ويمكن بلورة أهم مداخلات الدكتور كمال أبو المجد فى تلك الدورة فى ضرورة عدم اقتصار حوار الحضارات على تبادل الخطب والبيانات بل وضع برنامج للعمل، كما دعا إلى التفرقة بين النظرية والتطبيق خاصة الإشارة إلى عدم ملاءمة المقارنة بين أحكام الدين الإسلامى وما يمليه عن منظومة قيمه من جهة وما يجرى تطبيقه على أرض الواقع فى العالم الإسلامى فى الوقت الراهن. وأكد الدكتور كمال أبو المجد فى مداخلاته على حقيقة أن الحضارات ليست كيانات جامدة بل هى حركة ديناميكية متواصلة ومستمرة تتخللها عمليات تغيير وتأقلم ونقد ذاتى من الداخل بهدف التحول للأفضل. وأوضح الدكتور أبو المجد المهمة المزدوجة للحوار: فهو من جهة يلعب دور المرآة التى تساعد أبناء كل حضارة على معرفة أنفسهم وفهم حضاراتهم بشكل أفضل، ومن جهة أخرى اعتبار الحوار بمثابة نافذة للإطلال منها على الآخر سعياً إلى فهم أفضل له يتسم بالموضوعية.
وتطرق الدكتور أبو المجد للعقبات التاريخية التى أعاقت فى السابق الحوار بين الحضارات، واعتبر فى طليعتها الدور السلبى الذى لعبه الكثير من المستشرقين الغربيين، والإرث المرير لدى المسلمين من ظاهرتى الحروب الصليبية فى القرون الوسطى والاستعمار الحديث، وأخيراً الحملة التى تشنها وسائل الإعلام الغربية منذ زمن وبتصاعد فى الوتيرة لتشويه صورة الإسلام ديناً وحضارة ومجتمعا.
وفيما يتعلق بهذه النقطة الأخيرة تحديداً، استعرض الدكتور أبو المجد عدة أمثلة لسوء فهم للإسلام- عن قصد أو عن سوء نية- فى الغرب، كذلك باعتبارها نماذج للمفارقة الصارخة بين النظرية والتطبيق. ومن هذه الأمثلة موقع الديمقراطية فى الإسلام حيث أن الأساس فى الإسلام أنه دين ديمقراطى ويقوم الحكم فيه على الشورى، والمثال الثانى هو وضع غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى حيث لا يعتبرهم الإسلام مواطنين من الدرجة الثانية ولا يكرههم على اعتناق عقيدته ويساوى بينهم وبين المسلمين فى الحقوق والواجبات، أما المثال الثالث فيتصل بوضع المرأة فى مجتمعات المسلمين، حيث أن الدين الإسلامى وأحكامه لا صلة له بما تتعرض له المرأة حالياً فى الكثير من الدول الإسلامية، بل إن الظروف الاجتماعية السائدة فى تلك الدول هى التى أفرزت هذه الأوضاع، وأن أى تقدم يطرأ على حالة المرأة فى تلك الدول سيتسق مع ما ينادى به الإسلام.
وقد أبرز الدكتور أبو المجد فى مداخلاته خلال اجتماعات فريق الخبراء بمنظمة المؤتمر الإسلامى وفريق الشخصيات البارزة الذى يصوغ تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أن حوار الحضارات لم ينقطع أبداً منذ تكوّن الجماعات الإنسانية الأولى، ثم حين قامت الدولة الحديثة إلا أن ما ميزه فى النصف الثانى من القرن العشرين هو ظاهرة العولمة التى أوجدت واقعاً جديداً يتعين توجيهه لتحقيق التقارب بين الشعوب، لأن من شأن تركه لحاله جعل قوى ومصالح سياسية واقتصادية بعينها توجهه لصالحها. ويجب أن يتخلى الحوار عن هدف إقناع الآخرين بالانقطاع عن انتمائهم الحضارى أو خلعهم منه لأن ذلك ليس حواراً بل سعياً لهيمنة ستدفع الآخرين للمقاطعة أو الدفاع الأعمى عما لديهم، ويجب الاقتناع بأن التعددية الثقافية جزء من سنن الكون والسعى للقفز عليها هو بمثابة حركة ضد التاريخ، بما يتطلب الاعتراف بوجود الآخر واحترام هذا الوجود والإيمان بأن الحكمة ليست حكراً على ثقافة واحدة. ويجب أن يكون هدف الحوار حالياً البحث المشترك وليس البحث عن عناصر الخصوصية وعناصر الاختلاف تحت ضوء الأخطار المشتركة التى فرضها التطور مثل العنف والإرهاب، وتدمير الموارد الطبيعية والأمراض الجديدة وتهديد مؤسسة الأسرة وخطر استخدام أسلحة الدمار الشامل.
وهكذا، حاولنا فيما تقدم طرح صورة متكاملة الجوانب والأبعاد للرؤى والمواقف المصرية إزاء حوار الحضارات، ما هو رسمى منها بشقيه السياسى والدبلوماسى، وما هو ثقافى وفكرى، وذلك بما أثبت تناغم هذه الرؤى والمواقف وانسجامها مع طبيعة الدور المصرى الثابت فى هذا الصعيد والذى لا يعانى من تناقضات أو أزمات بسبب تمايز حالة التداخل والتنوع والثراء الحضارى الذى عاشته مصر منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا وهى مازالت تواصل رحلة الصهر والاستيعاب والعطاء الحضارى فى آن واحد بلا كلل أو ممل وبما يضفى على مسيرة البشرية جمعاء إحساساً بالأمان لوجود مهد الحضارة -‎ مصر- منسجمة مع ذاتها وتاريخها وتراثها وحاضرها وموقعها وما يتوقعه العالم منها.

المصدر: د. وليد عبد الناصر - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN18.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 79 مشاهدة

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

276,044