الدرس الأول فى فهم الصراع الدولى هو درس التاريخ. لماذا؟ لأن التاريخ يتيح لنا ان نعرف الخلفية التى يدور فيها الصراع الدولى فى عالمنا المعاصر .
وكل الظواهر الخاصة بالصراع بين الدول ـ وداخل الدول ـ التى نسمع عنها فى ايامنا هذه هى نتيجة مباشرة لتاريخ طويل من الصراعات بين الدول بالمفهوم المعاصر للدولة بدأ تقريبا فى عام 1500 . وقاد فى النهاية إلى تشكيل عالمنا كما نراه اليوم .

أولا : ظهور الدولة القومية :
وبالتأكيد قبل عام 1500 كانت هناك صراعات، ولكنها لم تكن تدور بين دول، وانما بين إمبراطوريات مثل الإمبراطورية الرومانية (التى استمرت مسيطرة على المسرح العالمى حتى عـــام 400 ميلادية تقريبا) والإمبراطورية الإســـلامية )من 600 ـ 1200 ميلادية تقريبا). وقبل هذه الإمبراطوريات كانت هناك الحضارات القديمة كالحضارة الفرعونية، وحضارة بلاد بين النهرين، والحضارة الصينية، والحضارة اليونانية. وكانت هذه الحضارات جميعا تعيش بمعزل عن بعضها البعض، فكانت تظن أنها تسيطر على العالم كله .
أما الصراع بين الدول ـ كما نعرفه اليوم ـ فقد ظهر الى حيز الوجود فى قارة أوروبا فى عام 1500 مع بدء ظهور فكرة الدولة المعاصرة صاحبة السيادة. ويشير الكثيرون الى صلح ويستفاليا عام 1648 ـ الذى انهى حرب الثلاثين عاما آخر الحروب الدينية فى أوروبا ـ باعتباره الميلاد الحقيقى لنظام الدول المعاصر، لأنه قرر مبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول (السيادة).
وفى حرب الثلاثين عاما كانت فرنسا تواجه سيطرة إمبراطورية الهابسبرج التى كانت تشمل كلا من النمسا وإسبانيا وهولندا، وتدين بالديانة الكاثوليكية وتحمل اسم الإمبراطورية الرومانية المقدسة وبالرغم من ان فرنسا كانت تدين هى الأخرى بالديانة الكاثوليكية ألا أنها دخلت الحرب ضد الهابسبرج لأنها كانت تخشى من سيطرتها على القارة الأوروبية بكاملها. وفى هذا الوقت ادخل المستشار الفرنسى روتشيليو مبدأ جديدا يقوم على الفصل بين الانتماءات الدينية والمصالح القومية، فهو اشار الى ان الدول لها منطق خاص هو السعى الى تحقيق مصلحتها الوطنية بغض النظر عن اى اعتبار آخر. وقاده هذا الى الدخول فى حلف مع بروسيا البروتستانتية، بل والأتراك المسلمين، فى مواجهة الهابسبرج .
ولذلك فإننا نقول ان عام 1500 كان عاما فارقا فى تاريخ وتطور النظام الدولي، ففى هذا التاريخ بدأت أوروبا تسيطر على المسرح العالمى ( فى حين بدأت الحضارات الأخرى فى الأفول التدريجى بسبب عوامل كثيرة أهمها الانعزال) وتصارعت عدة قوى عظمى فيما بينها ، مدة أربعة قرون تقريبا بعد هذا التاريخ، على القوة والموارد الاقتصادية فى أوروبا ثم فى العالم كله بعد حركة الكشوف الجغرافية والسعى الى السيطرة على المستعمرات .
وفى البداية أحرزت إسبانيا والبرتغال سبقا فى مجال السيطرة على المستعمرات لأنهما كانتا السابقتين فى مجال الكشوف الجغرافية. ثم جاء الدور على هولندا )فى القرن السادس عشر( لتحوز قوة كبيرة عن طريق التجارة الخارجية ودخلت إنجلترا معها فى صراعات كثيرة بسبب المنافسة التجارية. وبعدها ظهرت فرنسا كقوة مسيطرة فى عهد لويس الرابع عشر فى القرن السابع عشر، ودارت بينها وبين بريطانيا صراعات للسيطرة على أوروبا بلغت سبعة حروب كبرى بين الأعوام 1689 و1815 .

المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN11.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 117 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,880