنه يمثل نشاطا إيجابيا تتجلى فيه قدرة الفنان على التحرر من أحاسيسه وانطباعاته ، وليست السكينة التي يتمتع بها كبار الفنانين سوى نتيجة لسيطرتهم على الفوضى الداخليه لعواطفهم ، وتحكمهم في الشغب الباطني لأحاسيسهم بحيث تجيء أعمالهم الفنية بمثابة تأكيد خارجي لهذا الانتصار الباطني ، فالفنان الذي يتحرر من أحاسيسه بفضل جهده التعبيري ، لا يقوم بهذا النشاط من أجل الآخرين ، بل يحققه لنفسه أولا وقبل كل شيء ، وهذا الانتاج هو وليدة اللحظة بفعل الحواس وبفعل العقل، لان الفنان عندما يقوم بانتاج عمل ما، فانه يتأمل شكل ومضمون العمل تأملا استطيقيا فينتج فنا ، وهكذا تبدو لنا (الروح) في العمل وكأنها على وفاق مع المضمون وكذلك الصورة مع المادة ، بمعنى أن الصورة هي التي تمنح الحياة لموضوع الفن بعد ان تكون غريزة هي المحرك الاول للفنون و الخط الاساس الذي يحث الفنان بالمباشرة بالقيام بتنفيذ العمل الفني ، ان لحظة الشروع بالعمل تحفزها ( الغريزة) هي المنطلق الأساس للتعبير عن الفن ، ولكن على أساس مبدأ (اللاشعور) فهو يعد اللاشعور مبدأ من المبادئ الفطرية في ذاته ،فالفن هنا سيكون نوع من الواقع الفطري والذي يستولي على الفنان ويجعله أداته ، والفنان هو قبل أي شئ شخصا مزودا بحرية الإرادة يبحث عن غاياته في التعبيرعن مكونات ذاته في العمل الفني و أن (الروح المطلق) هي محوره في فلسفتة الفنية، ذلك أن كل ما في الوجود من ظواهر طبيعية أو مادية أو نظم إنسانية أو فكرية هي في النهاية مظهر من مظاهر تشكلات الروح والتي هي ماتسمى في المدارس الفلسفية ( بالجمال ) ، ومن هنا يعرف الفن ( بأن التجلي المحسوس للفكرة )، والفكرة عند الفنان قد تكون غامضة وقد تكون واضحة فإذا تكاملت بحيث طابقت التصور الخاص بها كانت حقيقية ، اذا ان المثل الأعلى ( للجمال) لا يتحقق بمجرد مطابقة المضمون للشكل ولكن ينبغي أن يكون المضمون نفسه على مستوى عال من السمو والكمال ، ومن هنا فان الفنان حينما يمارس عمله في الانتاج الفني انما هو يفعل ذلك محاولة للهروب من العالم الضيق القائم على بعض المواصفات ولكنه هروب يحتوي على فهم واسع للأشياء، فالفن يساعدنا على رؤية أشكال الأشياء وهو ليس مجرد نسخ لحقيقة جاهزة معدة من ذي قبل ، بل هو سبيل من السبل التي تهدف إلى تكوين نظرة موضوعية إلى الأشياء وهو في النهاية يهدف إلى تقوية الواقع وزيادة شدته ، فهنا تكمل حريته بما يقوم من التنظير العقلي فهو يحول كل الآلام والهياجات وكل ضروب الجور إلى وسيلة لتحرير الذات وبذلك يعطينا حرية داخلية لا نبلغها بطرق أخرى، ولا يرى أن في الفن تعبير وأن هناك تشابها بينه وبين ما يعبر عنه ، كون ما يضع بين أيدينا مجموعة من الصور الوهمية في حين أن الفن يزودنا بنوع جديد من الحقيقة و من طبيعة البناء الفكري (للخيال) ، فالخيال الفني هو إعادة لترتيب المواد وتوزيعها فهو يعمل بالعقل والحواس، لكون الفن عملية بنائية تحتاج إلى هذين العاملين ، أي العقل والحواس، إن العنصر الأساسي الذي يميز ضرب التفكير الفني عند الفنان هو الخيال، والخيال بالنسبة له هو الأداة الأساسية والمفضلة بالنسبة للفنان عند تعبيره عن الواقع، لكن يجب أن نلاحظ أنه إذا كان الخيال يحقق للفنان أصالة منظوره، فإنه يصنع في نفس الوقت بعض الحدود، فبخياله يصل الفنان مباشرة و دون واسطة إلى(علة و ماهية الأشياء) أي أن الخيال يمكنه من ان يغوص في عمق ومعنى الأشياء عبر الصور وأشكال والتمثيل، أي انطلاقا من مبدأ ما أو من تصور عام، يرى الفنان، بفضل الخيال، الأشياء في صورة حسية في واقع فردي ، ومن هذا المنطلق تكون الطريقة التي يتمثل بها الفنان الأشياء دائما أكثر ذاتية .. أكثر فردية ، فهذا الأخير يذهب بأقل سرعة نحو ماهية الشيء بما أنه في حاجة لكي يظهرها لنا في شكل فكرة إلى عمل مفهومي طويل يتضمن عدة وسائط و تكون حقيقة تمثلاته أكثر كونية من تمثلات الفنان، ومن هنا فان (الخلق الفني ) ينشأ عن دور الخيال و عن طبيعة الأشكال التي يفكر فيها والتي ينتجها الخيال، لكن ما يريد الفنان التعبير عنه هو كل ما يتحرك ويتخمر في خاطره، والفنان من خلال هذه الصورة أي (فكرة حركة) تهز أفكار الفنان في داخليته، وإنه في هذه الداخلية (شبه المبهمة ) لذهنه تهتز و تعتمل و تتخمر الأفكار دون أن نستطيع تصور مجيئها، و لا كيف يستطيع الفنان إخراج هذه الحياة الداخلية المشكلة..! ، هو إذن مشكل تمثل الفنان عليه أن يتمثل هذا العالم الداخلي الذي يهزه في نفس الوقت الذي عليه فيه أن يوجد أشكال تمثلها للآخر عبر الأثر الفني، عليه إذن أن يترجم في أشكال حسية الأفكار التي توجد في ذهنه، وهنا بالذات يتدخل خياله، فالفنان اذا هو الذي يجمع بإدراك حاد وحدة الصور والمظاهر الحسية التي يقدمها له الواقع الخارجي، فيخزنها و يمتلكها حتى يستطيع فيما بعد استثمارها ليعطي شكلا لأفكاره الخاصة و هذه القدرة المميزة للفنان تمثل، في نفس الوقت حدا له و مع ذلك فإن هذه الترجمة للفكرة الداخلية في شكل المظاهر الحسية ليس عملا ميكانيكيا بسيطا إنها تفترض عمل الفنان، عمل مطابقة و ملاءمة، بالكيفية التي تجعل الأشكال تطيع وتخضع للهدف، أي التعبير عن الفكرة، فليس الشكل في ذاته ولذاته الذي يحدد الأثر الفني ، إنه العمل الذي بموجبه تجد الفكرة شكلها، و ليس أي شكل بل الشكل المعبر عن الفكرة، فلو اخذنا الاعمال النحتية على سبيل الميثال فان ما يقوم به الفنان في صهر و تشكيل المعادن ، انما يبني العمل بدا في ذهن الفنان ذاته، و يمثّل استباقا للعمل الجمالي واليدوي الذي يعطي الشكل للأثر الفني، فكل أثر فني هو نتيجة عمل يجمع العنصر العقلي (الفكرة ) والشكل الحسي، و الجمال يكمن في قدرة التحكم في الشكل الملائم للفكرة و في خضوع الشكلاني للمفهومي، فليس هناك جمال( استيتيقي) للمفهوم المحض تماما مثلما ليس هناك قيمة جمالية للشكل الفارغ من كل فكرة، لذلك كان على الفنان أن يكون له في نفس الوقت ذهنا ناشطا وحسا عميقا لأن الأثر الفني ينتج عن الجمع بينهما، ومن هنا تكمن أهمية النشاط الذهني والعقلي في الإبداع الفني وهو نشاط لا يؤخذ في كثير من الأحيان، بعين الاعتبار أو على الأقل، لا يقدر حق قدره إذ أننا نميل إلى الحكم على جمالية الآثار الفنية انطلاقا من أشكالها رغم أننا نحكم أيضا على بعض الأعمال بكونها صورية فارغة عندما تخلو من هذا البعد العقلي، ففي الوهلة الأولى فان العمل الفني ليست الفكرة التي يعبر عنها الشكل بل يقتضي حضور الفكر من خلال الشكل دون أن تهمل الفكرة الشكل، أي أن نجاح الأثر الفني ينتج عن التوازن الناتج عن العمل الذهني للفنان بين الشكل والمضمون ، فالفن هو مجموع العمليات الشعورية الفعالة التي يؤثر الإنسان عن طريقها على بيئته الطبيعية لكي يشكلها ويصوغها ويكيفها ، ومعنى خاص يجعل من الفن مجرد استجابة للحاجة إلى المتعة أو اللذة، لذة الحواس ومتعة الخيال ، دون أن يكون للحقيقة أي مدخل في هذه العملية ، باعتبار أن الفن (متعة استطيقية أو لذة جمالية) .
