خامسا : مصير الدولة:

أضعفت العولمة من قوة وسطوة الدولة التى أصبحت مضطرة لتقديم وعود أو تنازلات عن سلطاتها لمواطنيها، أو للمجتمع الدولى، أو للشركات والمستثمرين الأجانب الذين يعملون داخل حدودها، بعد أن كانت الدولة تحتكر منذ نشأتها تنظيم شؤون المواطنين فى كافة المجالات تحت مسمى سيادة الدولة على أرضها ومواطنيها.
ويزيد من الاعتقاد بتراجع دور الدولة فى عصر العولمة، أن الدور الاقتصادى للدول جميعها يتناقص. وتتبنى مختلف الدول النامية الآن برامج للخصخصة، وتوسيع دور القطاع الخاص فى إدارة الاقتصاد. فقد ارتبطت العولمة بتراجع دور الدولة فى التدخل المباشر فى الإنتاج، وترك الاقتصاد لقرارات أصحاب المال والأعمال، كما تراجع دور الدولة فى حماية منتجيها وصناعاتها المحلية من المنافسة الخارجية فى إطار قواعد تحرير التجارة المعروفة بالجات.
إن العولمة تعنى رفع الحواجز والحدود أمام الشركات والمؤسسات والشبكات الدولية الاقتصادية والإعلامية، والاتفاق على مواثيق عالمية تحكم نشاطها بعيدا عن سيطرة الدول. ويزيد من أهمية هذه الظاهرة فى المجال الاقتصادى أن سياسات الخصخصة قد أدت إلى تحويل الدولة إلى جهاز لا يملك، مما يقلل من قدرة الدولة على السيطرة والرقابة.
وفى مجال الثقافة والاتصال يزداد دور الدولة تدهورا، فمراقبة الدولة لمحتوى الثقافة الواردة أصبحت مستحيلة عمليا، ولم يعد للدولة سوى خيار واحد هو تسهيل الاتصال بغض النظر عن محتواه الفكرى والثقافى.
والمعضلة التى تواجه الدول فى مواجهة كل هذه التحديات الجديدة لسلطانها، أن الأسلحة التقليدية التى يمكن أن تلجأ إليها مثل فرض قيود على حرية الاتصال، وبالأحرى على حرية مواطنيها فى امتلاك الأطباق الهوائية، أو استخدام الإنترنت يجعل هذه الدول تبدو كمجتمعات بدائبة عزلت نفسها عن ظاهرة عالمية جديدة هى الشبكية Networking ، وهى فى نفس الوقت تضيع على نفسها فرصا يتيحها هذا الترابط العالمى الجديد.
وهكذا فإن واقع الحياة فى عالم اليوم هو مشهد مركب من متغيرات عديدة فى مجالات مختلفة حولت التطورات التاريخية التدريجية إلى مرحلة جديدة من التغيير لم تشهدها البشرية من قبل، ويعيش الناس اليوم هذا الواقع الجديد تحت مسمى العولمة.
فمع تزايد التفاعل والتشابك العالمى فى كل نواحى الحياة، أصبح هناك شعور مسيطر لدى فئات كبيرة من البشر بأنها تعيش فى عالم واحد. فالمشكلات الإنسانية مثل الفقر لم تعد مشكلة خاصة بطبقة معينة داخل دولة معينة، وإنما أصبح مشكلة عالمية مرتبطة بسياسات وواقع اقتصادى معين، ويساهم المفكرون والساسة على مستوى العالم ككل فى ابتكار الحلول المناسبة لها. والمشكلات البيئية مثل التلوث وارتفاع درجة حرارة الأرض والتصحر، أصبحت مخاطر عالمية تهدد الحياة على وجه الأرض ككل.
وفيروسات الكمبيوتر التى تظهر بين الحين والآخر تصيب أى جهاز كمبيوتر يتعرض لها فى أى بقعة من بقاع الأرض. ومشكلة الصفرين فى أجهزة الكمبيوتر واجهت العالم كله عند اقتراب الألفية الثالثة، وظل الجميع فى حالة ترقب خوفا من الكوارث التى كان يمكن أن تؤدى إليها فى مجالات الطيران، والكهرباء، والاتصال، والعديد من النشاطات التى تعتمد على الكمبيوتر لتنظيمها فى كل أنحاء العالم .
وكما تهدد المشكلات البشر جميعا، فإن الاكتشافات العلمية والطبية والتطورات التكنولوجية تعم فائدتها على العالم ككل وإن بدرجات متفاوتة، فالعالم المصرى/الأمريكى د.أحمد زويل قد فاز بجائزة نوبل العالمية فى أحد مجالات العلوم الطبيعية الذى من المتوقع أن يخدم الإنسانية جميعا. وقد نقل إلينا الإعلام أحاديث الدكتور زويل، وهو يعزى الفضل فى كشفه العلمى إلى نشأته فى مصر، وعمله فى الولايات المتحدة، وفريق من المساعدين ينتمون الى بلاد مختلفة .
وكلنا أو على الأقل معظمنا تابع احتفالات العالم بأعياد الألفية الجديدة، والفرحة التى عمت العالم كله بهذه المناسبة، فالكل يشعر إنه عالم واحد، ووسائل الإعلام والاتصال تقرب البعيد، وتلغى المسافات، فتعمق هذا الشعور بوحدة الزمان والمكان.

 

 

المصدر: أ/ هناء عبيد - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN54.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 138 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

272,732