ان العولمة بمعنى اندماج كافة أجزاء العالم صغيرها وكبيرها فى عالم واحد، يؤثر التغير فى جزء منه على الكل، والتى تزايد الحديث عنها فى السنوات الأخيرة من القرن العشرين، ليست طفرة ظهرت بشكل مفاجئ على حياة البشر. فقد تطورت ظاهرة العولمة على مدى فترات تاريخية سابقة حتى وصلت إلى هذه العتبة أو المرحلة من التغيير التى تتسم بتغير فى نوعية الحياة اليومية للبشر، وبتطورات متلاحقة يلهث العالم لمجاراتها، فضلا عن التنبؤ بمستقبلها.
ومثلما يثير تعريف العولمة جدلا كبيرا، تختلف الآراء كذلك حول البداية الحقيقية للعولمة. وتتراوح الآراء ما بين إرجاع ظاهرة العولمة إلى العصور التاريخية القديمة، وإرجاع بداياتها للسنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين.
وترجع بعض الآراء بدايات نشأة العولمة إلى بداية نشأة الدولة القومية نفسها، لأن الدولة القومية التى ظهرت فى أوروبا فى القرن السابع عشر الميلادى، قد أدت إلى ضبط انتماء الأفراد والجماعات داخل حدود سياسية معينة، وخضوعهم لسلطة سياسية واحدة، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو القبلية. وقد أدت الظاهرة الاستعمارية إلى نشر الدولة-الأمة كوحدة أساسية للعلاقات الدولية إلى معظم دول العالم الثالث، التى كانت قبل الاستعمار إما تعيش فى وحدات إقليمية مفككة، أو تحت مظلة إمبراطورية كبرى. ومن هنا، يذهب هذا الرأى إلى أن تعميم -الدولة الأمة كان البداية الحقيقية لخلق نمط الحياة التى يعيشها البشر اليوم، وبداية تنظيم التفاعل الدولى بين دول قومية متساوية قانونيا، ترتب حقوق وواجبات متشابهة إزاء مواطنيها.
وتذهب مجموعة أخرى من الآراء إلى أن البداية التاريخية للعولمة ترجع إلى فترات أبعد من ذلك، خاصة الفترات التى شهدت قيام الدول الإمبراطورية التى سيطرت على أجزاء كبيرة من العالم مثل الإمبراطورية الرومانية على سبيل المثال. ففى هذه المراحل تشابهت طرق الحياة فى مناطق كبيرة من العالم بسبب وقوعها تحت سيطرة عدد محدود من الإمبراطوريات، كما تفاعلت وارتبطت الأجزاء المكونة لكل امبراطورية، فكانت مصر مثلا فى العصر الرومانى مخزن الغلال للإمبراطورية الرومانية كلها. وكذلك شهدت عصور الامبراطوريات الكبرى تفاعلات متبادلة فيما بين تلك الإمبراطوريات سواء كانت سلمية أو عسكرية.

