أما القسم الرابع والأخير، فيتضمن مادتين اجرائيتين تتعلقان بأن يعرض الأمين العام للجامعة العربية الميثاق على الدول الأطراف للتوقيع والتصديق أو الانضمام، وسريان الاتفاق بعد شهرين من تاريخ ايداع وثيقة التصديق أو الانضمام السابعة لدى الأمانة العامة للجامعة العربية.
وبالرغم من أهمية ما تضمنه هذا الميثاق إلا أنه لا يرقى إلى المعايير الدولية، المتضمنة فى العهدين الدوليين، ويتجاهل الحق فى التنظيم السياسى وحق المشاركة فى إدارة الشئون العامة. كما افتقد الميثاق آليات تكفل تنفيذ إحكامه، وخاصة أن لجنة خبراء حقوق الإنسان التى يقضى بتشكيلها بدت معدومة الاختصاصات. كما أن التقارير المفترض تقديمها من الحكومات - وفق هذا الميثاق - افتقرت إلى التحديد.
ولا يرقى هذا الميثاق أيضا إلى مشروع حقوق الإنسان والشعب فى الوطن العربى الذى جرى إعداده عام 1986 بمبادرة من المعهد الدولى للعلوم الجنائية بإيطاليا الذى وجه الدعوة لعدد من رجال الفكر والقانون فى تسع دول عربية لمؤتمر خاص عقد بمدينة سيركوزا متسقا مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وأنطلق من موقف ديمقراطى عميق انعكس فى النص على حق تكوين الأحزاب والنقابات وحق الاضراب ولم يكتف بحظر التعذيب، بل اعتبره جريمة لا تسقط بالتقادم، كما فرض قيودا على لجوء الحكومات لحالة الطوارىء وتبنى موقفا اجتماعيا متقدما ينص على حق الإنسان فى بيئة خالية من التلوث جنبا إلى جنب مع الحق فى الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية والضمان الاجتماعى والغذاء والكساء والمسكن والتعليم المجانى. كما حدد اجراءات وآليات واضحة لضمان حماية حقوق الإنسان ترتكز على انشاء لجنة عربية لحقوق الإنسان ومحكمة عربية لحقوق الإنسان.
وقد أثار اعتماد مجلس الجامعة العربية للميثاق العربى لحقوق الإنسان جدالا فى أوساط حقوق الإنسان. فقد رأى البعض إنه يمكن أن يجذب البلدان العربية للتقيد بالتزامات فى وسعها أن تقبلها حتى وإن كانت متواضعة وأقل من المعايير الدولية، فيما رأى البعض الآخر انه ينبغى القبول بأقل مما التزمت به معظم الدول العربية التى أنضمت للشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وأن الحركة العربية لحقوق الإنسان مطالبة بالتشديد على التزام الحكومات العربية بالمعايير الدولية حتى ولو لم تنضم اليها وذلك بحكم ما اكتسبته هذه المعايير من صفة العالمية والشمول وعدم القابلية للتجزئة.

رابعا : الحركة العربية لحقوق الإنسان :
يقصد بالحركة العربية لحقوق الإنسان الهيئات والمنظمات العربية التى تهتم بقضية حقوق الإنسان.
وقد اقترنت نشأة هذه الحركة ببدء الاهتمام بقضية حقوق الإنسان سواء على مستوى الحكومات العربية وجامعة الدول العربية أو على المستوى الشعبى فى عقد السبعينات.
وربما يجد ذلك تفسيره فى عدد من الاعتبارات :
الأول: أن الأمم المتحدة كانت قد بدأت فى تكثيف جهودها من أجل حث الحكومات على الانضمام إلى العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللذين اعتمدا من قبل الأمم المتحدة وطرحا للتصديق من قبل الحكومات عام 1996. ومن ثم فقد عرفت هذه الفترة جهودا دولية استهدفت وضع قضايا حقوق الإنسان فى دائرة اهتمام الحكومات والتجمعات الإقليمية المختلفة ومن بينها جامعة الدول العربية.
