رابعا : القانون الدولى الإنسانى :
القانون الدولى الإنسانى هو مجموعة من القواعد الرامية الى الحد من آثار النزاعات المسلحة لدوافع إنسانية. ويضمن هذا القانون الحماية للذين لا يشاركون فى القتال أو الذين توقفوا عن المشاركة فيه ، كما أنه يقيد حق اختيار الوسائل والأساليب المستعملة فى الحرب. والقانون الدولى الإنسانى يسمى أيضا قانون الحريات أو قانون النزاعات المسلحة .
والقانون الدولى الإنسانى هو جزء من القانون الدولى الذى ينظم العلاقات فيما بين الدول من خلال اتفاقات أبرمتها هذه الدول، وهو نابع من مبادئ وممارسات عامة تقبلها الدول كالتزامات قانونية.
أما أصل القانون الدولى الإنسانى فيعود الى قوانين وقواعد تستمد جذورها من ديانات وثقافات العالم بأسره . ولم يبدأ تطوره المعاصر سوى فى الستينات من القرن التاسع عشر. ومع اتساع رقعة المجتمع الدولى زاد عدد دول العالم التى ساهمت فى تطوير القانون الدولى الإنسانى الذى يمكن اعتباره - بحق اليوم - نظام قانون عالمى .
وقد ورد جزء كبير من القانون الدولى الإنسانى فى اتفاقيات جنيف الأربع المبرمة عام 1949، وهى التى وافقت جميع دول العالم تقريبا على الالتزام بها . ولتطوير هذه الاتفاقيات وتكميلها وقع اتفاقان آخران فى 1977 هما البروتوكولان الإضافيان إليها .
وهناك كذلك اتفاقات عديدة تحظر استخدام أسلحة تقليدية وخططا عسكرية معينة، مثل اتفاقيات لاهاى لعام 1907 واتفاقية عام 1972 بشأن الأسلحة البكتريولوجية واتفاقية عام 1980 الخاصة بالأسلحة التقليدية واتفاقية 1993 المتعلقة بالأسلحة الكيمياوية. وهناك أيضا اتفاقية لاهاى لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات.
وقد أصبح كثير من قواعد القانون الدولى الإنسانى مقبولا اليوم كقانون عرفى ، أى كقواعد عامة تسرى على كافة الدول .
ويشمل القانون الدولى الإنسانى نطاقين:
أولهما: الحماية لمن لا يشارك فى القتال أو لمن توقف عن المشاركة فيه.
ثانيهما: تقييد اختيار وسائل القتال وخاصة منها الأسلحة وأساليب القتال كالخطط العسكرية .
والقانون الدولى الإنسانى يحمى أولئك الذين لا يشاركون فى القتال كالمدنيين وأفراد الخدمات الطبية والدينية. كذلك يحمى الأشخاص الذين كفوا عن القتال كالجرحى أو المنكوبين فى البحار أو المرضى أو الأسرى .
وينبغى عدم مهاجمة الأشخاص المحميين، كما يجب عدم الاعتداء عليهم جسديا أو معاملتهم معاملة مهينة. أما الجرحى والمرضى فيجب تجميعهم والعناية بهم. وتنطبق قواعد مفصلة على الأسرى والمحتجزين، تشمل توفير الغذاء والملجأ الملائمين لهم، علاوة على الضمانات القانونية.
كذلك هناك بعض الأماكن والأعيان المحمية التى لا يجوز مهاجمتها ، ومنها المستشفيات وسيارات الإسعاف . ويعدد القانون الدولى الإنسانى مجموعة من الشارات التى يمكن التعرف عليها بوضوح وإشارات تستخدم لتحديد هوية الأشخاص المحميين والأماكن المحمية .
وتشمل هذه الشارات شارتى الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
ويحظر القانون الدولى الإنسانى جميع وسائل وأساليب الحرب التى لا تميز بين الأشخاص الذين يشاركون فى القتال والذين لا يشاركون فيه ، كالمدنيين مثلا .
وقد حرم القانون الدولى الإنسانى استخدام العديد من الأسلحة منها الرصاص المتمدد فى الجسم والأسلحة الكيميائية والبيولوجية وأسلحة الليزر المسببة للعمى .
