ثانيا : الجامعة العربية وحقوق الإنسان :
جاء ميثاق الجامعة العربية التى تأسست فى العام الأخير من الحرب العالمية الثانية (مارس 1945( وقبيل تأسيس الأمم المتحدة، خاليا من أى ذكر لحقوق الإنسان وحرياته.
وفى إطار الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة لوضع قضايا حقوق الإنسان فى دائرة اهتمام الحكومات والتجمعات الإقليمية المختلفة، وجعلها عام 1968 عاما دوليا لحقوق الإنسان، قرر مجلس الجامعة الإعداد لعقد أول مؤتمر عربي إقليمي لحقوق الإنسان فى بيروت فى ديسمبر من العام نفسه، لكن هذا المؤتمر قصر اهتمامه بالدرجة الأولى على فضح الانتهاكات التي تمارسها اسرائيل داخل الأراضي المحتلة.
وقد سبق هذا المؤتمر بثلاثة أشهر صدور قرار من مجلس الجامعة - التي لم يتضمن ميثاق تأسيسها أي نص حول حقوق الإنسان - يقضي بتشكيل لجنة إقليمية دائمة لحقوق الإنسان، وذلك استجابة لمذكرة بعثت بها الأمانة العامة للأمم المتحدة 1967 تتضمن اقتراحا بذلك. وقد نص القرار على أن تنشأ اللجنة فى نطاق اللجان الدائمة المنصوص عليها فى المادة الرابعة من ميثاق الجامعة. ومن ثم فإن دورها اقتصر على اصدار توصيات تعرض على مجلس الجامعة. وقد بدا واضحا أن دور هذه اللجنة السياسي والإعلامي لا يتعدى فضح الانتهاكات الإسرائيلية فى الأراضي المحتلة، بينما ينحصر دورها الثقافى فى دراسة أوضاع حقوق الإنسان العربي وإيجاد حلول لها. وعلى الرغم من أن مهام اللجنة تتضمن تلقي تقارير من الدول العربية حول حقوق الإنسان فيها، إلا أن استعراض جوانب عملها لا يظهر أن اللجنة قد قامت بهذه المهمة حتى فى حدودها الدنيا.
وإذا كان بدء اهتمام الجامعة العربية بحقوق الإنسان قد جاء بمبادرة من خارجها -الأمم المتحدة- فإن جهودها فى صياغة مشروع ميثاق إقليمي لحقوق الإنسان جاءت بدورها بمبادرات من خارجها أيضا.
وقد جاءت المبادرة الأولى من جمعية حقوق الإنسان بالعراق التي تقدمت باقتراح إلى اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان فى عام 1970 بالعمل على إصدار إعلان عربي لحقوق الإنسان تمهيدا لاقرار اتفاقية عربية فى هذا الشأن وتشكيل محكمة عدل عربية. وقد استجابت اللجنة لهذا الاقتراح وشكلت فريقا من الخبراء لإعداده وصدر فى العام التالي بإسم إعلان حقوق المواطن فى البلاد العربية ولكن مواده لم ترتب أية التزامات على الدول العربية التي توافق عليه. وكما أن المادة الأخيرة منه تقوض كل ما يتضمنه الإعلان من حقوق بما تجيزه للحكومات من حق فى التنصل من هذه الحقوق دون استثناء - بما فى ذلك الحق فى الحياة - فى حالات الطوارئ العامة. ولم يلق هذا الإعلان اهتماما يذكر من أكثر من نصف الحكومات العربية، فى حين أبدت تسع دول فقط اهتماما بإبداء رأيها فى المشروع والذي تراوح ما بين التأييد دون تحفظ، والمطالبة بإدخال التعديلات عليه، والرفض الكامل شكلا وموضوعا، وانتهى المشروع إلى الحفظ بأرشيف الجامعة.