الثانى: انه بدخول العهدين الدوليين حيز النفاذ عام 1976، تحولت قضية حقوق الإنسان لتصبح شأنا عالميا اكتسبت فى إطاره القواعد الأساسية لحقوق الإنسان مرتبة أسمى وأعلى من الدساتير والتشريعات الوطنية. وأخذت دعاوى الحكومات بأن حقوق الإنسان من صميم سيادتها الداخلية فى التراجع، حيث باتت هذه السيادة مقيدة باحترام أحكام المواثيق الدولية.
الثالث: أن فترة السبعينات شهدت بداية إدراك داخل المجتمعات العربية لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، بعد هزيمة 1967.
وقد وجد تداخل هذه الاعتبارات تعبيره فى بدء التحرك داخل الجامعة العربية نحو صياغة مشروع ميثاق عربى لحقوق الإنسان كما سبقت الإشارة. وانعكس الاهتمام الحكومى على المستوى العربى، فى بدء الموافقة على العهدين الدوليين عام 1969 من قبل تونس وسوريا، ثم ليبيا عام 1970 والعراق عام 1971، ثم توالى تصديق عديد من الدول على العهدين.
وفى هذا السياق أخذت الحركة العربية لحقوق الإنسان فى التنامى على المستويين الحكومى والأهلى، وذلك على النحو التالى :
1 - على المستوى الحكومى :
اتجهت بعض الحكومات العربية فى نهاية الثمانينات وأوائل التسعينات إلى استحداث أطر حكومية معنية بحقوق الإنسان فى مواجهة نمو الحركة المستقلة لحقوق الإنسان داخل بلدانها من جانب، وتفادى الانتقادات التى يتعرض لها سجلها فى حقوق الإنسان على المستوى الدولى من جانب آخر.
وقد كان العراق صاحب المبادرة الأولى فى هذا المجال حيث تم إنشاء جمعية لحقوق الإنسان فى العراق عام 1970.
وفى مصر، تشكلت عام 1975 الجمعية المصرية لحقوق الإنسان من عناصر معروفة بقربها الشديد من الرئيس الراحل أنور السادات.
وفى تونس، ومع تأزم العلاقة بين السلطات فى نهاية عهد الرئيس السابق بورقيبه والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (وهى منظمة مستقلة غير حكومية( عمدت السلطات إلى تشجيع انشاء منظمة أخرى فى مايو 1987 عرفت بإسم الجمعية التونسية لحقوق الإنسان والحريات العامة.
وفى الجماهيرية الليبية سمحت السلطات بإنشاء ما يسمى باللجنة الليبية لحقوق الإنسان يقتصر دورها على الرد على ما تثيره المعارضة الليبية فى الخارج من انتقادات ازاء انتهاكات حقوق الإنسان المتصلة باغتيال المعارضين فى الخارج والاختطاف والاختفاء القسرى، كما استحدثت السلطات تقليدا جديدا لإظهار اهتمامها بقضايا حقوق الإنسان، من خلال جائزة القذافى لحقوق الإنسان التى يجرى تقديمها سنويا فى احتفال كبير يجرى تنظيمه مع لجنة عالمية قريبة من النظام الليبى تعرف بإسم لجنة جنوب/ شمال. وقد منحت هذه الجائزة فى أعوام سابقة إلى نيلسون مانديلا، وشعب الهنود الحمر، وأطفال الحجارة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
وفى السودان قامت السلطات بحل الرابطة السودانية لحقوق الإنسان فى إطار الحظر الذى فرضته حكومة الانقاذ الوطنى منذ توليها السلطة عام 1989 على كافة الأحزاب والجمعيات عدا الدينية منها. وقد استبدلت بالرابطة منظمة أخرى تابعة للحكومة وحملت نفس إسمها.