ويطبق القانون الدولى الإنسانى فقط على النزاعات المسلحة ولا يشمل الاضطرابات الداخلية كأعمال العنف المنفردة، كما أنه لا ينظم حق أى دولة فى استخدام أو عدم استخدام القوة فعلا. واستخدام القوة ينظمه جزء من القانون الدولى، ورد فى ميثاق الأمم المتحدة . والقانون الدولى الإنسانى لا يطبق سوى عند نشوب نزاع ويسرى على جميع الأطراف بصرف النظر عمن بدأ القتال .
ويميز القانون الدولى الإنسانى بين النزاعات المسلحة الدولية والنزاعات المسلحة الداخلية . والنزاعات المسلحة الدولية هى تلك التى تشارك فيها دولتان على الأقل . وتنطبق على هذه النزاعات مجموعة موسعة من القواعد التى تشمل تلك الأحكام الواردة فى اتفاقيات جنيف والبرتوكول الأول الاضافى إليها، فى حين ينطبق عدد محدود من القواعد على النزاعات المسلحة الداخلية ، وخاصة منها الأحكام التى وردت فى المادة 3 من كل اتفاقية من الاتفاقيات الأربع وكذلك الأحكام المتضمنة فى البروتوكول الإضافى، والامتثال لمبادئ القانون الدولى الإنسانى سواء فى النزاعات المسلحة الدولية أو الداخلية .
ومن المهم التمييز بين القانون الدولى الإنسانى وقانون حقوق الإنسان. وعلى الرغم من أوجه التشابه بين بعض قواعد هذين القانونين إلا أنهما تطورا منفصلين عن بعضهما البعض ووردا فى معاهدات مختلفة. فقانون حقوق الإنسان بالخصوص، يطبق، خلافا للقانون الدولى الإنسانى، فى وقت السلم ولكن العديد من أحكامه يمكن تعليقها أثناء نزاع مسلح.
ولكن هل للقانون الدولى الإنسانى أثر فعلا ؟ المشكلة هى أن هناك حالات كثيرة لإنتهاك القانون الدولى الإنسانى أثناء النزاعات التى تدور فى أرجاء العالم. وضحايا الحرب هم من المدنيين بشكل مطرد. ولما كان هذا القانون يطبق فى أوقات الصدامات الكبرى فإن تطبيقه سيواجه دائما صعوبات جمة . ويبقى تطبيقه الفعال أمرا ملحا أكثر من أى وقت مضى.
وقد اتخذت تدابير عديدة لتشجيع احترام القانون الدولى الإنسانى ، فالدول مضطرة الى تعريف قواتها المسلحة والجمهور العام بقواعد القانون الدولى الإنسانى . وعليها أن تمنع وقوع انتهاكات القانون الدولى الإنسانى وأن تعاقب مرتكبيها عند الضرورة. ومن واجبها على الأخص وضع قوانين لمعاقبة الانتهاكات الجسيمة التى تنال من اتفاقيات جنيف والبرتوكولين المكملين لها والتى تعد جرائم حرب.
ويثير الحديث عن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بشكل عام والقانون الدولى الإنسانى بشكل خاص قضية التدخل الدولى لحماية حقوق الإنسان، وهى القضية التى استحوذت على قدر كبير من الاهتمام فى ظل النظام العالمى الجديد. ورغم أن التحليلات السياسية قد درجت على النظر الى الاهتمام الواسع بمبدأ التدخل الإنسانى لحماية حقوق الإنسان باعتباره تطورا جديدا على الساحة الدولية فى فترة ما بعد الحرب الباردة، إلا أن جذور هذا المبدأ فى الحقيقة تعود الى أواخر الأربعينيات ، حيث دخل مفهوم (الجرائم ضد الإنسانية( الى القانون الدولى العام عقب محاكمات نورمبرج ، التى حاكمت قادة النازية فى ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية. وبموجب هذا المفهوم ، أصبحت مسألة التدخل لحماية حقوق الإنسان والأقليات جزءا من القانون الدولى، وتم ادراجها فعليا من خلال (ميثاق مناهضة جرائم الإبادة الجماعية( لعام 1948 ، (وميثاق جنيف الخاص بقوانين الحرب( لعام 1949، لكن المتغيرات الدولية فى فترة الحرب الباردة حالت دون تطبيق هذه المبادئ والقواعد القانونية.
المصدر: أ. احمد منيسي - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN72.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,943
ساحة النقاش