مر العالم خلال القرون الماضية بعدة حقب زمنية ، اتسمت كل منها ، بوجود شكل معين لهيكل القوة فيه ، استنادا على توزيع القوة ، بعناصرها وتأثيراتها ، بين أطرافه ، خاصة أطرافه المحورية التى تتحكم فى التفاعلات الأساسية خلال كل حقبة . وعادة ما كانت كل حقبة تنسب إلى نمط هيكل القوة المسيطر فيها ، والذى يمكن عبره فهم معظم ما يدور خلالها من تطورات . ويتم التمييز فى هذا الإطار بين ثلاثة أشكال رئيسية من هياكل القوة الدولية ، قامت فى فترات تاريخية مختلفة، هى :
1 - نظام القطب الواحد Unpopularity ، ويتسم هذا النظام بتركز القوة أو مواردها إلى حد كبير فى دولة واحدة ، أو تحالف محدود من الدول ، وقد شهد العالم تاريخيا هذا الوضع عدة مرات ، عندما سادت الإمبراطورية الرومانية فى الأرض، وعندما شكلت بريطانيا (العظمى) ما سمى الإمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس ، كما كادت المانيا أن تحتل هذا الموقع مرتين خلال فترات حكم بسمارك فى أواخر القرن التاسع عشر ، وهتلر فى القرن العشرين . وقد عاد هذا الهيكل فى مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة فى ظل سيطرة الولايات المتحدة نسبيا على التفاعلات الرئيسية فى العالم . وقد عمل كل قطب مهيمن على فرض قيمه وسياساته على الكتلة الفعالة من العالم فيما عرف بإسم السلام الرومانى قديما ، ويشار إليه بإسم السلام الأمريكى فى المرحلة الحالية .
2 - نظام القطبية الثنائية Bipolarity ، ويتسم هذا النظام بتركز موارد وقدرات القوة ، وإتجاهات التأثير (النفوذ) فى دولتين أو كتلتين رئيسيتين بشكل جامد أو مرن ، فى ظل وجود صراع/ تنافس كبير بينها ، وتمركز للتفاعلات الدولية حول مواقعها . وقد شهدت فترات تاريخية سابقة مثل هذه الهياكل ، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، وبداية القرن العشرين (حتى عام 1914 ، أشهرها نظام القطبية الثنائية البريطانى ـ الفرنسى الذى تم خلاله اقتسام مناطق النفوذ فى أقاليم مختلفة من العالم ، كما حدث فى المنطقة العربية ، وكانت أهم نماذجه هى التى سادت خلال النصف الثانى من القرن العشرين (حتى عام 1991) بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتى ، والذى اتسم بوجود حرب باردة بينهما فى معظم الفترات .
3 - نظام تعدد الأقطاب Maltipolarity ، ويتسم هذا النظام بانتشار القوة فيما بين عدد كبير نسبيا من الدول ، تقوم بينها عادة حالة من توازن القوى التى تكون ـ فى معظم الأحيان ـ غير مستقرة ، بفعل تأثير التحالفات والتحالفات المضادة المستمرة عليها . وتدور التفاعلات داخل هذا النظام حول أكثر من صراع دولى رئيسى . وقد شهد العالم كذلك مثل هذا النظام عدة مرات ، خاصة خلال فترة ما بين الحربين العالميتين فى القرن العشرين (1919 ـ 1939) ، إلا أن أهميته تأتى من تواجد عناصر أساسية منه فى إطار النظم الأخرى ، أو كونه إطاراً انتقاليا يخلق أحد الهياكل لفترة مؤقتة ، أو يميل إلى التحول مع الوقت لنظام آخر ، إضافة إلى أنه أكثرها تعقيدا فيما يدور داخله .
وفى الواقع ، فإن مثل هذه التصنيفات تعبر عن أنماط مثالية قد لا توجد بشكلها الجامد كما هى عليه ، وإنما يمكن الإستناد إلى ملامح مختلفة لها فى تحليل نمط علاقات القوة القائم فى العالم خلال فترة ما ، خاصة فى الفترات الإنتقالية التى تتسم بالسيولة، فقد كان النظام الدولى يبدو بعد إنهيار القطبية الثنائية عام 1991 وكأنه يتجه نحو تعددية أقطاب قبل أن تتضح سيطرة الولايات المتحدة ، كما أن سيطرتها هى فى النهاية ناقصة ، وتتعرض لتحديات مثيرة ، فهناك مراكز قوى مختلفة تشكل شبكة تأثير اقتصادية ، عسكرية، إعلامية معقدة ، وفاعلون غير دوليين يمارسون أفعالا غير مسبوقة فى التأثير على الدول ، بما يجعل نظام القطب الأوحد الحالى مختلفا تماما عما كان عليه تاريخيا .
وتشهد أقاليم العالم المختلفة نفس أنماط علاقات القوة بنفس النماذج ، أو بأشكال معدلة ، فقد كانت مصر هى القوة الإقليمية الرئيسية المؤثرة فى تفاعلات المنطقة المحيطة بها ، لفترة طويلة إمتدت منذ عام 1945 حتى عام 1967، بشكل واضح ومستقر ، دون منافسة أو تحديات كبيرة إلى أن بدأ الإقليم يشهد تطورات عسكرية وإقتصادية وسياسية معقدة ، أدت إلى صعود نفوذ دول أخرى ، وإندفاع دول ثالثة نحو صراع زعامة . وبدأ النظام العربى (الشرق أوسطى عموما ) خلال التسعينات يتجه نحو تعدد أقطاب، فكثيرا ما يشار إلى مصر والسعودية وسوريا كتحالف قائد فى المنطقة العربية ، أو إلى مصر والسعودية وإسرائيل وإيران وتركيا كقوى إقليمية كبرى فى الشرق الأوسط، تمتلك كل منها قدرة واضحة على التأثير فى إتجاهات مرغوبة بالنسبة لها ، أو عرقلة التطورات التى لا تتلاءم مع مصالحها الإقليمية .
وهكذا ، فإن علاقات القوة ، وما يرتبط بها من موازين ، تمثل أهمية خاصة لا يمكن تجاوزها تحليليا ، كأحد الأسس المحورية لفهم القوة .

المصدر: أ. محمد عبد السلام - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN66.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 99 مشاهدة
نشرت فى 12 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

276,046