أولا : مسيرة العولمة فى القرن العشرين:
وعلى رغم وجاهة الآراء التى ترجع العولمة إلى الأزمنة التاريخية البعيدة، إلا أن أهم ما يميز العولمة فى عالم اليوم هو التطور التكنولوجى الهائل، الذى فاق التصورات على مدى سنوات القرن العشرين، ولعب دورا بارزا فى تسهيل التشابك والتفاعل العالمى الذى يعتبر بدوره أهم سمات العولمة الحديثة، مما يجعل المشابهة ما بين العولمة فى عالم اليوم، والتفاعلات العالمية فى قرون سابقة تفتقد إلى الكثير من عناصر المشابهة والمقارنة.
وعلى هذا الأساس يمكن إرجاع بدايات العولمة إلى عدد من الظواهر التى نشأت وتطورت خلال سنوات القرن العشرين فى مختلف مجالات الحياة من سياسة، واقتصاد، وثقافة، واتصال، فقد كانت هذه الظواهر بمثابة الجذور التى نبتت منها العولمة الحديثة.
فقد شهد النصف الأول من القرن العشرين حربين عالميتين كانتا فى كل مرة تبدأ من أوروبا، ثم شملت معظم أرجاء المعمورة بشكل أو بآخر. وترتب على تلك الحروب العالمية التى استمرت سنوات طويلة، نشوء منظمتين عالميتين تضعان قواعد عامة بهدف تنظيم سلوك الدول للحفاظ على السلم والأمن الدوليين وتجنب ويلات الحروب هما: عصبة الأمم، ثم منظمة الأمم المتحدة.
وطوال النصف الثانى من القرن العشرين، خلال سنوات الحرب الباردة، انقسم العالم إلى معسكرين، الأول تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، الذين يتبنون مبادئ الديمقراطية السياسية واقتصاد السوق من ناحية، والثانى يقوده الاتحاد السوفييتى (سابقا) وحلفاؤه الذين يتبنون مبادئ الاشتراكية، وحكم الحزب الواحد، والملكية العامة لأدوات الإنتاج.
وقد انقسم العالم فى معظمه فى ذلك الوقت إلى مناطق للنفوذ والولاء للقوتين العظميين، بحيث كانت كل قوة تتدخل لحماية أتباعها ومناطق نفوذها فى مواجهة أى تهديد أو تهديد محتمل من الطرف الآخر. فقد شهد العالم فى ذلك الوقت فعليا درجة عالية من العولمة السياسية، ولكن فى ظل انقسام سياسى وعقائدى بين العملاقين الأمريكى والسوفييتى (سابقا)، بالرغم من عدم ظهور وتداول مصطلح العولمة آنذاك.
هذه التطورات السياسية أدت إلى بلورة قواعد عامة للسلوك الدولى متمثلة فى قواعد القانون الدولى العام، وأداة تنفيذها هى الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات التابعة لها، بالإضافة إلى انقسام معظم أجزاء العالم بين نمطين متناقضين من الفكر والموقف السياسى، والتنظيم الاجتماعى، هما الشرق الاشتراكى والغرب الرإسمالى. ولذلك ظهرت تسمية دول الجنوب بإسم العالم الثالث، وهو ذلك العالم الذى لا ينتمى بشكل مباشر جغرافيا، وسياسيا، إلى الغرب أو الشرق.
وفى مجال الاقتصاد، نشأت فى سنوات القرن العشرين، المؤسسات الاقتصادية الدولية لتضع شروط ومعايير التنمية والتبادل الاقتصادى والنقدى فيما بين الدول التى عرفت بنظام بريتون وودز الذى أنشأ كلاً من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى. وقد قامت هذه المؤسسات على أساس الفكر الغربى، ونظمت المعاملات الاقتصادية فيما بين الدول الغربية، وبعض دول العالم الثالث بشكل أساسى، مع وجود علاقات محدودة بين المعسكرين. وعلى الجانب الآخر، أقامت الدول الاشتراكية من المؤسسات الاقتصادية ما يتماشى مع مبادئها، وينظم العلاقات الاقتصادية فيما بينها والتى قامت أساسا على فكرة الاعتماد الاقتصادى على الذات والتصنيع الثقيل، والاستغناء عن الواردات من السلع الاستهلاكية، وقد أطلق على هذه السياسات الاقتصادية إحلال الواردات.
وقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين عدداً من الظواهر الاقتصادية التى تعتبر بذور العولمة الاقتصادية أهمها: ظاهرة الشركات العالمية العملاقة التى تمتد نشاطاتها الإنتاجية إلى مختلف بقاع العالم. ارتبط بذلك نوع من عولمة النشاط المالى متمثلا فى نشاط البورصات الدولية وتأثرها ببعضها البعض. أما الدول فقد اتجهت بدورها للتكامل مع بعضها البعض، وتكوين وحدات اقتصادية كبرى حتى تتمكن من تجميع طاقاتها وقدراتها، لتحسين مكانتها الاقتصادية.
ومع كل هذه التطورات السياسية والاقتصادية، كانت هناك ثورة موازية فى مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات فى القرن العشرين، وخصوصا فى العقود الأخيرة، غيرت شكل الحياة على وجه الأرض، من خلال اختراع الكمبيوتر والتليفون المحمول، وأخيرا شبكة الإنترنت التى أصبحت بمثابة مخزن هائل من المعلومات ومنبرا مفتوحا لظهور وتفاعل مختلف الآراء فى العالم.

 

 

المصدر: أ/ هناء عبيد - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN55.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 146 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

271,287