رابعا : الحرب الباردة :

كانت نهاية الحرب العالمية الثانية مقدمة لظهور عالم ثنائى الأقطاب تسيطر عليه قوتان أساسيتان متنافستان هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وانخرطت هاتان القوتان فى صراع حاد على السيطرة على العالم بدأت مقدماته فى أعقاب الحرب العالمية الثانية. وعرف هذا الصراع بالحرب الباردة لأنه لم ينطو على مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين ، خصوصا بعد أن توصل الاتحاد السوفيتى إلى صناعة السلاح النووي، وصار فى عرف المؤكد إن الحرب المباشرة تقود إلى دمار كامل للطرفين. 
زاد من حدة المواجهة الخلاف الأيديولوجى الحاد بين القوتين العظميين، إذ تبنت الولايات المتحدة نظاما رأسماليا ديمقراطيا، فى حين كان الاتحاد السوفيتى يبشر بالأيديولوجية الشيوعية ويسعى إلى نشرها فى العالم كله .
وضمت كل قوة مجموعة من الدول الحليفة والتابعة لها. فكان المعسكر الغربى الذى تقوده الولايات المتحدة يضم دول أوروبا الغربية واليابان، وتجسد عسكريا فى حلف شمال الأطلنطى الناتو (الذى انشئ فى عام 1949 بهدف الدفاع عن أوروبا فى مواجهة الخطر السوفيتي) وفى المعاهدة الأمريكية اليابانية، فى حين ضم المعسكر الشرقى (الشيوعي) دول أوروبا الشرقية والصين، وتجسد هذا المعسكر فى حلف وراسو الذى انشئ فى عام 1955 وضم دول أوروبا الشرقية تحت لواء الاتحاد السوفيتى .
ودار نزاع الحرب الباردة للسيطرة على مناطق العالم المختلفة، وخصوصا فى العالم الثالث فى آسيا وأفريقيا الذى كانت دوله قد نالت استقلالها عن الاستعمار فى أعقاب حركات التحرر الوطنى التى اجتاحت العالم فى أعقاب الحرب العالمية الثانية .
وحاول كل معسكر، باستخدام وسائل مختلفة تتراوح بين الدعاية والسياسة والحرب، أن يحول دون وقوع مزيد من الدول تحت سيطرة المعسكر الآخر.
وتجسد الصراع فى نزاعات وحروب مختلفة بدأت بالحرب الكورية فى عام 1950، وهى حرب خاضتها الولايات المتحدة ـ تحت لواء الأمم المتحدة ـ لتحول دون وقوع كوريا تحت سيطرة المعسكر الشيوعي، وانتهت الحرب عام 1953 بتقسيم كوريا إلى دولتين : جنوبية تتبع المعسكر الغربي، وشمالية تتبع المعسكر الشيوعى .
وانتشر فى آسيا وأفريقيا ما يعرف بحروب الوكالة، التى تساند فيها واحدة من القوتين العظميين أحد أطراف النزاع فى حين تساند القوة الأخرى الطرف الآخر . والبعض يشير إلى إن الكثير من الصراعات التى دارت فى فترة الحرب البادرة(مثل الحروب الأهلية فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية والحروب العربية الإسرائيلية فى الشرق الأوسط)سيمكن رؤيتها من زاوية الاستقطاب بين المعسكرين المتصارعين على السيطرة العالمية .
وفى بعض الأحيان تدخلت القوتان مباشرة فى صراعات فى العالم الثالث، مثلما فعلت الولايات المتحدة فى حرب فيتنام (1968 ـ1975)، ومثلما فعل الاتحاد السوفيتى عندما قام بغزو أفغانستان فى 1979 . وفى كلتا الحالتين واجهت القوتان هزيمة مهينة أشارت إلى القوة المتزايدة لحركات التحرر الوطنى فى القيام بحروب محدودة ناجحة تستخدم فيها تكتيكات حروب العصابات .
وفى السبعينات بدأت حدة الحرب الباردة تخفت فيما سمى بسياسة الوفاق ، واستطاعت القوتان العظميان الاتفاق على مجموعة من الأمور أهمها تهدئة حدة سباق التسلح بينهما .
وإذا كان صحيحا أن الاتحاد السوفيتى قد نجح فى تحقيق تعادل مع الولايات المتحدة فى الجانب العسكري . إلا أنه تخلف عنه فى كل جانب آخر: فى الثروة والتكنولوجيا والبنية التحتية، ورفاهية المواطنين. وعلى سبيل المثال فعندما تولى جورباتشوف السلطة فى عام 1985 كان الاتحاد السوفيتى يملك 50 ألف كمبيوتر فى الوقت الذى تمتلك فيه أمريكا 30 مليون كمبيوتر، وبعد أربع سنوات اصبح فى الاتحاد السوفيتى 400 ألف كمبيوتر شخصي، وفى الولايات المتحدة 40 مليونا . ويشير الكثير من المحللين إلى إن التجربة أثبتت أن اقتصاديات السوق والتوجهات الديمقراطية اكثر مرونة فى الاستجابة للتطورات التكنولوجية من النظام المركزى السوفيتى الذى أنشأه ستالين فى الثلاثينات والذى يناسب عصر المداخن وليس عصر المعلومات .
وفى نهاية الثمانينات كانت حوالى 8% فقط من الصناعة السوفيتية قادرة على المنافسة العالمية، ومن الصعب أن تستمر كقوة عظمى إذا كانت 92% من صناعتك اقل من المستوى المطلوب .
وبداية من أواخر الثمانينات أخذت دول أوروبا الشرقية تتخلى عن الأيديولوجية الشيوعية واحدة تلو الأخرى. واعتبر انهيار سور برلين 1989، وتوحيد ألمانيا رسميا فى ظل دولة تتبنى الديمقراطية والرأسمالية فى عام 1990 إشارة إلى انتهاء الحرب الباردة. وفى عام 1991 انهار الاتحاد السوفيتى نفسه، وتفكك إلى دول مستقلة .

عالم جديد ؟
تميزت الفترة التى تلت الحرب الباردة بوجود قطب واحد مهيمن هو الولايات المتحدة، مع مجموعة أخرى من القوى أهمها الاتحاد الأوروبى واليابان والصين .
واخذ الصراع الدولى فى هذه الفترة أشكالا مختلفة، فظهرت انفجارات للحروب الأهلية والعرقية التى خاضتها شعوب مطالبة بحقها فى الانفصال عن دول ظلت متماسكة فقط بسبب ظروف الحرب الباردة. وكانت الحرب فى يوجوسلافيا( وكذلك فى اماكن مختلفة من القارة الأفريقية) مثالا رهيبا على هذه النوعية الجديدة من النزاعات .
ولأن الحرب انتهت بانتصار المعسكر الغربى فقد شهدت فترة ما بعد الحرب الباردة انتصارا لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، التى صار يشار إليها بوصفها مبادئ عالمية ينبغى على الجميع الالتزام بها. على أساس أنها الكفيلة وحدها بإحلال السلام فى العالم .

 

 

المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN11.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 85 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

274,411