بسبب العامل الجغرافي، يصعب كثيرا السيطرة على القارة الأوروبية من جانب قوة واحدة. وبالتالى فقد تغير نادى القوى الكبرى أكثر من مرة دون أن تستطيع دولة ـ او قوة ـ واحدة من الهيمنة على القارة .
وقد كان لهذه الظاهرة (ظاهرة عدم هيمنة قوة واحدة) سبب آخر يكمن فى اتباع الدول الأوروبية لما يدعى بسياسة توازن القوي، وهى سياسة سوف نناقشها بالتفصيل فى الفصل الثاني، ولكن يكفى أن نقول الآن أنها تقوم على اجتماع مجموعة من الدول فى مواجهة دولة ـ او مجموعة أخرى من الدول ـ تهدد بالسيطرة والهيمنة الكاملة .
وفى عام 1789 وقعت الثورة الفرنسية. وقد كان لهذا الحدث تأثير كبير على الطريقة التى تدار بها الصراعات الدولية. فقد بشرت الثورة بمبادئ القومية (التى تعنى الانتماء لهوية مشتركة تتجسد فى دولة ـ أمة )، وبمبادئ المساواة وحكم الشعب نفسه بنفسه . وأخذ القائد العسكرى الشهير نابليون بونابرت على عاتقه نشر هذه المبادئ فى قارة أوروبا وأدخل لأول مرة مفهوم الجيوش كبيرة العدد التى تقوم على التجنيد الإجباري. وشكل هذا تهديدا خطيرا للعروش الأوروبية، لذلك وقفت الدول الأوروبية فى مواجهته بزعامة بريطانيا فى سلسلة من الصراعات والحروب يشار اليها فى التاريخ باسم الحروب النابليونية دارت خلال الفترة من عام 1799 وحتى عام 1815 وهو العام الذى شهد هزيمة فرنسا فى معركة واترلو .
وفى أعقاب هذه المعارك عقد صلح فيينا عام (1815 )، الذى استعاد النظام القديم فى أوروبا، حيث اتفقت القوى الكبرى (بريطانيا وفرنسا وروسيا وبروسيا والنمسا) على الوقوف فى وجه الحركات الثورية التى تهددها للمحافظة على عروشها. وقد نجح النظام الذى تمت صياغته ببراعة فى فيينا إلى حفظ سلام نسبى فى القارة الأوروبية لمدة مائة عام .
وفى القرن التاسع عشر أحدثت الثورة الصناعية تغيرات هائلة فى الطريقة التى تدور بها الصراعات الدولية. فقبل هذه الثورة كان السكان والأرض الزراعية هما المصدر الأساسى لقوة الدولة. ولكن تغيرت مصادر القوة كلية بعد التصنيع . وكان اثر هذا التغير حاسما بالنسبة لبقية العالم وليس لأوروبا وحدها.
فقبل هذه الثورة لم تكن الفروق الاقتصادية بين العالم الأوروبى وبقية العالم بالغة الاتساع، فكان عامل النسيج اليدوى فى الهند يحصل على نصف اجر نظيره الأوروبى، وبالنظر إلى الأرقام فإن آسيا كانت تضم جزءا اكبر من الناتج العالمى من أوروبا بسبب الأرقام الكبيرة للفلاحين والصناع فى آسيا .
ولكن المحرك البخارى والنول الآلى غيرا كل شيء، فقد مهدا لزيادة رهيبة فى معدلات الإنتاج. وفيما بين عامى 1750 و 1830 أدت ميكنة الغزل إلى زيادة إنتاجية النسيج فى بريطانيا 300 او 400 ضعفا . وارتفع نصيبها لتصبح الدولة الصناعية الأولى فى العالم فى القرن التاسع عشر .
وإذا كان مستوى دخل الفرد فى دول العالم خارج أوروبا لم يكن يختلف كثيرا عن مثيله فى أوروبا فى عام 1750، فقد وصل مستوى دخل الفرد فى العالم غير الأوروبى إلى 2 فى المائة من مستوى دخل الفرد فى بريطانيا عام 1900 .
وأعطت التقنية المتقدمة للمحرك البخارى والآلات الصناعية أوروبا ميزات اقتصادية وعسكرية حاسمة . فقد كان تقدم صناعة البنادق والمدفعية يمثلان ثورة فى القوة النارية، وولم تترك أى فرصة للشعوب التى تعتمد على أنواع قديمة من الأسلحة فى إبداء مقاومة ناجحة. وربما يكون أوضح مثال على هذا المعنى هو معركة أم درمان عام( 1898) حيث قامت بنادق جيش كتشنر الإنجليزى بإبادة 11 ألفا من الدراويش السودانيين فى مقابل 48 قتيلا فى صفوفه .
وفى عام 1800 كان الأوروبيون يحتلون او يسيطرون على 35 % من وجه الأرض، وفى عام 1878 ارتفع الرقم إلى 67%، وفى عام 1914 إلى 84%. واشتبكت الدول الأوروبية فى صراع محموم للسيطرة على المستعمرات فى أفريقيا وآسيا.
وخلال القرن التاسع عشر استمرت آلية توازن القوى فى العمل بشكل جيد، وتم الحفاظ على السلام من خلال حروب محدودة مثل حرب القرم عام (1856) التى خاضتها بريطانيا وفرنسا لكى تمنع روسيا من السيطرة على تركة الإمبراطورية العثمانية (رجل أوروبا المريض) .

المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN11.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 104 مشاهدة

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,901