أما المبادرة الثانية فقد جاءت من اتحاد الحقوقيين العرب الذي عقد ندوة فى بغداد عام 1979 حول حقوق الإنسان فى الوطن العربي تمخضت عن إصدار مشروع اتفاقية عربية لحقوق الإنسان وعدد من القرارات التي دعت الجامعة العربية إلى تنشيط دور لجنتها الدائمة لحقوق الإنسان. وقد دفع ذلك الأمانة العامة للجامعة إلى تكليف بعض الخبراء العرب بوضع ميثاق عربي لحقوق الإنسان أعلن فى مارس 1983 وأحيل إلى الحكومات العربية لإبداء الرأي فيه، وظل محلا للتعديل وتأجيل الإقرار حتى اعتمد فى سبتمبر 1994 من مجلس الجامعة العربية.
ثالثا : الميثاق العربي لحقوق الإنسان :
يعتبر الميثاق العربي لحقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من انجازات الجامعة العربية، حيث تم إعداده وإقراره من جانب الجامعة، وهو يعد الوثيقة الأكثر أهمية لحقوق الإنسان فى العالم العربي.
وقد اعتمد هذا الميثاق من قبل مجلس الجامعة العربية فى سبتمبر 1994، وذلك بعد مرور أكثر من 23 عاما على أول مشروع للميثاق فى يوليو 1971، أي أنه كانت هناك فترة طويلة بين إعداد الميثاق والتصديق عليه.
وكان الميثاق الذي وصل إلى مرحلة الصياغة النهائية قبل حوالى عامين على اقراره هدفا لتحفظات سبعة بلدان عربية، ولم تغير أي منها تحفظاتها عندما جرى إقراره. ومع ذلك فقد تضمن الميثاق الإقرار بنمط من الحقوق تستنكره، أن لم تكن تجرمه، معظم البلدان العربية مثل الحق فى الإضراب.
ولكن أحاط اعتماد هذا الميثاق بالصمت، حيث لم يكد يشعر بهذا التطور إلا القليلون من بين المتخصصين، وليس الرأي العام العربي.
يقع الميثاق فى ديباجة وأربعة أقسام، وتتوزع أحكامه على 43 مادة. وتؤسس الديباجة منطلقات الميثاق ومرجعيته. فتؤكد انطلاقه من إيمان الأمة العربية بكرامة الإنسان منذ أن أعزها الله بان جعل الوطن العربي مهداً للديانات وموطناً للحضارات التي أكدت حقه فى حياة كريمة على أسس من الحرية والعدل والسلام ونوهت بمبادئ الشريعة الإسلامية والديانات السماوية الأخرى فى الأخوة والمساواة بين البشر، كما نوهت بالوحدة والحرية وحق الأمم فى تقرير مصيرها والحفاظ على ثرواتها والإيمان بسيادة القانون والتمتع بالحرية والعدالة وتكافؤ الفرص كمعايير للأصالة فى أي مجتمع. وأعربت عن رفض العنصرية والصهيونية اللتين تشكلان انتهاكا لحقوق الإنسان وتهديدا للسلام العالمي، وأكدت على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأحكام العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإعلان القاهرة حول حقوق الإنسان فى الإسلام.
ويتضمن القسم الأول مادة واحدة تؤكد على حق كافة الشعوب فى تقرير مصيرها والسيطرة على ثرواتها ومواردها الطبيعية، وأن تختار بحرية نمط كيانها السياسي وتنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما يؤكد - مرة أخرى - دور العنصرية والصهيونية والاحتلال كتحد للكرامة الإنسانية، وكعائق أساسي يحول دون إعمال الحقوق الأساسية للشعوب ووجوب إدانة جميع ممارساتها والعمل على إزالتها.
أما القسم الثاني، فيضم 38 مادة تتضمن مجموعة الحقوق والحريات الأساسية. وتشمل الحقوق الأساسية (المواد 2،3،4( حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة فى الميثاق دون تمييز بسبب العنصر أو اللون .. الخ ودون تفرقة بين الرجال والنساء، وعدم جواز تقييد أي من الحقوق الأساسية المقررة أو القائمة فى أية دولة طرف فى الميثاق استنادا إلى عدم إقرار الميثاق لهذه الحقوق، أو إقرارها بدرجة أقل، وعدم جواز فرض قيود على الحقوق والحريات المكفولة بموجب الميثاق سوى ما ينص عليه القانون ويعتبر ضروريا لحماية الأمن والاقتصاد الوطنيين أو النظام العام أو الصحة العامة، أو الأخلاق، أو حقوق وحريات الآخرين.
