يمكن القول أن ظاهرة الارهاب تطورت بشكل غير مسبوق بمختلف مستوياتها سواء إرهاب أفراد أو إرهاب جماعات أو إرهاب دولة، بحيث صارت أقرب إلى الظاهرة العالمية أو الكونية التى لا يكاد يخلو منها مجتمع حديث أو تقليدى. فقد شملت هذه الظاهرة دولاً رأسمالية متقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان.. الخ، كما انتشرت فى دول أوروبا الشرقية كما فى البلقان، وروسيا، ويوغوسلافيا السابقة، كما أصابت دول العالم الثالث مثل الهند وباكستان والفلبين وكمبوديا وسريلانكا وكثيراً من الدول الأفريقية والعربية كالصومال ورواندا وبوروندى وسيراليون، والجزائر ومصر والسعودية، .. إضافة إلى دول البحر الكاريبى وعدد كبير من دول أمريكا اللاتينية. وهكذا ضربت الظاهرة دولاً ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية. والأمر الخطير ليس فقط فى تصاعد مستويات الظاهرة، وإنما أيضا فى تورط بعض الدول بشكل مباشر أو غير مباشر فى التخطيط لها وفى تنفيذها بحيث أصبح الإرهاب أحيانا وسيلة للتعامل بين الدول وإدارة علاقاتها الدولية بصورة أو بأخرى.
ويمثل الإرهاب تفاعلاً بين مجموعة من المتغيرات أهمها، نمط فكرى معين يتسم بالتطرف سواء كان دينياً أو أيديولوجياً ، ووجود التنظيم المعبر عن كل من النمط الفكرى وحركة الإرهاب، ثم ظرف اجتماعى معين. والنمط الفكرى الذى يمثل وقود الإرهاب يتسم بالتطرف والتشدد والغلظة . هذا النمط الفكرى يتبلور فى تنظيمات تعبر عن طبيعته سواء كان دينيا أو أيديولوجى أو ثقافى ... الخ، مستندة على الفكر الذى تقوم عليه كعقيدة بالنسبة لها . وهذا التنظيم المغلق يقوم على الهرمية والطبقة المغلقة وعدم الانفتاح على الآخرين وسيطرة الزعيم، إذ الآخرون إما معه أو ضده . ومن ثم يقوم هذا التنظيم بقمع الرأى والفكر المغاير، فضلا عن التنكيل بمن هو آخر. ويستطيع التنظيم الحصول على الدعم السياسى من بعض الدول أو التنظيمات الأخرى لوجود مصالح مشتركة فضلا عن الدعم المالى.
أما ظرف اجتماعى فهو يعمل على إيجاد البيئة المناسبة لتبلور هذا الفكر وانتشاره، وقد يكون تحولات اقتصادية أو اجتماعية عميقة أو حتى سياسية .. وقد يكون نابعاً من البيئة الخارجية كهزيمة عسكرية مثلا.
وهناك مجموعة من العوامل تساهم فى استمرار هذه الظاهرة ومنها ما يتعلق بكيفية تعامل الدولة والمجتمع مع هذه الحركات الإرهابية أو المتطرفة الوليدة وكذلك تعامل مثل هذه التنظيمات مع المجتمع والدولة . ففى بعض الحالات نجد أن الدولة تجاهلت هذه التنظيمات أو دخلت معها فى تحالفات سياسية أو عسكرية أو قدمت لها الدعم المالى والسياسى فى بدايتها. ومن ناحيتها فهذه التنظيمات قد تتعامل مع المجتمع من خلال أسلوب النفس الطويل والتغلغل فى أعضائه ومؤسساته وقد تتبنى بعض القضايا الاجتماعية لكسب تعاطف أفراد المجتمع معها .. الخ.
ومن هذه العوامل أيضا كيفية تعامل التنظيمات الإرهابية مع البيئة الدولية وما تتيحه متغيراتها الأخرى من التكنولوجيا المتقدمة فى الاتصال والسلاح، ومن وجود تنظيمات الجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية الأخرى التى تتعدد أهدافها وأفكارها، ومن وجود بعض الدول التى تعد أراضيها بيئة صالحة لدعم الأنشطة الإرهابية سواء كان دعما معنويا بالإيواء أو دعما سياسيا أو دعما فنياً كالتدريب أو ماديا كتقديم أموال وذخيرة وسلاح.. وهكذا وكما سيأتى لاحقا تتعدد العوامل المفسرة لهذه الظاهرة.
ساحة النقاش