1- الاستخدام السياسى للإرهاب فى إدارة الصراعات الدولية:
تصاعد الإرهاب فى العالم منذ الستينيات، وجرى تفسيره من جانب الخبراء والأكاديميين على أنه جزء من معارك الصراع بين الغرب والشرق بأساليب أخرى، سميت الحرب بالوكالة فى بعض الأحيان . فالتنظيمات الإرهابية الماركسية والفوضوية وأنصار مذهب العدمية والتى تشترك فى رفض السلطة القائمة، كانت فى غالبيتها ذات طابع يسارى وحظى بعضها بتأييد خفى من موسكو ومن الدول الشيوعية أو الاشتراكية التى كان يهمها فى هذه الفترة انتشار الإرهاب فى دول الغرب. كما قامت الدول الغربية أيضا بمساعدة وتجنيد العديد من التنظيمات الإرهابية التى وجهت أعمالها ضد الدول الاشتراكية . وكان ذلك جزءاً من الصراع الدولى فى الحرب الباردة كما يرى إدوارد هيرمن وجيرمى أوسليجان فى كتابهما بعنوان الإرهاب أيديولوجية وصناعة ثقافية . ويفسر ذلك أن نسبة يعتد بها من العمليات الإرهابية أثناء مرحلة الحرب الباردة كانت وراءها مخابرات دول كبرى وصغرى حيث ظهر الإرهاب الذى يحارب الأيديولوجية السائدة فى مجتمع ما كالشيوعية أو الرأسمالية أو لنشر مبادئ معينة كالفوضوية والاشتراكية.
كما اتخذت بعض الدول من تلك الظاهرة وسيلة ضمن أدوات سياستها الخارجية تجاه بعض الدول التى تعانى من ظاهرة الإرهاب سواء من خلال إيواء العناصر الإرهابية فى أراضيها وتقديم الحماية لهم، أو عبر المساعدات المالية أو السلاح والتدريب لمخططى ومنفذى العمليات الإرهابية.
وتستخدم هذه الدول الجماعات الإرهابية كورقة ضغط سياسية ضد الدول التى تعانى من ظاهرة الإرهاب أو تستخدم هذه الجماعات فى القيام بعمليات إرهابية عسكرية محدودة ضد بعض الدول.
2- انتشار السلاح وسهولة الحصول على التقنيات الحديثة:
من أهم نتائج انتهاء الحرب الباردة انتشار تجارة السلاح على نطاق واسع، ومن ثم استفادت التنظيمات الإرهابية من وفرة السلاح فى السوق بما فى ذلك بعض الأسلحة عالية التقنية والتدمير. كما تقدم التقنية الحديثة تركيبات جديدة للمتفجرات والتجهيزات الإلكترونية. وتتوافر بسهولة أيضا تقنيات الاتصال ابتداء من محطات البث التليفزيونى ذات الدائرة المحددة ومحطات البث الإذاعى والكاسيت والفيديو والفاكس والتليفونات المحمولة ووسائل التنصت وأجهزة الاستشعار عن بعد وأيضا الكمبيوتر والإنترنت والتقنيات الحديثة التى تساعد الإرهابيين على ارتكاب أكثر العمليات جرأة وخطورة، إذ يتسم العصر بتقنية عالية فى نوعيات السلاح المستخدم والمتوافر لدى الأفراد من حيث إنتاجه لكمية نيران عالية فى وقت قياسى مع إمكانية أحداث أضرار كبيرة يصعب السيطرة عليها مثل الأسلحة الأتوماتيكية والمتفجرات مع ما تتيحه الأخيرة من إمكانية أحداث دمار عن بعد وفى وقت لاحق لوجود الإرهابى بالمكان المستهدف، الأمر الذى يسهل من مهمته ويمكنه من عدم الالتقاء بضحيته وهو ما يشجع الإرهابى على الهروب. كما لجأت التنظيمات الإرهابية لفنون على مستوى عال من التنظيم والتدريب، وهو الأمر الذى يصعب على أجهزة المكافحة ملاحقتها لضبطها، ولعل ما يزيد من صعوبة ذلك أن أعداداً كثيرة من الكوادر الإرهابية تلك قد تلقت تدريباتها بالكامل فى وقت سابق على أيدى رجال مخابرات دول أخرى أو تنظيمات إرهابية ذات خبرة طويلة فى هذا المجال.
ويعتمد المنفذون للعمليات الإرهابية على أسلوب علمى فى التنفيذ والإلمام بخبرات العمل بأجهزة الكمبيوتر وأجهزة التشويش على المراقبة ، وغالبا ما تكون لديهم مهارات عالية فى مجالات مختلفة من العلم. فيستخدم الإرهابيون الآن شبكة الإنترنت فى الاتصال وجمع الأموال وتحضير العمليات الإرهابية والتخطيط لها وتنفيذها عبر استخدام مواقع يصعب الاشتباه فيها كما فعل منفذو عمليات 11 سبتمبر عام 2001 فى واشنطن ونيويورك .
وتوضح دراسة نشرها مركز الأبحاث لدراسات الصراع والإرهاب فى لندن بعنوان التكنولوجيا والإرهاب: التهديد الجديد للألفية الجديدة كتبها ستيفن أرباورز وكمبرلى أركيز وصدرت فى سبتمبر عام 1998، أنه فى إمكان التنظيمات الإرهابية الحصول حالياً على ما تريد من معلومات عبر الاستخدام المقنن للكمبيوتر ومن خلال استغلال ثغرات شبكات المعلومات أو باللجوء لعمليات القرصنة المعلوماتية والدخول إلى شبكات المعلومات العسكرية والأمنية للدول لاستغلالها فى التخطيط للعمل الإرهابى وتنفيذه أو الدخول على شبكات البورصة والأسواق المالية لتدميرها، ومن ثم ضرب اقتصاد دولة ما. وكان من نتيجة تطور وسائل التخطيط للعمل الإرهابى وتنفيذه ظهور مصطلح الإرهاب التكنولوجى ، عندما تم زرع عبوة بلاستيكية ناسفة داخل جهاز راديو توشيبا ووضعت فى إحدى الحقائب التى تم فحصها بدون أن يتم اكتشاف العبوة الناسفة على متن طائرة البان أمريكان 103 التى انفجرت فوق لوكيربى فى اسكتلندا وراح ضحيتها 259 شخصاً. كما ساهم التطور التكنولوجى فى تسهيل المهمة على الإرهابيين الذين أخذوا يستخدمون وسائل جديدة أكثر خطورة ويصعب اكتشافها ومنها الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التى أصبح بإمكان الإرهابيين الحصول عليها، وتوضح حالة جماعة الحقيقة السامية اليابانية ذلك إذ امتلكت هذه الجماعة مواد كيماوية تكفى لصنع ستة أطنان من غازات الأعصاب وعناصر التسمم الغذائى وهى نفسها الغازات التى استخدمتها فى عملياتها فى مترو أنفاق طوكيو عام 1995.
ساحة النقاش