2 - أن القوة علاقة بين طرفين ، وليست فعل ساكن ، أو ممارسة فى فراغ ، فأعمال التأثير تتضمن بالضرورة وجود علاقة بين طرفين (الدولة أ والدولة ب على سبيل المثال) تتفاعل فى إطارها وسائل وأساليب التأثير على الإرادات والسلوكيات ، عبر فترة من الزمن تشكل فى التحليل النهائى حوار / صدام إرادات يتحدد بناء على ملامحه نمط العلاقة القائمة بين الطرفين . وقد تتخذ هذه العلاقة شكل الإتصال الصريح الذى تستخدم أدوات وأساليب القوة فيه بوضوح ، كما قد تتخذ أشكالا إيحائية أو خافتة تتحرك عبرها رسائل مختلفة ، إلا أن المهم هنا هو ما يلى :
- أن التأثير لا يسير فى إتجاه واحد طوال الوقت ، فقد تكون الدولة (أ) هى الطرف الفاعل Actor ، وقد تكون الدولة (ب) هى الهدف Target ، أو العكس ، فمهما بلغت قوة أحد الطرفين ، فإنه معرض لردود أفعال ، ومهما بلغ ضعف الطرف الآخر ، تكون لديه قدرة على القيام ببعض الأفعال المؤثرة ، كما هو واضح من تطورات مرحلة ما بعد 11 سبتمبر عام 2001.
ـ أن علاقات القوة قد لا تكون ثنائية فى كثير من الحالات ، فمعظم أنماط التفاعلات الدولية فى العصر الحديث متعددة الأطراف ، على نحو يفرز أنماط تأثير شديدة التعقيد ، وحتى فى إطار بعض أشكال علاقات القوة التى يكون من الواضح أنها ثنائية ، ربما يكون ثمة طرف ثالث يتدخل بشكل مؤثر ، كالولايات المتحدة على المسار الفلسطينى ـ الإسرائيلى فى إطار الصراع/التسوية بين العرب وإسرائيل .
3 - أن القوة نسبية ، وليست قيمة مطلقة ، فمن غير الممكن وصف طرف ما بأنه قوى أو ضعيف إلا فى إطار مقارنته بطرف أو أطراف أخرى ، فتلك المقارنة هى التى تحدد موقعه فى هيكل القوة على المستوى الإقليمى أو الدولى، فالهند قد تكون قوية عسكريا بالنسبة لباكستان ، لكن الصين قد تكون أقوى منها، والأخيرة أقل قوة بالنسبة للولايات المتحدة، فالفكرة العامة هى أن الدولة تكون قوية بمدى قدرتها على التأثير فى سلوك الآخرين بأكثر مما يؤثر به الآخرون فى سلوكها ، أى عندما تكون (أ) قادرة على دفع (ب) إلى القيام بعمل معين ، أو منعها من القيام دون أن تستطيع (ب) دفع (أ) يفعل / لا يفعل شيئا مشابها لما اضطرت إلى القيام أو عدم القيام به، بما يطرحه ذلك كله من افتراضات بالنسبة لكم ونوع أدوات القوة المملوكة لكل منهما .
ولا تخل مسألة نسبية القوة من تعقيدات أيضا ، بفعل تطورات هامة شهدها العصر الحديث ، كعدم توازن عناصر القوة المملوكة للدول، فاليابان قوية اقتصاديا مقارنة بروسيا الاتحادية ، إلا أنها لا تقارن بها عسكريا ، كما أن مسألة امتلاك الأسلحة النووية قد أدت الى انقلابات غامضة فى مفاهيم القوة، يضاف إلى ذلك تحولات عناصر القوة تدريجيا نحو القدرات المعرفية والتكنولوجية التى يصعب قياسها بعيداً عن تطبيقاتها، أو إدراك ما تتضمنه سياسيا ، وكذلك وجود انقسامات عالمية حادة ، استنادا على معايير قياسية ، أصبحت تتيح وصف مجموعات من الدول بأنها متقدمة وأخرى متخلفة ، دون حاجة لإجراء مقارنات مركبة، لكن تظل أهمية نسبية القوة فى أنها تحدد ماهو متاح للتحقيق من جانب كل دولة إزاء الدول الأخرى .
4 - أن نماذج التأثير تتسم بالتعقيد الشديد ، فالقوة عملية Process ، تتضمن أكثر من مجرد قدرة الدولة (أ) على التأثير على سلوك الدولة (ب) فى حالة معينة ، إذ أن عملية التأثير لا تتوقف عند رد فعل الدولة (ب) على الفعل الموجه إليها من الدولة الأولى ، خاصة وأن رد الفعل للدولة (ب) المشار إليه قد يكون الإذعان ، بما يتطلب من الدولة (أ) فعل تعاونى ما ، لتدعيم الاتجاه الذى اتخذته (ب) ، أو قد يكون عدم الرضوخ بما يضطر (أ) إلى رد فعل مضاد ، فعادة ما تكون هناك سلسلة من الأفعال وردود الأفعال التالية التى يختلط فيها الفعل برد الفعل ، بحيث يصبح كل طرف فاعل وهدف فى نفس الوقت :
إن النموذج الواضح لذلك هو إنتفاضة الأقصى التى انفجرت عام 2000 ، فقد قام إرييل شارون بدخول المسجد الأقصى ، فرد الفلسطينيون على ذلك باحتجاج عنيف ، لترد القوات الإسرائيلية بعنف عدوانى ، مما أدى الى تصاعد العنف الفلسطينى ، أعقبته عمليات إنتقام إسرائيلية ، فردود أفعال فلسطينية ، لتستمر العملية فى طريقها ، مكتسبة عناصر قوة ذاتية بدا أحيانا أنها متحكمة فى سلوك الطرفين .
وعادة ما تطرح كل حالة نموذجا خاصا بها ، كما حدث عام 1956 بين مصر وكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل ، بدءا من سحب عرض تمويل السد العالى ، مرورا بتأميم قناة السويس ، إلى العدوان الثلاثى ، والمقاومة المصرية ، وكذلك ما شهدته المنطقة عام 1967 ، بداية بأزمة مايو التى شهدت أفعال رئيسية (إغلاق مضيق العقبة ، طلب سحب قوات الطوارئ) حتى انفجار الحرب ، لكن المهم أنه فى معظم الأحوال، لا تتوقف عملية التأثير عند حدود الأفعال وردود الأفعال ، وإنما تتسع لتشمل الأفعال التالية وردود الأفعال المضادة) .
المصدر: أ. محمد عبد السلام - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN62.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
286,888
ساحة النقاش