أسلوب النحت عند الفنان فواد الكنجي

 

                               

                         المقال منشور عام 1980 بعنوان( أسلوب النحت عند الفنان فواد الكنجي) بقلم جنان فالح

 

 يتنوع أسلوب الفنان فواد الكنجي في النحت بتنوع المادة المستخدمة (الخامات ) ليحقق ما يبغي بناءه في العمل عبر قدراته المعرفية في عالم الفنون التشكيلية من  الخلق والتصميم والابتكار  و تأثره بالتماثيل والجداريات النحتية  لحضارة الأشورية القديمة في وادي الرافدين  المليئة بالقوة والحياة  والرشاقة والضخامة ، باعتباره ابن لحضارتها.

 فهو ينحت على خامة الخشب والنحاس وينفذ بعض أعماله بخامة الجبس والكونكريت  بكون هذه الخامات منتشرة في العراق و سهلة تجهيزها وأعدادها للعمل ، كما تتميز بسهولة نقلها مقارنة بالخامات الأخرى كالأحجار الجيرية أو الرخامية،  ورغم ان النحات (فواد الكنجي ) عرف كفنان تشكيلي له بصمته في الفن التشكيلي العراقي من خلال أربعة   معارض تشكيلية أقامها في كبرى قاعات العرض في المتحف الوطني للفن الحديث  وقاعة الرشيد في بغداد ، الا انه مارس فن النحت وقدم أعمالا نحتية - رغم قلتها - الا أنها كانت نوعية.

 ففي المعرض الشخصي الأول الذي أقامه عام 1980 والذي تشرف افتتاحه الأستاذ الكبير (حقي الشبلي ) رئيس نقابة الفنانين العراقيين ، الذي أشاد بإعمال الكنجي المقدمة في المعرض من ضمنها إعماله النحتية مبديا إعجابه الشديد بطرية النحت وبإشكالها  التعبيرية.

  وقدم الفنان (فواد الكنجي) مجموعة تجاوزت على عشرين عملا نحتيا على الخشب  والنحاس وقد أتت تلك الإعمال التعبيرية المبدعة بأشكالها المتميزة في الشكل والمحتوى .

 وبالإضافة الى أعماله المحفورة على الخشب و النحاس، فقد نفذ أعمال ضخمة من التماثيل بالجبس والكونكريت.

 فالنحت عند( فواد الكنجي ) يأتي كوسيلة من وسائل  التعبير، وكإحدى أنواع الفنون البصرية التي تحتمل التوليف الكتلي من خلال طرح الرؤى والمواقف الفكرية والحدسية ، وقد تعددت مدارس  وتقنيات صياغة اعماله الذي أتاح للنحات ( الكنجي ) مساحة من الحرية المطلقة للتعبير بعيدا عن أي قوانين ضابطة، سوى التجربة الشخصية للفنان والتراكمات المخزونة في الفكر والخيال، فهو كما نرى إعماله النحتية، يتعامل مع مفاهيم الكتلة والفراغ و السطح والملمس الخارجي ليكون العمل على الضوء ذلك امتدادا لانعكاساته وتوتراته الذاتية مع الكتلة وعلاقتها بالفراغ .

فالكنجي، في النحت يقوم  بالحفر على المادة الصلبة او التشكيل بالمادة اللينة او التركيب والبناء او الإنشاء والصب، ليخرج الكتلة النحتية بإبعادها الثلاثة، أي انه  يعالج الكتلة من جميع زواياها لتأخذ حيزا محاطا بالفضاء من كل الزوايا يمكن لمسها والدوران حولها ، لتعطي للمتلقي لها، مشهدا خاصا ومتميزا من كل زاوية من زوايا النظر باتجاه التمثال  وهو يركز على كل زاوية لتمثال لكي يحاكي المتلقي عبر زاويته بإشكال مختلفة وحسب تلك الزاوية، وهذا لا يأتي دون إدراك كامل، ودراية بفن الهندسة الثلاثية الإبعاد ، كونه حينما يبني  او ينفذ عمله النحتي يمارس على دوام إثناء العمل (الحذف والإضافة) وهي طريقة في النحت تعتمد على حذف بعض الأجزاء من الكتلة والإبقاء على أجزاء أخرى او إضافة بناء جديد على الموضوع المنفذ  للوصول الى الشكل المطلوب جماليا ، وذلك بحفر السطوح الخارجية للمادة الصلبة سواء  أ كان حجرا أم خشبا،  فيباشر بالنحت والبناء التمثال كمجسم كاملة عبر طريقة الحفر  والتركيب المباشر (بناءا وتغيرا ) لحين ان يتم تنفيذ التمثال او المنحوت بالشكل البارز تلبية لتجسيد الفكرة على المادة المستعملة التي هنا أي ( مادة العمل الفني) تفرض وجودها وصفاتها على العمل من حيث التماسك والترابط والتشذيب والتبسيط .. ويقول( فواد الكنجي ) في هذا الصدد:

" ... بأنه في بعض أعمالي الخشبية استمد الموضوع فيها من شكل الخشب ذاته، ومن ثم أقوم  بالتحوير والحذف من هذا الجانب او من ذاك،  وهنا يجب الإدراك  بان لكل نحات أسلوب  خاص بطريقة الحفر والبناء ، التي هي مقومات  للتمكين من تشكيل وحداته بما يتفق مع نوع الخشب او المعدن لتعرف على طراز القطع المطلوب ووضع تصميمات لحفرها٬ كما يجب ملائمة التصميم للغرض المطلوب من حيث التشكيل.
ومن المعلوم ان طريقة الحفر على المادة الصلبة تتطلب معرفة مسبقة بطبيعة المادة المستعملة من حيث الصلابة والتماسك ، بكونها تساعدني لتحديد الموضوع الذي يناسب كل مادة وصفاتها وتمكنني من التصرف بسطح الخامة كما أريد.

  اما في مادة الجبس فالأمر يختلف كليا بكون الفنان هو الذي يبد أولا بوضع دعائم قوية كمرتكز لتثبيت النصب وتمكينه تحمل المنحنيات الموجودة في التمثال اذ وجدت، وذلك بتشكيل الهيكل  للمجسم عبر المعادن الصلبة كالحديد او الدائن السهلة التركيب والمصنوعة من الحديد و الرصاص، وبعد تصميم وتركيب الهيكل  نبدأ البناء  بالجبس او الاسمنت وهناك اليوم أنواع كثيرة من الجبس تختلف نوعيتها في الفترة الزمنية الذي تحتاج اليه لتجف او  لتتصلب ، وتختلف أيضا في قدر تمددها بعد الجفاف او تقلصها، ويمتاز الجبس او الاسمنت  بتماسكها وقوتها عندما تجف وإنها ذات مسامات كافية تؤهلها لامتصاص الماء بسهولة و تقاوم الظروف الجوية.

فالنحت المجسم لابد بادئ ذي بدا  وضع الخطوط العريضة للشكل النهائي للمجسم ، وهنا لابد للنحات المعرفة في كيفية  استخدام فن الهندسة من أجل قياس الأبعاد الثلاثية للموضوع ، ويتم استخدام فن التشكيلي من أجل التنبؤ بالشكل والطابع التشكيلي للمجسم بكون فن النحت  يرتبط ارتباطا وثيقا بالفن التشكيلي، حيث أن النحات يستخدم فن الرسم من أجل توضيح الرؤية فهو يقوم برسم وتخطيط التمثال على الورق من خلال كل الاتجاهات او الزوايا الأربع، وهذا التكوين الذي ينفذه النحات على الورق يعد أهم نقطة قبل الشروع في العمل لأنه يتم فيه دراسة الإبعاد والقياسات الكاملة لتمثال وزوايا الميلان و قاعدة الاستقرار لتثبيت التمثال وكل تلك ملاحظات هي مقومات مهمة قبل ان   يتم تنفيذ العمل والتدرج نحو اكتمال المجسم دون أخطاء و إعادة الصياغة وانهيار التمثال لنعود لبنائه مجددا .

لان في عالم النحت هناك  أمرين يجب مراعاتها وهي، الحجم الطبيعي للمجسم و درجة ميلان وثقله  وثانيا التغيرات التي يبرزها الفنان  فيه كرموز لفكرة التي يريد التعبير عنها في تصغير الأبعاد  او تكبيرها او إضافة مجسمات تعبيرية ،  وبناء تفاصيل بما يناسب وهيكل التمثال...".

فمنحوتات فواد الكنجي هي أكثر تعبيرا وإيحاءا   للمقومات التي ركز فيها ،  فيتلقاها المتلقي بكل انبهار لأنها على قدر كبير من دقة الشكل والتعبير والتي يحاول( الكنجي ) إيحاء بها لإثبات وجودها وارتباطها بالذات المتلقي .

فالقدرة  النحات الكنجي على إعطاء العمل الفني ملمسا حسيا  ناعما في وقت الذي لا يبدو هذا الجهد سهلا بكون  ثمة معاناة يتكبدها النحات في عمل النحت، بحد ذاته، لحين ان يظهر المنحوت بالشكل الذي هو عليه  جماليا وفكريا وهذا يتطلب منه عملية خلاقة تتمثل في التوظيف الرؤية  بين الشكل والمحتوى في أعمال النحتية.