وفضلا عن هذه المنظمات الحكومية وشبه الحكومية، فقد اتجهت بعض الحكومات العربية إلى انشاء ادارات خاصة بحقوق الإنسان فى بعض وزاراتها واستحداث منصب وزير خاص بحقوق الإنسان، كما اتجه بعضها وخاصة فى بلدان المغرب إلى تشكيل هيئات ومجالس حكومية مختصة بشئون حقوق الإنسان.
وقد تمثلت مظاهر هذا الاتجاه فى المغرب بصدور مرسوم ملكى بإنشاء المجلس الاستشارى لحقوق الإنسان فى أبريل 1990، وتعيين وزير مكلف بحقوق الإنسان. وفى تونس استحدثت السلطات فى يناير 1991 لجنة استشارية لدى رئيس الجمهورية فى المسائل المتصلة بحقوق الإنسان عرفت بإسم الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الاسلامية، كما عين رئيس الجمهورية مستشارا أول لديه مكلفا بحقوق الإنسان، وعهد اليه مهمة متابعة سياسة الدولة فى مجال حماية حقوق الإنسان. وفى الجزائر أنشأت السلطات مكتبا خاصاً لحقوق الإنسان بالإدارة المركزية لوزارة العدل، كما استحدثت منصب وزير لحقوق الإنسان فى يونيو 1991 لكنه ألغى فى يوليو 1992 بعد إنشاء هيئة حكومية مختصة بحقوق الإنسان عرفت بإسم المرصد الوطنى لحقوق الإنسان.
وفى مصر تم أنشاء إدارة خاصة بحقوق الإنسان بوزارة الخارجية ومكتب خاص لدى النائب العام للتحقيق فى الشكاوى التى يتلقاها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان. وقامت سلطنة عمان بتعيين مستشار خاص لحقوق الإنسان.
2 - على المستوى الأهلى :
داخل هذا الإطار تأتى العديد من المؤسسات ذات الطابع الوطنى أو الإقليمى.
أ - إتحاد المحامين العرب. فرغم أنه منظمة مهنية، الا أنه بحكم طبيعة هذه المهنة يعد من أنشط الاتحادات المهنية الإقليمية العربية العاملة فى مجال حقوق الإنسان.
ب - إتحاد الحقوقيين العرب الذى تأسس كمنظمة غير حكومية عام 1976 واتخد من بغداد مقرا له. وهو معنى بحكم نشاطه المهنى بقضايا حقوق الإنسان ذات الصلة الوثيقة برسالته العامة فى تدعيم سيادة القانون.
ج - الاتحاد العام للصحفيين العرب الذى تأسس عام 1964 وينص نظامه الأساسى على دور الصحفيين العرب فى الدفاع عن حرية الصحافة والصحفيين والتضامن ضد كل اضطهاد لهذه الحرية.
د - الهيئات ذات الاهتمام المتخصص بنوعية معينة من قضايا حقوق الإنسان حيث توجد هيئات مختصة بالدفاع عن قضايا المرأة من بينها مؤتمر تضامن المرأة العربية، وأخرى برعاية الطفولة ومن بينها مجلس الطفولة العربى.
هـ - المنظمات والروابط المهنية المعنية بالقانون وحريات التعبير وفى مقدمتها نقابات المحامين والصحفيين وروابط وهيئات الكتاب.
على أنه يمكن القول أن الساحة العربية لم تعرف ميلاد منظمات غير حكومية للدفاع عن حقوق الإنسان، وتعمل بصورة مستقلة عن الحكومة وتضع بصورة أو بأخرى مبادىء حقوق الإنسان المستقر عليها كإطار مرجعى فى عملها إلا فى بداية السبعينات.
ويمكن القول أن بلدان المغرب العربى كانت صاحبة السبق فى هذا المجال بحكم ارتباط هذه الدول بالثقافة البحر متوسطية، حيث تشكلت العصبة المغربية لحقوق الإنسان بالمملكة المغربية عام 1972، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عام 1977. كما تأسست بالمغرب ايضا عام 1979 الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لكنها لم تحظ بالاعتراف الا بعد نحو تسع سنوات من تأسيسها.
