سادساً : نظرة عامة :
لم يكن ما سبق مسحاً شاملاً وكاملاً لكافة المبادرات المعنية بحوار الحضارات والثقافات والديانات على الأصعدة الإقليمية والأقاليمية والدولية، ولكنه كان عرضاً وتحليلاً لأهم عناصر عدد مختار ومؤثر وهام من تلك المبادرات فى عدد هام من المحافل أو الأطراف الدولية ذات الصلة بهذه الموضوعات وكما لاحظنا، فهناك تداخل بين مفاهيم حوار الحضارات والثقافات والأديان، وهو أمر طبيعى نظراً لأن الدين مازال يمثل -حتى فى الحضارات التى ترفع لواء العلمانية- عنصراً مهماً من عناصر ثقافتها ومكوناً بارزاً من مكونات حضارتها، وهذا ينطبق بشكل أكبر فى حالة العالمين العربى والإسلامى حيث يمثل الإسلام العمود الفقرى للثقافة العربية والحضارة الإسلامية وهوية هذه الأمة.
أما الملاحظة الأخرى فهى تلك المتعلقة بالدور الريادى للعالم الإسلامى فى طرح موضوع حوار الحضارات على الصعيد الدولى وفى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وهو أمر غير مستغرب فى ضوء حرص الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامى على إظهار الصورة الحقيقية للإسلام كدين وحضارة تسامح ودعوة تعايش وتعاون وسلام وانفتاح على الآخر وحوار معه. وكان هذا هو موقف الدول الإسلامية منذ القمة الإسلامية التى انعقدت فى طهران فى نوفمبر 1997 والتى على إثرها طرحت الرئاسة الإيرانية للمؤتمر الإسلامى مبادرة تنظيم عام للحوار بين الحضارات -كان هو عام 2001- على الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1998 وهى المبادرة التى تبنتها بالفعل الجمعية العامة عام 1998. إلا أن دولاً أخرى ساهمت فى تبنى مشروع القرار المعنى بحوار الحضارات سواء فى اليونسكو أو فى الجمعية العامة، أو غيرهما من محافل دولية سياسية أو ثقافية، وبرزت بشكل خاص الدول التى لها حضارات عريقة مثل اليابان واليونان وإيطاليا وغيرها، بينما تأخر فى بعض الحالات اهتمام دول أخرى لهذه المبادرات كل لاعتبارات وحسابات خاصة بها سواء نتيجة حساسيات سياسية أو رواسب أيديولوجية أو ذكريات تاريخية مريرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والهند وأرمينيا أحياناً .. وغيرهم.
ويجب أن نلحظ أيضاً أن مبادرات حوار الحضارات لا تقتصر على الصعيد الدولى، بل إن هناك مبادرات محدودة سواء كانت متعددة الأطراف أو تتبناها دولة بعينها أو جاءت من جانب طرف غير حكومى، وتحضرنا هنا مبادرة حوار حضارات العالم القديم والتى تضم مصر وإيران واليونان وإيطاليا، والمبادرة الألمانية التى سبق أن طرحها الرئيس الألمانى السابق رومان هيرتزوج بشأن الحوار بين الحضارتين الإسلامية والغربية وتبناها لاحقاً الرئيس الألمانى الحالى يوهانس راو وضمت فى بدايتها عدداً محدوداً من الدول الغربية والإسلامية كان من بينها مصر واتسعت لاحقاً لتشمل عدداً متزايداً من الدول، كما اتصلت هذه المبادرة منذ يناير 2000 بشكل مازال غير واضح من الناحية المؤسسية مع المنتدى الاقتصادى العالمى الذى ينظم سنوياً - منتدى دافوس - والذى قرر تنظيمه هذا العام فى نيويورك تضامناً مع رجال الأعمال الأمريكيين فى ضوء تعرضهم لهزة 11 سبتمبر وربما لتجنب حضور ضعيف من جانب رجال الأعمال الأمريكيين بسبب مخاوف استخدام الطائرات.
وأخيراً نقول أن أحداث 11 سبتمبر 2001 طرحت تحدياً حقيقياً وجاداً أمام كافة المبادرات الخاصة بحوار الحضارات لإثبات مصداقيتها وتأثيرها المتعدد الأبعاد سواء على دوائر صنع القرار أو وسائل الإعلام أو المراكز الأكاديمية والبحثية أو جمعيات رجال الأعمال أو منظمات المجتمع المدنى من طلاب وشباب ونساء ونقابات عمالية ومهنية ومنظمات غير حكومية أو حتى رجل الشارع العادى وغير المتخصص. ويصدق هذا على المبادرات الفردية من دولة أو أخرى أو من منظمة إقليمية أو دولية سياسية أو متخصصة أو من جهة غير حكومية أو من مجموعة من الدول. فهذا التأثير وتلك المصداقية هما المعيار والمحك للحكم على صلة هذه المبادرات بالواقع المعاش والقدرة على إحداث تغيير إيجابى على مناهج التفكير والسلوك والتعامل مع الآخر وتصويره بشكل بناء والتفاعل معه بديلاً عن الانعزال عنه أو التصرف من منطلق أن الآخر هو العدو أو الخطر أو التهديد، وبدون تجاهل مرجعية قيم العدل والإنصاف والمساواة والاحترام المتبادل وعدم الادعاء باحتكار الحقيقة.
المصدر: د. وليد عبد الناصر - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN17.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,882
ساحة النقاش