فالإتقان والأسلوب الإيحاء لفكرة المعبرة في المنحوتات أمكنا (فواد الكنجي) في تبلور مجسمات ذات سمات شرقية في مشهده التعبيري تغذت من خيال و الرؤية الفكرية والجمالية معا-  ولعلى النحت الذي إماما في الصورة المرفقة عبر مراحل بناء التمثال بالموضوع ( المرأة السقاية) - يعطي صورة واضحة للمرأة الشرقية الفلاحة التي تحمل جرة لتسقي المزروعات، فرؤيتنا لهذا النحت البارز يلهمنا بروعة الصياغة والنحت وبالجمالية الشكل والموضوع لدرجة التي يوحي العمل بأنك إمام امرأة حقيقية تسقي المزروعات وسط طبيعة خلابة ، بكون الفنان اختار مكان التنفيذ وسط طبيعة تلاءم مع مضمون الذي أراد الفنان تجسيده فيها لتستشف لنا  مرجعيات تلك المنحوتات هو نزوعها نحو شكل متجدد مرتكزة بتوظيف الأفكار مع ألإشكال البصرية وبيان خطابها و استنطاقها  بمهارة نحتية حديثة لم تخضع لاعتبارات التقليد، بل أظهرت توازن تام بين المفهوم الجمالي للشكل وموضوعها الذي لم يلغي متعة إشارة الى التعبير او الفكرة ولهذا ظلت ألمنحوتاته نموذجية بالتوافقية بين الشكل النحتي وغايته  وبين تقنياته النحتية وقيمته التعبيرية .. وقدرته الرمزية التي ترافق كل أعماله بإيحائه شفافة لإبراز قضية الإنسان كمحمول دلالي ، يعكس طبيعته الوجودية والروحية عبر مواضيعه في النحت التعبيري الذي يواكب الرؤية المرتبطة بواقع والتي أمكنته الخبرة الى التحرر من تبعيتها الشكلية والتي  يمكن أن نسميها بالتحول الشكلي والتعبيري التي اعتمدها في تكوين النحت تعلوه رؤية جمالية خالصة وعلى هذا الأساس تظهر منحوتات (فواد الكنجي) وكأنها تؤسس لخليط متجانس من الرؤى التعبيرية  والرمزية ويعود ذلك  في بلورة الأفكار بين التأمل الخيالي  والواقع  الذي يستند إليها والتي لن تكون بمعزل عن تأثيرات البيئة والذاتية،  لكن طبيعية أعماله تجمع تحت هدف واحد الغاية منه هي الإنسان الذي يركز التعبير عنه بهمومه وتجلياته الروحية والموضوعية  المرتبطة بقيمة الوجود،  وعلينا هنا  أن نشير في هذا السياق إلى  ان رهافة وحساسية إعماله النحتية  قد أتت نتيجة بناء تعاضد بين الفكرة والجمالية الشكل ومعطيات التعبير، ليعطينا خطا واضح المعالم لانقيادها نحو التكامل الأعمال، ومن خلال هذا الفهم يمكن أن نعد تلك الأعمال ذات أسس وقواعد تتعدد فيها المضامين .

 

نعم لقد تنوعت إشكال ومضامين منحوتات والتماثيل ( فواد الكنجي ) كونها تخضع من حيث المعيارية إلى بواعث ذاتية وفي نفس الوقت موضوعية تتحكم فيها الصياغات جذابة تتبلور فيها فكرة تمثيل الحداثة كما جاءت في أعماله التي نحتها على الخشب او النحاس ، وهنا علينا أن نعي إلى أن مثل هكذا تجارب تعي التزامها الفكري والجمالي معا ، لان غايتها أن تعكس واقعا مؤثرا لها قدر كبير من الإثارة  عند المتلقي ، ولهذا تبدو موضوعاته ببساطة الفكرة، ولكنها في وقت ذاته تتحرك فيها المفاهيم الدلالية التي تتوق إلى منابع الحرية والتي تستمد منها تنظيمها فنيا،  شكلا ودلالة ، ومن ثم تبدو التعبيرية وقواعدها وانسيابيتها هي المحصلة التالية التي يروم الكشف عنها في كل إعماله النحتية والتماثيل التي أقامه  معتمدا على قواعد شاعرية في الحركة وفي التكوين عند الفنان المبدع  فواد الكنجي . 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 306 مشاهدة
نشرت فى 10 فبراير 2015 بواسطة nargal

فواد الكنجي

nargal
موقع ثقافي يهتم بنشر الفلسفة وفنون الاداب من النقد والشعر والفن التشكيلي »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

7,821