وهنا تكمل حرية الفنان باعتباره هو من يختار شكل عمله ويختار موضوعه ، إنها (الحرية) التي تقود الفن إلى أن ينتج جمالا ذو قيمة وجودية وزمان وجودي والتي تؤلف في النهاية الغاية من الفن إصلاح العالم بتقدمه على ما هو عليه ، فالعمل الفني لا يكون له وجود واقعي خارج الوعي ، إلا بوصفه بنية فيزيقية ، أما باعتباره موضوعا جماليت فإنه لا يكون له وجود واقعي خارج الوعي لأنه في هذه الحالة مقصودا بوصفه صورة متخيلة ، ومن هنا تكمن خبرة الفنان في تشخيص عمله( شكلا ) و( مضمونا) بكونه يربط بين الفن والتجربة فيخلع عليه صفة نفعية ويصبغ على الخبرات الإنسانية بصفة عامة طابعا جماليا ، فليس هناك فاصلاً في نظره بين الخبرة الجمالية وخبراتنا اليومية فلكل فرد تجربته الجمالية ذات اللون الخاص بشرط أن تجيء متناسقة متسقة ومشبعة وباعثة على الرضا أو اللذة لما يصاحبها من تفاعل حيوي ، بكون إن الإدراك الحسي المتسامي إلى درجة النشوة أو إن شئت فقل التقدير الجمالي لهو في طبيعته كأي تلذذ آخر نتذوق بمقتضاه أي موضوع عادي من موضوعات الحياة اليومية وهذا لا يتم الا وفق ارادة وقوة (التعبير) ،
فان عملية الإبداع الفني تتم تلقئيا والفنان ذاته لا يعلم كيف يرتقي عملة الى و لا يستطيع تفسير ما يقوم به، فهو كالأداة في يد قوة غير مفهومة تقوده، دون وعي منه في عمله الإبداعي فالفنان حينما يفكر بالانتاج عمل ما ، فالفكرة ( اية فكرة ) يمكن تمثلها بطرق مختلفة فان وجود فكر يعني وجود تفكير، وهو عمل ثقافي ومفهومي، إلا أن التفكير الفلسفي للفنان يأخذ الفكر المحض كموضوع، لكن هذا لا يعني أن الفنان يبقى في التجريد المحض ولكن يعني أن تفكيره ليس ترجمة مباشرة أو إعادة إنتاج للواقع، فأن نفكر فلسفيا هو أن نفكر بالكيفية التي تجعلنا نجد تدريجيا محتوى التفكير عبر أنماط وسائط و مراحل وسطية تثري الفكر وتوضح الفكرة ، والفنان من هذا المنطلق هو الذي يظهر لنا الفكرة في شكل ما، وهذا الشكل هو الشكل الفلسفي الاستدلالي ذلك ان الريشة والألوان،أدوات للرسام ، هي أداة الفنان التشكيلي ، فالفكرة يمكن أن تقدم في أنماط مختلفة باختلاف ضروب الفكر الذي ينتجها ويظهرها، ففي حين أن فكرة ( السلام ) يقدمها الفنان في شكل رمزي (حمامة بيضاء)، مثل ما هو الشأن مع( بيكاسو) على سبيل اليثال وليس الحصر ، فإنها تتخذ من الخطاب الفلسفي شكلا نظريا و مفهوميا في تناقضها مع فكرة الحرب، وهي توحي بالردود الانفعالية الوجدانية إزاء العمل الفني تأتي من العلاقة الثنائية بين الفنان وما يتمخض عنه العمل الفني من تعبير ومعنى الذي سوف يستوحيه المتلقي، بكون هناك علاقة متأصلة بين الشكل والأساس الغريزي للنفس كونها هي التي خلقته، إن حقيقة العمل الفني لا تكمن فيما يروى لنا من وقائع وانما تكمن في الطريقة التي تروى لنا بها تلك الوقائع من خلال شعور الفنان بأن لا يمكن أن يكون للواقع معنى ما لم ينظم في نطاق ما، إذ يقع على الفنان مهمة اكتشاف ذلك العالم من خلال وسائل استطيقية وفي مقدمتها وسيلة التعبير ، إن التعبير الذي ينطوي عليه العمل الفني قد يكون أعسر عناصره قابليته للتحليل ، فإن ما يبوح به العمل الفني ليس بالمعنى العقلي الذي يمكن فهمه وتأويله ، وإنما هو دلالة وجدانية تدرك بطريقة حدسية فإذا كان النشاط الذهني ضروريا للإبداع الفني ، ولكن قبل ذلك يجب ن نفهم بان الفن ليس عملا عقليا محضا، و لكن الفنان هو دائما مفكر يستعمل عقله وفكره ليختار الأشكال التي يعبر بها عن أفكاره ، والفنان الذي لا يتحكم في موضوعه و يترك نفسه لقوة إلهام خلاق لا يستطيع أن يصيب هدفه، وحتى عندما يترك في الظاهر القواعد الكلاسيكية والصورية للخلق الإنشائي يبقى الفنان سيد الأشكال التي يفرضها على الفكر، فاي عمل فني لا تكتمل صيغة المثلى له ما لم يرتكز فيه من الأساس الشكلي للعمل ، وهكذا يختلف المضمون والشكل باختلاف مضامين الفكر وتوجهات الفنان ورؤيته وصيغة الاشكال البناء التي تعمل على إيجاد تحاور بين الأسس التي تعمل على إبراز ماهية العمل الفني فلا موضوع دون شكل، ولا شكل دون خطوط وألوان، ولا فهم دون تعبير ، وإنما يتأتى ذلك خلال المخيلة ومدى إدراك الذات لمفهوم الموضوع التي تبناه وتعبر عنه ، ومن هنا تصبح العلاقة بين هذه الرموز علاقة جدلية نابعة من التنوع في المفاهيم والعلاقات وصولاً إلى وحدة متأصلة ذات دلالات تعبيرية وهي التي تمثل جوهر العمل الفني وابداعه الفلسفي .