حدث تغيران أساسيان كانا مقدمة للأحداث المرعبة التى شهدها القرن العشرون: الحدث الأول هو توحيد ألمانيا عام (1870) ـ التى كانت من قبل عبارة عن 37 أمارة ـ فى تجسيد لانتصار مبادئ القومية. وقد جلب التوحيد معه قوة هائلة لألمانيا جعلت مطالبها تزداد وأعلن القيصر فيلهلم الثانى أن ألمانيا لديها مهام جليلة تقوم بها خارج الحدود الضيقة لأوروبا القديمة، وقال بولو رئيس الوزراء الألمانى أن المسألة ليست أننا نريد أو لا نريد ، أن نمارس الاستعمارية، بل يجب إن نستعمر، سواء أردنا أم لم نرد. وكل هذا جعل الأخرىن يزدادون قلقا وشكا فى نوايا ألمانيا .
أما التغير الثانى الهام فهو الزيادة الهائلة فى قوة الولايات المتحدة، منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
لقد تمكنت أمريكا ـ بعد انتهاء الحرب الأهلية فى ستينات القرن 19 ـ من استغلال الميزات العديدة التى حباها الله بها من أراض زراعية خصبة ومواد خام هائلة وثورة تقنية عظيمة لتنمية هذه الموارد. وكان غياب القيود الاجتماعية والجغرافية والأخطار الخارجية وتدفق رأس المال الأجنبى والمحلى من عوامل التحول المذهل. وعلى سبيل المثال زاد إنتاج القمح الأمريكى بين عامى 1865 و1898 بنسبة 256%، والذرة بنسبة222%، والفحم 800% . وفى عام 1914 كان الدخل القومى الأمريكى يفوق نظيره فى أى مكان آخر فى العالم، وكانت الولايات المتحدة اكبر منتج للنفط واكبر مستهلك للنحاس، وكان إنتاجها من الحديد الخام يفوق إنتاج ألمانيا وبريطانيا وفرنسا مجتمعة. وكانت تنتج وتملك من السيارات ما يزيد على العالم كله .
هذان التغيران، توحيد ألمانيا واتجاهها إلى التوسع، والنمو الهائل فى قوة الولايات المتحدة، كانا لهما آثار كبيرة على توازنات القوى فى صراعات القرن العشرين .
ثانيا: الحرب العالمية الأولى :
بحلول عام 1914 كانت التحالفات فى أوروبا قد أصبحت اكثر جمودا من ذى قبل، فقد تقاربت فرنسا( التى كان هدفها الأول هو استعادة الالزاس واللورين التى سلبتها منها ألمانيا فى عام 1871) مع روسيا واتفقتا على مساندة بعضهما البعض إذا تعرضت واحدة منهما لهجوم من جانب ألمانيا. واتجهت بريطانيا، التى أقلقتها الزيادة الهائلة فى القوة العسكرية الألمانية وخصوصا فى المجال البحري، إلى تصفية خلافاتها مع فرنسا على المستعمرات (الوفاق الودي1904)، وظهر حلف ثلاثى إلى حيز الوجود فى عام 1907 يضم كلا من بريطانيا وفرنسا وروسيا. وكان الحلف موجها إلى ألمانيا التى لم يعد لديها حليف سوى إمبراطورية النمسا والمجر .
وفى عام 1914 كان المسرح مهيئا للحرب تماما. ووصف ونستون تشرشل ـ رئيس الوزراء البريطانى فيما بعد ـ الموقف وصفا بليغا: كان هناك إحساس غريب فى الجو، وقد لجأت الشعوب التى لم تكتف بالرخاء المادى إلى الصراع بعنف داخليا وخارجيا . وكانت عواطف القومية، التى زاد منها انحسار النزعة الدينية، تشتعل على السطح فى كل ارض تقريبا فى نيران عنيفة. وربما كان من الممكن الظن بأن العالم كان يريد أن يعاني. ومن المؤكد إن الرجال فى كل مكان كانوا على استعداد للمغامرة ! .
وما كان أقساها من مغامرة ! فما إن اشتعلت الحرب بعد اغتيال الارشيدوق فرديناند وريث عرش النمسا على يد قومى صربى متطرف فى سراييفو فى 28 يونيو عام 1914، حتى اشتبكت ألمانيا والنمسا والمجر على جبهتين فى مواجهة روسيا على الجبهة الشرقية وكل من فرنسا وبريطانيا على الجبهة الغربية .
وحتى عام 1917 دار القتال لمدة ثلاثة أعوام متصلة لم يتمكن أى طرف فيها من إحراز نصر سريع حاسم، كما كان متوقعا من قبل، بالرغم من ملايين الأرواح التى راحت. وتكلس الموقف على الجبهة الغربية على شكل خنادق مواجهة لبعضها البعض بطول الجبهة من القنال الإنجليزى وحتى سويسرا . وصارت هناك حالة من التوازن التى أعاقت أى محاولة للاقتحام.
وفى ربيع عام 1917 دخلت الولايات المتحدة الحرب، بعد أن كانت تكتفى بالدعم الاقتصادى للحلفاء، كرد فعل على سياسة حرب الغواصات التى انتهجتها ألمانيا ضد سفنها. وكان دخول الولايات المتحدة حاسما فى قلب الكفة لمصلحة الحلفاء، وفى تعويض انسحاب روسيا عام 1918 فى أعقاب الثورة البلشفية عام 1917 .
وانتهت الحرب بهزيمة ألمانيا، ووقعت اتفاقية فرساى فى عام 1919 التى قضت على ألمانيا بدفع تعويضات باهظة بلغت 33 مليارا لأنها كانت المتسببة فى الهجوم. وعملت المعاهدة على إضعاف ألمانيا (الأمر الذى انتقده الكثيرون فيما بعد واعتبروه سببا فى نشوب الحرب العالمية الثانية) فقد اقتطعت نحو 25 ألف ميل مربع من أرضها وفقدت سبعة ملايين من شعبها . وأجبرتها المعاهدة على تخفيض جيشها إلى 100 ألف، وحظرت عليها امتلاك قوة جوية .
وقد علق وزير الدفاع الفرنسى الجنرال فوش على هذه المعاهدة قائلا: إن هذه ليست معاهدة سلام، وإنما هدنة مدتها عشرين عاما . وصدقت نبوءة الوزير الفرنسي .

المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN11.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 88 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

272,782