وبينما أجاز الميثاق للدول الأطراف فى أوقات الطوارئ التي تهدد حياة الأمة أن تتخذ من الإجراءات ما يحلها من التزاماتها طبقا لهذا الميثاق إلى المدى الضروري الذي تقتضيه بدقة متطلبات الوضع، فقد استثنى حصرا خمس مجالات لا يجوز فيها التحلل من أحكام الميثاق وهي التعذيب والإهانة، والعودة إلى الوطن، واللجوء السياسي، والمحاكمة وعدم جواز تكرارها عن ذات الفعل، وشرعية الجرائم والعقوبات.
كما يشمل القسم الثاني كذلك إقرار الحق فى الحياة، وتأكيد مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، وبراءة المتهم حتى تثبت إدانته، والحق فى الحرية والسلامة الشخصية، وتساوي الناس أمام القضاء، وكفالة حق التقاضي، وعدم فرض عقوبة الإعدام إلا فى الجنايات البالغة الخطورة، وعدم جواز الحكم بعقوبة الإعدام فى جريمة سياسية، وحماية الدولة لكل إنسان مقيم على أرضها من التعذيب البدني والنفسي واعتبار هذه التصرفات أو الإسهام فيها جريمة يعاقب عليها، ووجوب معاملة المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية معاملة انسانية، وتجريم المساس بحرمة الحياة الخاصة بما فى ذلك خصوصيات الأسرة والمسكن وسرية المراسلات وغيرها، واعتبار الشخصية القانونية صفة ملازمة لكل انسان، والحق فى حرية التنقل، وعدم جواز نفى اللاجئين السياسيين، وعدم جواز إسقاط الجنسية بشكل تعسفي، وكفالة حق الملكية الخاصة، وحظر تجريد المواطن من أمواله بصورة تعسفية. ويتضمن القسم الثاني كذلك مجموعة الحريات الأساسية، فأقر حرية العقيدة واعتبر حرية الفكر والرأي مكفولة لكل فرد، وكفل للأفراد من كل دين حق ممارسة شعائرهم الدينية والتعبير عن أفكارهم والرأي إلا بما نص عليه القانون، وأقر بحرية الاجتماع والتجمع السلمي وألا يفرض من القيود على ممارستها إلا ما تستوجبه دواعي الأمن القومي أو السلامة العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم، كذلك كفل الميثاق الحق فى تشكيل النقابات والحق فى الإضراب فى الحدود التي ينظمها القانون، وأكد كفالة الدولة للحق فى العمل لكل مواطن، وتكافؤ الفرص فى العمل والحق فى شغل الوظائف العامة. كما اعتبر محو الأمية التزاما واجبا والتعليم الابتدائي الزاميا كحد أدنى وبالمجان، وكفل للمواطنين الحق فى الحياة فى مناخ فكري وثقافى يعتز بالقومية العربية ويقدس حقوق الانسان وحق المشاركة فى الحياة الثقافية. كما أكد على عدم جواز حرمان الأقليات من التمتع بثقافتها أو إتباع تعاليم دياناتها ورعاية الدولة للأسرة والأمومة والطفولة والشيخوخة رعاية متميزة وكفالة حماية خاصة لها.
أما القسم الثالث فيضم مادتين اثنتين (40، 41( تتعلقان بتشكيل لجنة خبراء من سبعة أعضاء ينتخبون من بين مرشحين ترشحهم الدول الأعضاء أطراف الميثاق من ذوي الخبرة والكفاءة العالية فى مجال عمل اللجنة، ويعملون بصفتهم الشخصية، وتقوم الدول الأطراف بتقديم تقارير دورية كل ثلاث سنوات إلى اللجنة وأخرى تتضمن استفسارات من اللجنة، وتدرس اللجنة هذه التقارير، وترفع تقريرا بآراء الدول وملاحظاتها إلى اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان فى الجامعة العربية.

المصدر: أ. احمد منيسي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN73.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 145 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

271,451