خامساً: مبادرات من الفاتيكان:
فى 9 نوفمبر 2001 وجه البابا يوحنا بولس الثانى بابا الفاتيكان رسالة للمجمع البابوى للحوار بين الأديان أكد فيها أن القول بأن أحداث 11 سبتمبر 2001 فى الولايات المتحدة الأمريكية وما تلاها تعكس صدام الأديان يناقض جوهر الأديان التى تدعو جميعها للعمل الصالح وإنهاء معاناة البشر وبناء عالم تسوده العدالة. وذكر البابا فى رسالته أن الحوار بين الأديان يزداد أهمية فى ظل تعاظم ظاهرة التعددية الثقافية والدينية فى الألفية الثالثة، وذلك لبناء السلام العالمى باسم الإله الواحد، وهذا السلام يستوجب بدوره تغليب روح المصالحة لحل الصراعات والنزاعات القائمة. وقد اختار المجمع البابوى للحوار بين الأديان موضوع البعد الروحى لحوار الأديان عنواناً لمؤتمره لعام 2001، وفى ضوء ذلك أوضح البابا أنه يعتبر الثالوث المقدس فى المسيحية نموذجاً يحتذى به للحوار بين البشر من مختلف الانتماءات الثقافية والدينية، حيث كان الرب يتحدث إلى البشر عبر المسيح، بينما كان المسيح يتعامل مع البشر بكل تواضع. وأقر البابا يوحنا بولس الثانى بأن مهمة الحوار التى يدعو إليها ليست بالسهلة، نظراً لوجود تحيزات سابقة وسوء فهم يحتاج للكثير من الصبر والمثابرة، وأوضح من جهة أخرى أن الحوار بين الأديان يساعد على التعرف على الإله كما ينعكس فى قلوب وعادات وطقوس أتباع الديانات الأخرى وصولاً إلى غايات الطهر والكمال.
وقد سبق ذلك دورة جديدة من دورات الحوار المسيحى/ الإسلامى والذى تنظمه سنوياً جماعة سانت إيجيديو، وهى جمعية أهلية إيطالية ذات صبغة كاثوليكية قريبة من الفاتيكان، وتنظم دورات هذا الحوار سنوياً منذ عام 1985. وقد شاركت فى الدورة الأخيرة شخصيات بارزة عن الجانبين المسيحى والإسلامى.
وأجمع المشاركون فى هذه الدورة على إدانة الإرهاب بشكل عام، وأحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة على وجه الخصوص، كما استنكر المشاركون من العالم الإسلامى ازدواجية المعايير فى العلاقات الدولية مما يوجد شعوراً بالظلم يشجع بدوره على نمو التطرف والإرهاب وأكدوا أن عدم التوصل إلى حل عادل للصراع العربى/ الإسرائيلى سيصعب من فرص إزالة أسباب العنف. وقد اتفق معظم المتحدثين فى المؤتمر على أن استخدام القوة لن يقضى على الإرهاب لأن الأمر يتطلب استئصال دوافع ارتكابه، وركزوا على نقاط التلاقى بين الإسلام والمسيحية داعين إلى تلافى نقاط التعارض مبرزين عدم وجود صدام بين الحضارتين الغربية والإسلامية، وداعين أيضاً الى حوار بين رجال الدين والمثقفين من الجانبين.
إلا أن المؤتمر لم يتمكن من التوصل إلى بيان ختامى لأعماله بسبب عدم ترحيب المشاركين عن الجانب المسيحى باقتراح المشاركين عن الجانب الإسلامى تضمين البيان أهمية التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، ومراعاة عدم مساواة الإرهاب مع مقاومة الاحتلال، وبالمقابل، تم الاتفاق على تشكيل مجموعة اتصال لمحاولة صياغة بيان يناسب الطرفين. وكبديل عن البيان الختامى، وجه رئيس جماعة سانت إيجيديو نداءً فى الحفل الختامى للمؤتمر أعرب فيه عن إدانة المشاركين للاعتداءات على الولايات المتحدة وفى أى مكان آخر، ودعا الشعوب لتجاوز مشاعر الخوف والكراهية، ولإجراء مزيد من الاتصالات لدعم العلاقات بين الإسلام والمسيحية ونفى دعاوى الصدام بين الثقافات والأديان بشكل عام، ودعا إلى السلام والتعايش بين أتباع الديانات السماوية التوحيدية الثلاث، وزيادة مساحات التلاقى فيما بينها، وكرر نفس الأفكار أحد المشاركين عن الجانب الإسلامى فى كلمة نيابة عن هذا الجانب.
ولا شك أن المؤتمر والنداء الذى تلاه والموجه عن بابا الفاتيكان بشأن حوار الأديان قد ركزا على مفهوم حوار الأديان بأكثر مما ركزا على حوار الثقافات والحضارات، وذلك طبيعى من منطلق الطبيعة الدينية لدولة الفاتيكان والمؤسسات التابعة له والقريبة منه. وقد رأى الفاتيكان فى أحداث 11 سبتمبر 2001 وتداعياتها مخاطر على سياسة حوار الأديان والثقافات التى ينتهجها الفاتيكان منذ فترة. كما أن الرئيس الإيطالى حرص على إقامة حفل استقبال على شرف المشاركين فى مؤتمر جماعة سانت إيجيديو حيث ألقى كلمة أبرزت أن الإسلام دين وثقافة كبرى يستحق الاحترام، كما أنه يشترك مع المسيحية فى قيم عالمية، ودعا كل طرف إلى الاعتراف بالهوية الدينية والثقافية للآخر واحترامها كقاعدة للتعاون الأوروبى المتوسطى فى سياق عملية برشلونة، وألمح ضمنياً إلى فضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية، خاصة فى إيطاليا، وأقر بأن القضاء على الإرهاب يستلزم تحقيق السلام فى الشرق الأوسط.
ومن جانب آخر، فإن المؤتمر أتاح الفرصة للجانب الإسلامى لإبراز أهمية نيل الشعب الفلسطينى لحقوقه كاملة وتطبيق العدالة فى الشرق الأوسط، وقد اتفق كافة المشاركين على ضرورة متابعة الحوار وتواصله لضمان تحقيق الآثار الإيجابية على العلاقات الإسلامية/ المسيحية، وأبدوا ارتياحهم لأن يتم الحوار فى مسار مستقل عن الحكومات بما يكفل له حرية الحركة والقدرة على التعبير بعيداً عن أى حساسيات سياسية. ونلاحظ طبعا غلبة المشاركة المصرية على تمثيل الجانب الإسلامى فى المؤتمر مما أبرز ثقل مصر وتنوع روافد الفكر الإسلامى بها.
المصدر: د. وليد عبد الناصر - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN17.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,883
ساحة النقاش