على الصعيد السياسى والدبلوماسى فإن دور وفد مصر فى مؤتمر مكافحة التعصب وعدم التسامح الذى عقد فى العاصمة السويدية استكهولم فى يناير 2001 كان لافتاً، خاصة أن مصر والمغرب كانتا الدولتين الوحيدتين المشاركتين فى المؤتمر المذكور من العالم العربى والإسلامى. فقد عارض الوفدان بحسم تركيز البيان الختامى للمؤتمر المذكور على موضوع المحرقة (الهولوكوست) التى تعرض لها اليهود على أيدى النازى قبل وخلال الحرب العالمية الثانية دون غيره من قضايا التعصب وعدم التسامح مثل ما مارسه نظام الفصل العنصرى (الأبارتهيد) السابق فى جنوب أفريقيا حتى عام 1994 وممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلى بحق الشعب الفلسطينى وغيره من شعوب المناطق العربية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلى وقضايا العنصرية العداء للأجانب خاصة العرب والمسلمين فى أوروبا فيما عرف بفوبيا الإسلام. ونجح الوفدان المصرى والمغربى فى قصر ذكر المحرقة على إشارة واحدة وإدماج نقاط أخرى مثل الدعوة للعمل على مكافحة الخوف من الإسلام والعداء للأجانب فى أوروبا وتعزيز مبادئ حقوق الإنسان على الصعيد العالمى. كما ركز الوفد المصرى فى بيانه أمام المؤتمر على أنه لن يكون هناك سلام فى الشرق الأوسط طالما الشعب الفلسطينى يتعرض لمجازر مستمرة من جانب الجيش الإسرائيلى، واعتبر المؤتمر فرصة سانحة لتعريف السويد حكومة وأجهزة إعلام وشعباً بحقيقة العرب والمسلمين وتصحيح المفاهيم الخاطئة فى هذا الشأن، وتوسيع هذا الجهد ليشمل كافة الوفود المشاركة من أكثر من 50 دولة من العالم غير العربى وغير الإسلامى سواء على مستوى مسئولين رسميين أو مؤسسات المجتمع المدنى، وكذلك إنكار أن تكون المحرقة هى الجريمة الوحيدة التى تم ارتكابها بحق الإنسانية والتذكير بما يتعرض له الشعب الفلسطينى.
وخلال مؤتمر آخر عن حوار الحضارات استضافته كل من لتوانيا وبولندا فى عاصمة الأولى فى إبريل 2001 كان الحضور المصرى بارزاً. ودعا وفد مصر إلى رفع الوعى بأهمية موضوع حوار الحضارات والثقافات والأديان على الصعيد العالمى كمدخل لفهم متبادل أفضل وأعمق، واعتبر أن عملية الحوار متواصلة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلا أن إنجازاتها تتسم بقدر كبير من المحدودية نظراً لأنها كانت فى كثير من الأحوال أقرب إلى الحديث إلى النفس (المونولوج) منه إلى الحوار مع الآخر (الديالوج)، وربما جاء ذلك بسبب عمومية الحوار وعدم تحديد محاوره وأبعاده بدقة أو طرح قضايا محددة يجرى الحوار بشأنها.
فحوار الحضارات هو عملية متعددة المستويات تشمل السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة والفكر والفنون. كما أن النظر إلى العولمة اليوم باعتبارها تعنى اتباعاً لنسق واحد من الأفكار والقيم يجب اتباعه من قبل أبناء الحضارات المختلفة سيكون أمراً خطيراً للغاية،فحتى الاتفاق على قيم والليبرالية واقتصاد السوق وحقوق الإنسان لا يعنى إهمال الإرث الحضارى والثقافى والهوية التاريخية لكل شعب وأمة، فكل شعب يفخر بخصوصيته وتمايزه الذى يعكس ظروف تطور اجتماعى/ اقتصادى وتراكم ثقافى/ فكرى فى سياق تاريخى بعينه وكل شعب مستعد للدفاع للنهاية عن الخصوصية والتمايز، وهذا الفخر هو مدعاة لدعمه والحفاظ عليه لأنه يساهم فى تحقيق حالة استقرار مجتمعى تعتبر ضرورية لمساعدة هذه الشعوب - خاصة من يعانى منها من التخلف الاقتصادى والاجتماعى - للخروج من عنق الزجاجة والتحرك نحو التقييم بخطى ثابتة وثقة فى النفس بما يساعد على تجاوز هذه المرحلة الانتقالية وتجنب ما تشهده أحياناً من اختلال للتوازنات القديمة وقلاقل اجتماعية أو حتى سياسية.
كما أن من شأن مساعدة الدول النامية ذات الحضارات العريقة فى جهودها التنموية جعل حوار الحضارات أكثر وعداُ وإثماراً ، وحذر وفد مصر خلال هذا المؤتمر مما أسماه احتكار وسائل الإعلام الغربية لنقل الأخبار فى العالم وطريقة عرضها ونشرها وتفسيرها بينما تغيب رؤية العالم غير الغربى ليس فقط عن الغرب بل عن بقية العالم ويبقى الجميع أسرى رؤية وحيدة للأحداث، وهو الأمر الذى يستدعى التوصل إلى مدونة قواعد سلوك تلتزم بها وسائل الإعلام الغربية، خاصة فيما يتصل بعرض ما يرتبط بالإسلام فى إنتاجها ومطبوعاتها بحيث لا يقتصر ذلك على صور نمطية من التعصب والدوجماطيقية ومعاداة التقدم بل والإرهاب.
فأجواء مثل هذه، والسائدة اليوم لا تشجع على الحوار بل قد لا تسمح به أحياناً، فدوائر سياسية وإعلامية وأكاديمية غربية تتناسى فضل الحضارة الإسلامية فى نهضة أوروبا وتنكر مساحات الاتفاق والاشتراك الأوسع بكثير من مساحات التناقض والاختلاف بين الحضارتين الإسلامية والغربية، فالحوار سيسعى أيضاً إلى تعزيز - وربما توسيع- دائرة الاتفاق والتوصل إلى آلية لمتابعة ما يتم الاتفاق عليه خلال الحوار من إجراءات، وكذلك فض الغبار عن التعاريف والتفسيرات الحقيقة لمفاهيم التسامح ورفض الدولة الدينية والإيمان بالأخوة الإنسانية بدلاً مما علق بها من تعاريف وتفسيرات منحرفة أو محرفة خلال قرون العداء بين العرب والمسلمين من جهة والغرب من جهة أخرى.
ويحضرنا هنا دور الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد الوزير السابق والمحامى الدولى البارز فى مجال حوار الحضارات سواء عبر عضويته فى فريق الخبراء التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامى أو عضويته فى فريق الشخصيات البارزة التى تعاون أمين عام الأمم المتحدة أو مساهماته الشخصية فى أكثر من محفل ومنتدى دولى عنى بموضوعات حوار الحضارات والثقافات والأديان من بينهم المنتدى الاقتصادى العالمى بدافوس فى دورته التى جرت فى يناير 2000.
المصدر: د. وليد عبد الناصر - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN18.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,914
ساحة النقاش