وقد جاءت الثمانينات لتشهد انطلاقة أكبر نسبيا لحركة حقوق الإنسان العربية بميلاد المنظمة العربية لحقوق الإنسان، واتجاه بعض الحكومات العربية إلى اعادة صياغة نظامها السياسى بصورة أكثر أنفتاحا. وتعود فكرة إنشاء المنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى عام 1971 عندما تبنت جمعية حقوق الإنسان بالعراق الدعوة لإنشاء اتحاد عربى للجمعيات القطرية لحقوق الإنسان. وقام اتحاد المحامين العرب بتطوير الاقتراح عام 1973 فى اتجاه إنشاء منظمة عربية لحقوق الإنسان تنشىء فروعا لها داخل الدول العربية. وتشكلت لجنة تحضيرية لهذا الغرض قامت بإعداد النظام الأساسى والداخلى للمنظمة المقترحة ودعت إلى عقد الاجتماع التأسيسى للمنظمة فى بيروت فى فبراير 1974. لكن المشروع تجمد عند هذه الحدود، حيث أفضت الخلافات حول الشكل المقترح للمنظمة وأساليب عملها إلى عدم عقد الاجتماع.
وقد أعيد طرح المشروع مرة أخرى من خلال نخبة من المثقفين العرب الذين اجتمعوا فى تونس فى أبريل 1983 لبحث أزمة الديمقراطية فى الوطن العربى وخلصوا إلى أن الخروج من الأزمة لن يتأتى إلا بتأكيد احترام حقوق الإنسان العربى ووجهوا الدعوة لعقد مؤتمر تأسيسى لإنشاء المنظمة. وقد عقد المؤتمر فى ديسمبر 1983 بليمسلول فى قبرص بعد تعذر اقامته بأية دولة عربية.
وقد كان انشاء المنظمة العربية لحقوق الإنسان حافزا على انشاء منظمات أو روابط أو مجموعات قطرية كفروع لها. فأصبح للمنظمة فروع خارجية تنشط فى أوساط العرب المقيمين فى فرنسا وبريطانيا والنمسا وألمانيا وكندا وتضم فروعها أو روابطها المؤسسية فى الداخل مثل المنظمة المصرية لحقوق الإنسان التى تأسست فى بدايتها كفرع للمنظمة العربية عام 1985، والمنظمة السودانية لحقوق الإنسان التى تأسست عام 1985 وحظر نشاطها عام 1989 واضطرت للعمل من الخارج حيث بات مقرها الرئيسى فى العاصمة البريطانية واتخذت من القاهرة مكتبا فرعيا لها، والجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان التى تأسست كفرع للمنظمة العربية عام 1985 وحظيت بالصفة القانونية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان التى تأسست فى أبريل 1987، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان التى تأسست فى ديسمبر 1988، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان/ فرع الأردن التى تأسست فى مارس 1990، والمنظمة اليمنية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية التى تأسست عام 1992. ووفقا للنظام الأساسى للمنظمة العربية فإنها تسترشد فى عملها بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وتدافع عن كافة الأفراد الذين تنتهك حقوقهم وتعمل على تعميق وعى المواطن العربى بحقوقه المشروعة وتوثيق روابط التعاون والتنسيق مع المنظمات والهيئات العاملة فى نفس المجال.
وتصدر المنظمة تقريرا سنويا يحظى باهتمام الأوساط المعنية بحقوق الإنسان باعتباره يشكل مرجعا أساسيا إن لم يكن وحيدا للمهتمين بدراسة أوضاع حقوق الإنسان فى كافة البلدان العربية.
وقد عملت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، بالتعاون مع اتحاد المحامين العرب والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، على تكوين المعهد العربى لحقوق الإنسان الذى تأسس عام 1989 واتخذ من العاصمة التونسية مقرا له.

المصدر: أ. احمد منيسي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN73.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 419 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,942