استراتيجية الرد بالمثل أثبتت أنها الحل الأمثل للخروج من هذه الورطة، فهى تعنى استجابة من نفس نوع الفعل : أى إذا لجأت إلى الصراع سألجا أليه (الاعتراف فى حالة السجينين وهو يقود حتما إلى خسارة على الجابنين ). أما إذا لجأت إلى التعاون فسيكون ردى بالمثل (السكوت فى حالة السجينين وهو يقود إلى منفعة متبادلة( .
إن المشكلة مع السجينين، هى انهما يجدان نفسيهما فى هذا الموقف المصيرى مرة واحدة . ولكن ماذا إذا تخيلنا أن واحدا منهما كان مجرما معروفا بـ الجدعنة , وبأنه لم يعترف على زملائه من المجرمين فى مواقف سابقة ؟ .. فى هذه الحالة سوف يكون هناك مجال اكبر للثقة .
ونفس المنطق ينطبق على الدول، فالدول تحصل على سمعتها الدولية من المواقف السابقة بحيث يصبح فى مقدور الدول الأخرى أن تتخيل رد فعل الدولة فى مواقف معينة. وهنا يمكن بسهولة حساب منافع التعاون وخسائر الصراع .
إن الرد بالمثل ـ أو واحدة بواحدة ـ استراتيجية فعالة لتحقيق التعاون فى مواقف التضارب فى المصالح. وهى لا تحتاج إلى التصريح بها علانية .
على سبيل المثال فى عام 1969 كانت الولايات والمتحدة والصين على عداء كبير لبعضهما البعض، فالثورة الثقافية الصينية التى قادها الزعيم ماوتسى تونج كانت تنادى بشعارات شديدة العداء للغرب , وكانت فيتنام تتلقى مساعدات من الصين فى حربها مع الولايات المتحدة .
وبالرغم من ذلك فقد سعى الرئيس نيكسون بمعاونة مستشاره للأمن القومى هنرى كيسنجر إلى تقارب مع الصين لأنهما فهما أن هذا التقارب يقوى مكانة أمريكا فى المواجهة مع عدوها الرئيسى وهو الاتحاد السوفيتى .
ولكى ينفذ نيكسون سياسته بدأ بإجراءات بسيطة فقام بتخفيف الحصار الاقتصادى المفروض على الصين ، وسرعان ما قامت الصين بالاستجابة فأطلقت سراح ثلاثة مواطنين أمريكيين انحرف بهم قارب بالقرب من المياه الإقليمية للصين وهنا أدرك نيكسون إن الصين فهمت الرسالة، وبدأ فى اتخاذ إجراءات اكثر فى اتجاه التقارب مع الصين انتهت بزيارته لبكين فى عام 1972. وهذا ما نعنيه بأن المعاملة بالمثل تأتى بنتائج باهرة فى مجال الصراع الدولى .
وعندما يكون الغرض من استراتيجية الرد بالمثل هو التهديد بعقاب طرف آخر إذا اقدم على فعل معين يطلق عليها الردع . والردع معناه إلقاء الرعب فى قلب الطرف الآخر لجعله لا يفكر فى الهجوم .
وبهذا المعنى يمكن فهم فكرة السلام عبر القوة . ونحن لا نشعر بالردع لأن مقياس نجاحه هو الحروب التى لم تقع، والتى ساهمت سياسة الردع فى منعها .
والسياسة المعاكسة للردع هى الاسترضاء، وهى تعنى التسليم ببعض مطالب الطرف الآخر تجنبا للحرب . وهى سياسة خطيرة جدا لأنها تنطوى على احتمال بان يقوم الطرف الآخر بالتمادى فى مطالبه بعد إن اقتنع بضعف الآخرين وخوفهم منه . وكما رأينا فى الفصل السابق، فإن بريطانيا اتبعت هذه السياسة مع ألمانيا قبيل الحرب العالمية الثانية عندما سعى رئيس الوزراء الإنجليزى نيفل تشمبرلين إلى عقد صلح يسلم فيه ببعض التنازلات لهتلر فى ميونخ 1938 . وكانت النتيجة هى تمادى هتلر فى سياسته العدوانية مما قاد فى النهاية إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية . واليوم تشير كلمة ميونخ إلى الاسترضاء المهين لتجنب الحرب بأية طريقة .
وهذا لا يعنى أن سياسة الاسترضاء لا تنجح فى جميع الأحوال، ففى مؤتمر فيينا 1815 الذى عقد فى أعقاب الحروب النابوليونية، قامت الدول الأوروبية باسترضاء فرنسا والتسليم ببعض مطالبها بالرغم من هزيمتها العسكرية . وكان الهدف هو احتواؤها وإثنائها عن القيام باعتداءات جديدة فى المستقبل، وقد أثبتت هذه السياسة نجاحا كبيرا فى هذا الوقت . والخلاصة هى أن رجال السياسة لابد أن يتعلموا فى أى وقت يستخدمون الردع وفى أى وقت يستخدمون الاسترضاء .
وإذا كان الكثيرون يعبرون عن خوفهم من استخدام السلاح النووي، فإن خبراء السياسة يردون بأن الردع هو ما يجعل الدول تفكر مرتين قبل استخدام هذا السلاح، فهناك مبدأ الدمار المؤكد المتبادل الذى يعنى إن استخدام إحدى الدول المالكة للسلاح النووى لهذا السلاح فى مواجهة دولة أخرى تملكه، أو دولة حليفة لها يعنى أن تتعرض هى الأخرى لضربة نووية .
وعندما تفشل استراتيجية الردع فى تحقيق هدفها فإن الدول تستخدم استراتيجية الإجبار الذى يعنى استخدام القوة لإقناع أحد الأطراف باتخاذ موقف معين (الانسحاب من أراض يحتلها على سبيل المثال) ، وليس الامتناع عن اتخاذ موقف معين كما هو الحال مع الردع .

المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN12.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 89 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,888