مع إنتهاء الحرب الباردة، أصبحت الساحة الدولية مهيأة لنشوء توافق سياسى عام بين القوى الدولية الكبرى حيال مبدأ التدخل الإنسانى، بسبب إنهيار الاتحاد السوفيتى، وهو ما أتاح للولايات المتحدة السيطرة على مجلس الأمن لاستصدار قرارات تجاه القضايا والصراعات الدولية. وحتى فى الحالات التى تعذر فيها استصدار قرارات من مجلس الأمن، مثل حالة كوسوفو، فإن الولايات المتحدة وحلف الناتو بادرا بالتدخل عسكريا ، من دون غطاء قانونى دولى . ومن ناحية أخرى ، أكدت تطورات ما بعد الحرب الباردة على أهمية مبدأ التدخل الإنسانى، حيث تواصلت انتهاكات حقوق الإنسان فى أنحاء متفرقة من العالم ، وكانت بعض النظم الحاكمة أقسى على شعوبها من أى احتلال أجنبى، كما أن بعض الصراعات تفاقمت الى مستويات بالغة الوحشية، وهو ما أكد على أهمية حدوث تدخل خارجى لوقف القمع أو الصراعات الداخلية .
ومن ثم ، فإن تطور منظومة العلاقات الدولية فى فترة ما بعد الحرب الباردة انطوى على توسيع نطاق التدخل، بحيث باتت هناك عدة أشكال لهذا التدخل هى :
1 - التدخل العسكرى لمساعدة دولة حليفة أو صديقة بموجب معاهدة أو اتفاقية دفاعية مشتركة .
2 - التدخل لتلبية دعوة من طرف شرعى وطنى فى الدولة .
3 - التدخل لحماية أرواح وممتلكات دولة معينة إذا ما تعرضت للتهديد فى دولة أخرى .
4 - التدخل لاعتبارات إنسانية لحماية مواطنى دولة أو أقلية معينة تتعرض لانتهاكات حقوق الإنسان .
ولكن التطبيق العملى لهذا المبدأ شابته العديد من الاختلالات ، أبرزها استمرار غياب التوصيف الموضوعى الدقيق للمعايير التى يمكن وفقا لها اعتبار تطور ما (جريمة ضد الإنسانية( أو (إنتهاك لحقوق الإنسان والأقليات( ، بالاضافة الى الإنتقائية الشديدة فى تنفيذ مبدأ التدخل الإنسانى ، بحيث كان هذا التدخل فى جميع الحالات الماضية مرتبطا - ولو بمقادير متفاوتة - بالمصالح المباشرة للقوى الدولية المعنية . كما أن نطاق هذا التدخل لم يكن واضحا، بحيث تحولت قوات التدخل الدولية فى بعض الحالات الى طرف فى الصراع ، مما أدى الى تحويل هذا المبدأ الى حجة للتدخل فى الشئون الداخلية للدول التى تشهد صراعا داخليا أو تمردا من جانب أقليات معينة.
ومن ناحية أخرى ، تجاهلت القوى الدولية حالات أخرى شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والأقليات والشعوب، وكان التجاهل الدولى عائدا إما الى وجود مصالح قوية بين حكومات الدول التى تشهد انتهاكا لحقوق الإنسان والأقليات وبين حكومات الدول الكبرى، وبالذات الولايات المتحدة، أو الى خشية الولايات المتحدة بالذات من استثارة غضب الحكومات المتورطة فى الصراع. وقد برز هذا التناقض واضحا فى أن الولايات المتحدة تجاهلت الأمم المتحدة فى الكثير من الحالات، وبالذات فى حالة التدخل الأطلسى فى كوسوفو، وهو ما دعا الأمين العام للأمم المتحدة كوفى عنان الى التشديد على ضرورة وضع ضوابط متفق عليها سلفا لمعالجة الحالات التى تستدعى تدخلا انسانيا دوليا، بما فى ذلك ضرورة التعامل بسرعة مع تطورات الصراع فى بعض المناطق ، التى تشهد تدهورا سريعا لأوضاع حقوق الإنسان، مما يتطلب تسريع آلية اتخاذ القرارات داخل الأمم المتحدة وفق ضوابط محددة ومتفق عليها .
وفى ظل هذه التعقيدات، نشب جدل دولى بشأن مبدأ (التدخل الإنسانى( ، وتبلورت فى إطار هذا الجدل ثلاثة تيارات رئيسية، على النحو التالى :
1 - التيار الداعى الى توظيف مبدأ التدخل بوصفه أداة لخدمة مصالح القوى الكبرى، وبالذات الولايات المتحدة وبريطانيا، ويكون الاهتمام بالتدخل هنا مدفوعا فى الأساس بمصالح الدول الكبرى وقائمة الأولويات الخاصة بها .
2 - التيار الداعى الى الحفاظ على سيادة الدول المستقلة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، أيا كانت الحجج الكامنة وراء هذا التدخل . وهو موقف العديد من دول العالم الثالث، بحجة أن سيادة الدولة تعتبر أهم مبدأ فى التنظيم الدولى والعلاقات الدولية المعاصرة.
3 - التيار الداعى الى ترشيد مبدأ التدخل الإنسانى، بحيث يتم الاعتراف به وقبوله، ولكن مع وضع ضوابط وتدابير كفيلة بضمان موضوعية تطبيقه.
ومن ثم، فإن قضية التدخل الإنسانى تظل واحدة من القضايا الأكثر تعقيدا فى العلاقات الدولية المعاصرة، ومن الصعب الوصول الى اجابات متكاملة بشأنها، وهو ما دعا العديد من دول العالم الثالث، ومن بينها مصر، إلى المطالبة بإجراء حوار دولى موسع يتسم بالصراحة والوضوح حول قضايا السيادة والتدخل الإنسانى .
المصدر: أ. احمد منيسي - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN72.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,929
ساحة النقاش