يقول الفيلسوف الرومانى سنيكا انه فيما يتعلق بالحروب والصراعات بين الدول فإن الناس تسأل دوما عن النتائج وليس عن الأسباب. ولكننا نعرف ان معرفة الأسباب وراء الصراعات الدولية يساعدنا على فهمها بصـــورة اكبر، والأكثر من ذلك انه يساعدنا على أيجاد حلول وتسويات تمنع وقوعها فى المستقبل .
وكما فى حالة الأفراد، فإن الصراع بين الدول ينبع أساسا من خلاف حول موقف معين يراه الطرفان بصورة مختلفة، تخيل مثلا أن مجرما استوقفك فى الطريق ليلا وطلب منك أن تعطيه حافظة نقودك، وهددك بمسدس فى يده، فى هذه الحالة سوف يكون لديك مجموعة من الخيارات : أما أن تعطيه حافظة النقود وتؤثر السلامة، أو أن تحاول أن تواجهه بإطاحة المسدس من يده مثلا. وبالطبع، هناك دائما خيار الجرى على أساس أن الجبن سيد الأخلاق !
أن هذا المجرم يعرف جيدا انك تعطى حياتك قيمة اكبر من حافظة نقودك، بينما يحاول هو أن يوصل إليك الشعور بأنه لا يضيره أن يقتلك إذا آثرت المواجهــــة، ان كل ما يهمـــــه هـــــو الحصول على حافظة النقود .
وهذا الموقف لا يختلف كثيرا عن المواقف التى تواجهها الدول كل يوم. فحياة الدول عبارة عن صراع متصل من اجل الحفاظ على بقائها والدفاع عن مصالحها القومية. وهى تسخر كل إمكانياتها وقدراتها لكى تخرج من المواقف الصعبة (مثل موقف المجرم وحافظة النقود فى حالة الأفراد) سالمة غانمة .
ولذلك فإن بعض علماء السياسة يقولون بأن الهدف الأساسى للدولة هو تعظيم قوتها ومكانتها باستمرار، لأن هذا يعطيها موقفا تساوميا افضل فى حالات الصراع.
وإذا كان الأفراد يتصارعون حول (حافظة النقود) فإن الدول تتصارع حول مسائل مختلفة وينبغى أن نضع فى اعتبارنا أن الصراع لا يعنى الدخول فى الحرب، فالحرب هى اعلى مظاهر الصراع الدولى (وسنناقش أسبابها وأنواعها فى الفصل التالى ). ولكن الصراع يعنى خلافا حول قضية معينة، وهناك وسائل مختلفة لادارة الصراعات الدولية، والوسيلة العسكرية هى أحد أدوات الصراع ولكنها ـ على أهميتها ـ ليست الوسيلة الوحيدة .
وبشكل عام يمكن القول بأن الدول تتصارع أساسا حول مصالح مادية (الحدود، الاقتصاد، السيطرة على الحكومة )، أو تخوض الصراعات للدفاع عن قيم غير ملموسة (الدين، العرق، الأيديوسلوجية ) .
أولا : صراعات المصالح
1ـ الصراع حول الأقاليم:
هذه النوعية من الصراعات تأخذ شكلين أساسيين : صراعات حول ترسيم الحدود (أين يتم ترسيم الحدود )، وصراعات حول السيطرة على دولة كاملة داخل حدود معروفة .
والمعروف ان الدولة تعطى قيمة كبيرة، بدرجة تشبه التقديس، لأرضها. لذلك فإن الصراعات التى تتعلق بنزاعات حدودية تكون من اكثر الموضوعات المستعصية فى الصراع الدولى .
وعلى سبيل المثال، فإن الرئيس السادات كان حريصا خلال مفاوضات كامب ديفيد مع إسرائيل فى عام 1978، على أن يكون موقفه التفاوضى مبنيا على عدم إمكانية التفريط فى حبة رمل واحدة من التراب المصري. وقد رفض رفضا قاطعا المساومة على هذا المبدأ، فرفض مثلا أن تحتفظ إسرائيل بالمستوطنات التى قامت ببنائها فى فترة احتلالها لشبه جزيرة سيناء. وحتى بعد جلاء إسرائيل عن سيناء فى عام 1982 صممت مصر على استعادة طابا ، من خلال التحكيم الدولي، على الرغم من أنها قطعة ارض صغيرة قد لا يكون لها أهمية كبيرة فى حد ذاتها من الناحية الاقتصادية أو الاستراتيجية . ولكن أهميتها تنبع من كونها جزءا لا يتجزأ من الإقليم المصرى .
وعندما فقدت فرنسا منطقة الالزاس واللورين فى الحرب التى شنتها عليها ألمانيا فى عام 1871، ظل هدف استعادة هذه المنطقة على قمة أولويات الأمة الفرنسية الى ان تمت استعادتها فى أعقاب الحرب العالمية الأولى بعد هزيمة ألمانيا .
وتاريخيا كان يتم احتلال الأقاليم وتحريرها باستخدام الوسيلة العسكرية، حيث لا يمكن إزاحة قوات عسكرية من على الأرض إلا بقوات عسكرية أخرى .
وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية ولد مبدأ أساسى هو عدم جواز تغيير الحدود الدولية باستخدام القوة، وصار قيام أى دولة بعمل عسكرى لتغيير حدود دولية قائمة يعتبر عملا خطيرا جدا فى السياسة الدولية .
وكان هذا المبدأ سببا أساسيا فى قيام التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة بالوقوف فى وجه محاولة صدام حسين ضم الكويت إلى العراق فى عام 1990. فقد كانت الرسالة واضحة : لا يجوز تغيير الحدود بالقوة حتى بعد انتهاء الحرب الباردة .
المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN13.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,885
ساحة النقاش