وربما نندهش اذا عرفنا ان قيام دولة بالمساهمة فى تغيير حكومة فى دولة اخرى ـ ولو بطريق القوة ـ يمكن التسامح والتغاضى عنه من جانب المجتمع الدولى لأنه فى هذه الحالة تكون سيادة الدولة قد انتهكت، ولكن تكاملها الإقليمى لم يمس حيث لم تتغير حدودها. أى ان الحكومات تذهب وتجيء، اما الدول نفسها فتظل باقية .
وهناك نوعية أخرى من النزاعات الحدودية تسمى بـ حروب الانفصال ، وحروب الانفصال لا تعتبر حروبا دولية لأنها حروب تتم داخل دولة واحدة، حيث يحاول قسم من سكان هذه الدولة الاستقلال وإعادة ترسيم الحدود حول إقليم يصبح دولة جديدة .
والمجتمع الدولى يعتبر هذه النوعية من الصراعات شأنا داخليا، فالأعراف الدولية ـ بشكل عام ـ لا توافق على انفصال الأقاليم عن الدول . وعلى سبيل المثال، فعندما خاض شعب الشيشان منذ منتصف التسعينات حربا للاستقلال عن روسيا، اعترضت الحكومات الغربية على انتهاكات القوات الروسية لحقوق الانسان فى حربها ضد مقاتلى الشيشان ولكنها لم تكن معترضة على المبدا نفسه : مبدأ استخدام القوة فى مواجهة محاولة الانفصال .
وقد كان شائعا فى فترة من الفترات أن يتم نقل ملكية اقليم كامل بجرة قلم، ولكن هذا السلوك لم يعد مقبولا منذ خمسين عاما على الأقل. وقد حدثت محاولات لتغيير الحدود بالقوة ولكن اغلبها باء بالفشل. وعلى سبيل المثال، فقد استمرت الحرب العراقية الايرانية لأكثر من ثمانى سنوات، وراح ضحيتها ما يقرب من المليون قتيل من اجل بقعة صغيرة على الحدود بين البلدين ، هى شط العرب ، ادعى العراق أنها تخصه . وانتهت الحرب دون أن تتغير الحدود .
واليوم، تحاول غالبية الدول أن تحل هذا النوع من الخلافات الحدودية سلميا عن طريق التحكيم الدولي. وعلى سبيل المثال فقد ذهبت كل من سلفادور وهندوراسس إلى محكمة العدل الدولية لحل خلافات حدودية بينهما فى التسعينات . وكذلك فعلت كل من الارجنتين وشيلى اللتين كادتا أن تذهبا للحرب بسبب نزاع حدودى فى عام 1978، ثم قبلتا ـ فى التسعينات ـ بتحكيم هيئة من المحكمين من أمريكا اللاتينية قامت بإعطاء الأرض للأرجنتين .
والحقيقة أن اغلب الحدود الدولية اليوم متفق عليها ولا تثير أى نزاعات بين الدول، ولكن هذا لا يمنع أن الصراعات التى ما زالت قائمة حول الحدود ما زالت تشكل مصدرا أساسيا للصراع الدولى .
ومن الحدود التى ما زال متنازعا عليها إلى اليوم حدود دولة اسرائيل. وهذه الحدود كانت فى البداية عبارة عن حدود خط وقف اطلاق النار الذى اتفق عليه فى أعقاب حرب 1948. ثم اتسعت هذه الحدود فى أعقاب حرب 1967 باحتلال اسرائيل لشبه جزيرة سيناء فى مصر، والجولان فى سوريا والضفة الغربية وغزة. وعادت حدود اسرائيل لتتقلص ثانية بعد استعادة مصر لشبه جزيرة سيناء نتيجة لحرب 1973 وبمقتضى اتفاقية كامب ديفيد 1978. وفى عام 1982 قامت اسرائيل بغزو لبنان وبقى جنوبه محتلا إلى إن جلت عنه القوات الاسرائيلية فى عام 2000.
