فى هذا السياق أبدت مصر حرصاً على الإسهام فى مسألة الحوار بين الحضارات المختلفة وخطة عمل تقوم على أساس مبادئ متفق عليها وأهداف معروفة بشكل محدد. ومنحت مصر دوراً محورياً فى هذا المجال للأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، ودعمت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار عام 2001 عاماً للحوار بين الحضارات ومن شأن هذا العمل الجماعى من جانب المنظمة الدولية أن تظهر وجود توافق دولى بشأن القلق من مقولات صدام الحضارات والوعى بأهمية تعزيز التفاعل المبدع بين الثقافات على أسس التسامح والاحترام المتبادل وتوعية الرأى العام العالمى بذلك، وذلك من منطلق إدراك الارتباط بيم حوار الحضارات من جهة والسلم والأمن الدوليين من جهة أخرى.
كما أن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية قد نظم على مدار السنوات الماضية عدة مؤتمرات حول موضوع حوار الحضارات، حيث لعب الأزهر الشريف دوراً مركزياً فى هذا الإطار.
واتصف الموقف الرسمى والثقافى المصرى عموماً برفض الصيحات السلبية الداعية إلى الصدام بين الحضارات والثقافات ونعتها بالتطرف والوقوف بحزم فى مواجهتها وصياغة اقتراحات وبرامج للتصدى لهذه الدعوات وتفنيدها وإظهار بطلانها وعدم اتساقها الداخلى ومخاطرها على مستقبل التعايش - ناهيك عن التعاون - الدولى، بل وعلى بقاء البشرية فى حد ذاته، وعلى أن ترتكز هذه البدائل على أساس احترام الآخر وتعزيز أسس التفاهم المشترك وقد أدت هذه الجهود المصرية إلى الإسهام فى انحسار نسبى للنظرية القائلة بصراع وصدام الحضارات وتثبت حقيقة أن تفاعل الحضارات يشكل جزءاً من حياة الأمم وتاريخ البشرية، وجزءاً من تطور نشط لا يقف عند نقطة بعينها ولا يصب لصالح حضارة واحدة.
وتواصل الدبلوماسية المصرية المضى على طريق تفاهم الحضارات بعزم مكين وخطى ثابتة من موقعنا الفريد فى هذا العالم كملتقى ونقطة انصهار لحضارات وثقافات مختلفة وصولاً إلى تفاعل على كافة الأصعدة مع الآخرين فى هذا العالم، من منطلق التبشير بقناعة لا يشوبها الشك أو تردد بأن هذا العالم الذى نعيش فيه جميعاً واحد له روافده وحضاراته التى تصب جميعها فى خانة واحدة هى المستقبل الأكثر أمناً ورفاهاً للجميع مما يستدعى التعاضد والتعاون من منطلق المساواة دور التعالى والمشاركة دون ادعاء احتكار الحقيقة.
كما كان لمصر موقفها إزاء التقارير المتتالية للأمين العام للأمم المتحدة حول حوار الحضارات طبقاً للولاية التى خولها له قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر فى عام 1998 فى هذا الشأن. فقد طالبت مصر مراراً بوضع هيكل محدد لمفهوم حوار الحضارات بما يميزه عن غيره من المفاهيم المشابهة له، وتحديد واضح لدور الأمم المتحدة فى هذا السياق، وكذلك الدعوة للعمل على تحديد معايير للحضارات التى تشترك فى هذا الحوار وأى فرع من كل حضارة سيمثلها، وشكل الحوار ومنهجه وغايته وما يفترض أن يصدر عنه من دعوة للتعايش أو التعاون بين الحضارات. كما دعت مصر إلى الالتزام بما ورد فى القرار الأصلى للجمعية العامة من تمويل الأنشطة المتعلقة بحوار الحضارات من ميزانية الأمم المتحدة العادية وليس من موارد من خارج ميزانية المنظمة كما دعا الأمين فى تقاريره. واتسم موقف مصر بالحرص - بل وبالحذر - إزاء محاولات الربط بين حوار الحضارات من جهة وكل من الدبلوماسية الوقائية و ثقافة السلام من جهة أخرى.
وفى سياق الربط بين حوار الحضارات والعولمة، تسعى مصر دائماً برموزها السياسية والدبلوماسية والثقافية إلى التأكيد على المفهوم الصحيح للعولمة طبقاً لتعريفها، أى الترابط والاعتماد المتبادل فى العلاقات الدولية وما يترتب على ذلك من القناعة بأن أى دولة مهما تعاظمت إمكانياتها، فإنها لن تتمكن من فرض سيطرتها على المقدرات الدولية دون مشاركة إيجابية من بقية الدول أعضاء المجتمع الدولى، وما يتصل بذلك على صعيد حوار الحضارات من رفض احتكار الحكمة من جانب حضارة بعينها بل الإيمان بالتعددية الحضارية والتنوع الثقافى وصولاً إلى رفض محاصرة حضارة بعينها - مثل الحضارة الإسلامية - ونعتها بعدم التسامح والتعصب والجمود وتعبئة الحصار حولها استغلالاً لحالات من التأخر الفكرى النسبى لدى بعض مفكرين وحركات فى العالم الإسلامى وما يتصل بذلك من أهمية تأكيد مبدأ المسئولية الفردية بحيث لا يتم توريط دول إسلامية فى الاتهام بالتعصب لمجرد وجود أفراد أو جماعات من أصحاب جنسية تلك الدول يتسمون بتلك الصفة مع مراعاة التوازن بحيث لا تكون المسئولية الفردية مدخلاً لتجاوز سيادة الدولة وتبرير التدخل فى الشئون الداخلية للدول خرقاً لمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة.
وبدلاً من فكرة إيجاد عدو موحد هو عدم التسامح تعاديه كل الحضارات فإن مصر دعت لتبنى منهج اقتراب إيجابى بإسقاط فكرة العدو كلية والتركيز على قيمة التفاهم والحوار وعلى نقاط الالتقاء بما قد يؤدى فى نهاية الأمر إلى احتواء الاتجاهات الداعية للتعصب والجمود. وعلى صعيد آخر رفضت مصر دوماً اتخاذ حوار الحضارات كمدخل لإباحة أو تشجيع المعتقدات والطقوس الدينية حيث أن هذه ليست مجالاً للحوار الذى ينصب أساساً على القيم والمعايير الأخلاقية.
المصدر: د. وليد عبد الناصر - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN18.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,904
ساحة النقاش