يشير مفهوم التصعيد إلى استراتيجية تستخدمها الدولة لإجبار الأطراف الأخرى على اتخاذ موقف معين من خلال سلسلة من العقوبات التى تتزايد بالتدريج لكى تقنع الطرف الآخر باستعداد الطرف الأول لاستخدام القوة، وبالتكلفة المحتملة لإصراره على موقفه. وأحيانا يتحول التصعيد ـ عندما يتم ممارسته بين طرفين على نحو متبادل ـ إلى سباق تسلح . ويعنى أن تقوم الدولة بزيادة قوتها العسكرية، فتستجيب دولة ـ معادية ـ بزيادة قدراتها العسكرية هى الأخرى، وتتكرر هذه العملية فى دائرة مفرغة لا تنتهى .
ويرى الكثيرون إن سباقات التسلح مسئولة عن وقوع الحروب، لأنها تقود فى وقت ما إلى مواجهة. وعلى سبيل المثال فإن المؤرخين يشيرون إلى أن السباق فى بناء القوة البحرية بين ألمانيا وبريطانيا فى مطلع هذا القرن، كان أحد الأسباب الرئيسية وراء اندلاع الحرب العالمية الأولي.
ولكن من ناحية أخرى، فإن سباقات التسلح يمكن إن تؤدى إلى إنهاء الحروب، فعندما أعلن الرئيس الأمريكى رونالد ريجان عن برنامجه التسليحى المسمى بـ حرب النجوم لم يستطع الاتحاد السوفيتى مجاراته فى هذا السباق. وكان ذلك أحد الأسباب التى أدت إلى نهاية الحرب الباردة .
وبعض مواقف التصعيد يطلق عليها أحيانا سياسة حافة الهاوية، وهو مصطلح نسمعه كثيرا فى نشرات الأخبار فيقال مثلا : إسرائيل تتبع مع العرب سياسة حافة الهاوية..الخ . ، وعلماء السياسة يشبهون هذه السياسة بلعبة خطيرة كان يمارسها المراهقون فى الولايات المتحدة، حيث يتفق اثنان على قيادة سيارتهما كل منهما فى مواجهة الآخر بسرعة كبيرة، والذى ينحرف أولا باستخدام عجلة القيادة يصبح خاسرا ويوصم بالجبن .
وكما فى هذه اللعبة الخطيرة فإن سياسة حافة الهاوية تحتاج إلى درجة كبيرة من السيطرة على الأعصاب، لأنها قد تقود فى أى لحظة إلى هاوية محققة !
خامساً: الأحلاف وتوازن القوي:
إحدى الاستراتيجيات الأساسية التى تستخدم فى عالم الصراع الدولى هى استراتيجية الدخول فى أحلاف. والحلف هو تكتل بين دول تسعى إلى تنسيق تحركاتها لإنجاز هدف ما .
وهذا التعريف واسع جدا ولا ينطبق على كل التحالفات التى نعرفها فى العالم المعاصر . فلابد للتحالف أن يشمل قسما كبيرا من المسائل التى تتعلق أساسا بالأمن الدولي، والتى تمتد ـ فى الغالب ـ لفترة طويلة من الوقت. ولا يسمى الاتفاق على هدف محدود لفترة قصيرة من الوقت تحالفا.
والحلف يتكون فى الغالب لمواجهة تهديد معين، فعلى سبيل المثال لجأت العراق فى خلال حربها مع إيران (1980 ـ 1988) إلى التحالف مع دول مجلس التعاون الخليجى والاستعانة بأرصدتها المالية لشراء المعدات العسكرية التى كانت تحتاج أليها فى الحرب. ولم تتحالف دول مجلس التعاون مع العراق بدافع من شعور قومي، وانما لشعورها بالخوف من التهديد الذى صارت تمثله إيران على أمنها حيث كانت تعمل على تصدير ثورتها الإسلامية إلى هذه الدول، مما هدد نظم الحكم فيها. وهنا حدث تبادل فى المنفعة بين العراق والدول الخليجية، وتلك هى طبيعة التحالف. فهى لا تقوم على عواطف وانما على مصالح.
وبطبيعة الحال، فإن المصالح يمكن إن تتبدل. وهذا بالضبط ما يجعل التحالفات فى السياسة الدولية ذات طبيعة متغيرة ومائعة. وقد قال الرئيس الفرنسى شارل ديجول ذات مرة إن فرنسا ليس لديها أصدقاء دائمون أو أعداء دائمون، وانما فقط مصالح دائمة!.. وهذا يذكرنا أيضا بما قاله نابليون : إن المعاهدات تحترم فقط، طالما كانت منسجمة مع المصالح !
والتاريخ يحمل لنا امثلة كثيرة على تحالفات غير متوقعة، مثل التحالف بين ستالين وهتلر ـ بالرغم من تناقض نظاميهما فى المجال الأيديولوجى ـ فى 1939 عشية الحرب العالمية الثانية، وهو التحالف الذى نقضه هتلر عندما قام بمهاجمة الاتحاد السوفيتى فى عام 1941 .
إن مسالة التحالفات هى التى تجعل الصراعات الدولية معقدة، فإذا تخيلنا إن العالم مكون من دولتين فقط فسيكون من السهل حل معضلة الأمن، التى تحدثنا عنها سالفا، عن طريق احتفاظ كل طرف بقدرات تمكنه من الدفاع عن نفسه، دون أن يكون فى مقدوره الهجوم على الطرف الآخر. ولكن فى حالة وجود دولة ثالثة فإن الموقف يصبح اكثر تعقيدا فالدولة لابد إن تضع فى اعتبارها احتمال أن تتحالف الدولتان الأخريات ضدها، وبالتالى لابد لها من الاحتفاظ بإمكانيات الدفاع عن نفسها فى ظل هذا الاحتمال .
لذلك فان الكابوس المزعج لأى دولة هو أن يتكون تحالف عدائى ضدها. هذا الكابوس أرّق ألمانيا فى القرن العشرين ودفعها إلى التسبب فى الحرب العالمية الأولي. ونفس الكابوس يؤرق إسرائيل التى تقول دائما بأنها لابد أن تضع فى حسبانها احتمال تحالف الدول العربية كلها فى مواجهتها، وبالتالى لابد لها من الاحتفاظ بقدرات عسكرية تمكنها من هزيمتهم مجتمعين، فى حين أن إصرارها على الاحتفاظ بهذه القدرات العسكرية المتفوقة هو الذى يسبب الخوف، وبالتالى العداء، من جانب جيرانها العرب !
المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN12.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,885
ساحة النقاش