إن الدول تدخل التحالفات لكى تزيد رصيد قوتها فى مواجهة الدول الأخرى، وبالتالى تحقق نوعا من التوازن معهم. وهذه السياسة يطلق عليها توازن القوى .
وكان مبدأ توازن القوى هو احد المبادئ الرئيسية فى عالم الصراع الدولى قبل مرحلة القطب الواحد الراهنة، والهدف منه هو منع دولة ما من السيطرة على الدول الأخرى عن طريق تكوين حلف مناوئ يوازن قوتها. وهذه السياسة تفرض على الدولة أن تنضم دائما إلى الطرف الأضعف لكى تواجه الطرف الأقوى، والدولة التى تلعب هذا الدور تسمى بالدولة الموازن. وقد كانت بريطانيا هى الدولة الموازن فى أوروبا فى القرن التاسع عشر، وفى ذلك قال رئيس وزرائها ونستون تشرشل إن بريطانيا اختارت الطريق الأصعب وهو التحالف مع الأضعف، بينما كان هناك دوما خيار التحالف مع الأقوى واقتسام الغنائم. وعندما انتقد البعض تحالف بريطانيا مع الاتحاد السوفييتى الشيوعى فى الحرب الثانية، قال تشرشل أنه يمكن أن يتحالف مع الشيطان لهزيمة هتلر!
وهناك الكثير من المفكرين الاستراتيجيين الذين يرون أن توازن القوى يعتبر سياسة ناجحة جدا فى الحفاظ على الاستقرار فى النظام الدولى ككل. ومن هؤلاء مثلا هنرى كيسنجر الذى يرى أن هدف رجال الدولة فى كل العصور هو خلق توازن من الرعب يردع الآخرين عن العدوان .
وإذا كان توازن القوى يحافظ على الاستقرار، فإنه حتما لا يحافظ على السلام لأن التوازن يتم استعادته دوما من خلال حروب متكررة تخوضها القوى للحفاظ عليه. ففى مطلع القرن التاسع عشر تحالفت بريطانيا مع كل من بروسيا وروسيا والنمسا لهزيمة فرنسا بقيادة نابليون ، وفى منتصف نفس هذا القرن تحالفت مع تركيا وفرنسا والنمسا لهزيمة روسيا فى حرب القرم. وفى مطلع القرن العشرين عادت للتحالف مع فرنسا وروسيا لهزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى .
وعلى أى الأحوال، فإن حسابات توازن القوى تتغلب فى أحيان كثيرة على الأيديولوجيات والمشاعر القومية المشتركة. وعلى سبيل المثال، ففى خلال الحرب العراقية الإيرانية كان من المتوقع أن تتحالف الدول العربية جميعها مع العراق فى مواجهة إيران (التى تبنت نظاما إسلاميا شيعيا )، ولكن الرئيس السورى حافظ الأسد رأى أن التهديد العراقى اخطر من التهديد الإيرانى، وبالتالى وقف إلى جانب إيران .
وفى مواجهة مفهوم توازن القوى هناك مفهوم الأمن الجماعى الذى يعنى أن تتحالف الدول جميعها فى مواجهة أى دولة تبدأ بالعدوان. وقد كان هذا هو المنطق وراء إنشاء عصبة الأمم عام1919. ولكن مفهوم الأمن الجماعى يقتضى أن ترى الدول كلها التهديدات لأمنها بنفس الطريقة، لأن الدول تحتاج إلى الاتفاق على تحديد الخطر لكى تتحرك بشكل جماعى لمواجهته. وهذا بالتأكيد أمر صعب. وفشل تجربة عصبة الأمم فى ردع كل من اليابان وإيطاليا فى الثلاثينات أشار بوضوح إلى صعوبة تطبيق مفهوم الأمن الجماعى على ارض الواقع. وقد أشار كيسنجر إلى هذا المعنى ذات مرة عندما قال : عندما تتفق الدول كلها لا تكون هناك حاجة للأمن الجماعي، وعندما يحدث خلاف بينها فان التحرك المشترك يصبح مستحيلا .
وربما يكون هذا أيضا هو السبب وراء فشل الأمم المتحدة ـ وهى أيضا تقوم على فكرة الأمن الجماعى ـ فى إن تلعب دورا اكثر فاعلية فى منع نشوب الصراعات الدولية. فبالرغم من أن الفصل السابع من ميثاق المنظمة يعطى مجلس الأمن حق فرض عقوبات على الدولة المعتدية تصل إلى حد التدخل العسكري، ألا إن التحرك فى مجلس الأمن يقتضى موافقة جميع الدول دائمة العضوية فيه، وإذا قامت واحدة من هذه الدول باستخدام حق النقض (الفيتو)، فإنه يصعب معاقبة الدولة المعتدية، ناهيك عما إذا كانت هذه الدولة المعتدية واحدة من الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن، أو دولة حليفة لدولة دائمة العضوية.
إن الفوضى الدولية، ومعضلة الأمن والجغرافية السياسية والاستراتيجية والردع والتصعيد وتوازن القوى والأحلاف . . كلها مفاهيم أساسية فى موضوع الصراع الدولي، وهى تقدم لنا خلفية تساعدنا على فهم الكثير من الصراعات التى تحدث فى العالم. ولكنها لا تعطينا اجابة شافية عن سؤال اساسى : لماذا تتصارع الدول مع بعضها البعض؟

المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN12.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 237 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,885