واليوم تعد مسألة الحدود من المسائل الأساسية فى الصراع العربى الاسرائيلي، فمازال الجولان السورى محتلا، والمفاوضات السورية الاسرائيلية لم تحرز أى تقدم حتى الآن. وقد سعى الاتفاق الفلسطينى الاسرائيلى (فى اوسلو1993) إلى ايجاد حل للقضية بإقامة حكم ذاتى فلسطينى فى غزة وأجزاء من الضفة الغربية، ولكن هذه الاتفاقات لم تسفر عن شيء حتى الآن .
من النزاعات الحدودية الأخرى فى العالم المعاصر : النزاع فى منطقة كشمير حيث تتقاطع حدود كل من الصين والهند وباكستان، فى الجمهوريات السوفيتية المستقلة هناك نزاع (ناجورنو كاراباخ) وهى منطقة تسكنها اغلبية ارمنية داخل حدود اذربيجان. وهناك بعض الخلافات بين اوكرانيا وروسيا حول منطقة شبه جزيرة القرم التى كان الرئيس السوفيتى نيكيتا خوروشوف قد اعطى جزءا منها لأوكرانيا كهدية عيد ميلاد فى الخمسينات عندما كانت كل من اوكرانيا وروسيا جزءا من الاتحاد السوفيتى السابق!
أما غالبية النزاعات الحدودية الأخرى فى العالم فهى نزاعات حول جزر لها اهميتها الاستراتيجية او تحتوى على موارد معدنية (مثل البترول)، أو تعطى حقوقا بالنسبة لصيد الأسماك .
ولكى نفهم مسألة الصراع حول الجزر لابد أن نضع فى اعتبارنا إن المياه التى تقع على بعد ثلاثة أميال من الشاطئ تعتبر تقليديا من المياه الاقليمية للدولة. فى حين تسمح اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بـ12 ميلا لإبحار، و200 ميل تعتبر ما يطلق عليه منطقة اقتصادية استثنائية تشمل الصيد والحقوق التعدينية. والمناطق الاقتصادية الاستثنائية تغطى مجتمعة نحو ثلث المحيطات، ولهذا السبب فإن السيطرة على جزيرة صغيرة يمكن أن تتيح للدولة السيطرة على 100 الف ميل مربع من المياه التى تحيط بالجزيرة فى هذا المحيط .
ومن اخطر الصراعات التى تدور حول السيطرة على جزر فى الوقت الحالى هو محاولــــة الصــــين السيطرة على جــــــــزر سبارتلى فى بحر الصين الجنوبي، وهذه الجزر اقرب لكل من فيتنام وماليزيا وبروناى والفلبين منها للصين. والخمس دول تدعى احقيتها فى السيطرة على هذه الجزر، إذ أن المياه المحيطة بها يحتمل احتواؤها على مصادر بترولية ذات أهمية .
وقد حدثت معركة بحرية محدودة بين الصين وفيتنام بسبب الخلاف حول جزر سبارتلي فى عام 1988، وفى عام 1992 اتفقت الدول على حل هذه المسالة بصورة سلمية .
ويعد الخلاف حول جزر كورييل من اكثر المواضيع حساسية فى العلاقات الروسية اليابانية، وكان الاتحاد السوفيتى قد قام باحتلال هذه الجزر فى عام 1945 .
وفى الشرق الأوسط هناك نزاعات حدودية كثيرة منها النزاع الحدودى بين اليمن والسعودية حول منطقة عسير التى خاضت البلدان حربا من اجلها فى عام 1934، وقد تم الاتفاق أخيرا على حل هذا النزاع ودياً، وهناك كذلك النزاع الحدودى بين قطر والبحرين وقد تقدمتا به إلى محكمة العدل الدولية. ولكن اخطر هذه النزاعات على الاطلاق هو الخلاف بين دولة الامارات العربية المتحدة وايران حول مجموعة جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسي التى تحتل موقعاً استراتيجيا فى مدخل الخليج العربي. وايران تحتل هذه الجزر فعليا فى حين تدعى الامارات أنها ـ تاريخيا ـ تعد جزءا من اقليمها .
المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN13.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,883
ساحة النقاش