لا توجد خلافات ذات أهمية حول تحديد المقصود بمصطلح القوة (Power)، فمعظم التعريفات تقرر باختصار شديد، أن القوة هى القدرة على التأثير فى سلوك الآخرين ، أو القدرة على التحكم فى سلوك الآخرين ، لكن لأن مثل هذه التعريفات لا تؤكد سوى أن محور مفهوم القوة هو التأثير ، فإن بعض محللى العلاقات الدولية قد قدموا تعريفات تحاول أن تحدد بشكل أكثر وضوحا ماهية القوة ، كالإشارة الى أنها علاقة بين دولتين ، تسمح (أى العلاقة) بقيام حكومة إحداهما بحمل حكومة الدولة الأخرى على أن تتبع سلوكاً معينا ، لم تقم تلك الحكومة (الثانية) باختياره بمحض إرادتها ، كأن تجعلها تقدم على القيام بأعمال لا ترغب فى القيام بها، أو تمنعها من القيام بأفعال ترغب فى القيام بها . وبصورة رمزية ، فإن القوة هى قدرة (أ) على دفع (ب) لأن يفعل (س) ، أو لا يفعل (ص) .
وتتمثل إحدى مشكلات هذا التعريف فى أن من الصعب ـ فى معظم الحالات ـ أن يتم التأكد من احتمالات قيام الطرف الثانى بالفعل (س) أو عدم قيامه بالفعل (ص) ، إذا لم تكن تأثيرات قوة الطرف الأول قائمة ، فلا يمكن التأكد من أن كل قائد سيارة لا يتجاوز السرعة المقررة ـ حسب قانون المرور ـ على الطرق السريعة ، يفعل ذلك خشية التعرض لسحب رخصة القيادة والغرامة المالية ، وبالمثل تشير بعض الدراسات الى أن اليابان لم تستسلم للولايات المتحدة فى نهاية الحرب العالمية الثانية لأنها ضربت بالقنابل الذرية ، فربما عجل هذا بحدوث ذلك فقط ، إذ أنها كانت أنهكت ، وكانت حكوماتها قد بدأت تبحث عن طريقة للاستسلام . لذا ظهر تعريف شهير يقرر أن القوة = قدرة (أ) على دفع (ب) للقيام بالعمل (س) ـ احتمال قيام (ب) بالعمل (س) بغض النظر عما فعله (أ) .
على أية حال ، فإن جوهر أى تعريف للقوة هو أنها علاقة سلوكية ين طرفين يقوم أحدهما بالتأثير فى سلوك الطرف الآخر ، فى الإتجاهات التى تحقق أهدافه ، أو بما يتفق مع رغباته ، فى وقت معين أو عبر فترة زمنية ممتدة ، أو فى مجال ما أو عدة مجالات ، استنادا على توافر قدرات تتيح له (للطرف الأول) القيام بذلك . وفى هذا السياق يمكن ـ استناداً على الشكل التالى ـ رصد عدة عناصر لمفهوم القوة:

1 - أن القوة وسيلة لتحقيق غاية ، وليست غاية فى حد ذاتها ، فالدول تستخدم قوتها لتحقيق أهداف محددة فى النهاية ، فمن الصعب تصور أن الدول يمكن أن تستخدم قوتها ببساطة لمجرد استعراض القوة ، فعندما تقوم الحكومات بتنظيم استعراضات عسكرية لقواتها وأسلحتها فى ميادين العواصم ، يكون الهدف هو اكتساب أو تأكيد مكانة سياسية دولية / إقليمية معينة ، أو رفع الحالة المعنوية للشعوب ، إن لم يكن تدعيم الردع ، أو إرسال رسائل فى اتجاه أو آخر ، وعندما تنشر البنوك موازناتها المالية السنوية فى الصحف ، أو تتبرع لمشروعات خيرية ، أو تنفق على العلاقات العامة ، فإنها تستهدف كسب ثقة العملاء بتأكيد قوة مركزها المالى .
المشكلة أن هناك بعض الأسس لفكرة أن القوة قد تكون هدف فى حد ذاتها ، فقد أكدت الكتابات الأولى للمدرسة الواقعية (مثل كتابات توماس هوبز وهانز جى مورجانثو) على أن القوة فى حد ذاتها قد تمثل قيمة مرغوب فيها ، فكما أن رجال الأعمال يستثمرون أموالهم بهدف نهائى هو الحصول على مزيد من الربح المالى ، وكما أن أى ممارس للسياسة يعمل على تدعيم قوته أو الحفاظ عليها ، فإن الدول يجب أن تسعى إلى زيادة قوتها وتدعيم تأثيرها، وإلا فإن مركزها سوف يتدهور مع الوقت ، إلا أن القضية هنا هى أن علاقة الوسائل بالأهداف تتسم بالتعقيد والديناميكية ، فالغايات تدعم الوسائل المتاحة لتحقيق أهداف أوسع وأبعد مدى .

المصدر: أ. محمد عبد السلام - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN62.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 121 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

272,766