قبل حلول العقد الأخير من القرن العشرين، انهار الاتحاد السوفيتى (السابق) بكل ما كان يمثله من معانى وقيم، وتوالت انهيارات الحكم الشيوعى فى دول أوروبا الشرقية التى كانت حليفة للاتحاد السوفييتى. ونقلت إلينا وسائل الإعلام فى العالم سقوط أنظمة الحكم فى تلك الدول الواحد تلو الآخر، حيث حلت محلها أنظمة جديدة أكثر ديمقراطية، وأكثر تمثيلا لرغبات شعوبها فى معظم الأحيان. وتداولت وسائل الإعلام العالمية الأوضاع الاقتصادية البائسة التى يعيشها معظم أبناء تلك الدول، على عكس مستوى المعيشة المرتفع فى النصف الغربى من قارة أوروبا.

فى نفس الوقت بقيت الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الوحيدة، التى تمثل النموذج الذى انتصر بكل ما يحمل من قيم وأفكار. وفى سرعة مذهلة، رفعت الحدود والقيود على التفاعلات العالمية فى كل المجالات من اقتصاد، وسياسة، وثفافة، واتصال.
وأصبحت روسيا (وريثة الاتحاد السوفييتى السابق)، ومعظم دول أوروبا الشرقية تسعى إلى الانضمام إلى المؤسسات السياسية والاقتصادية، بل والأمنية الغربية. وشيئا فشيئا، امتدت العولمة إلى المجالات والمناطق التى كانت محظورة من قبل.
وبدأت دول العالم تخفف من سيطرتها على الاقتصاد، ومصادر المعلومات بدرجات مختلفة، بل اتجهت الدول جميعها إلى تبنى أشكال ودرجات مختلفة من الانفتاح السياسى والديمقراطية على النموذج الغربى، أو على الأقل حرصت معظم الحكومات على التأكيد على احترامها - ولو شكليا - للحريات الأساسية، وعلى رأسها حرية الفكر والرأى والتعبير.
ومن ثم بدا أن العولمة ازدادت وتوسعت، إلا أن الاختيارات تقلصت فالقرن العشرون الذى شهد تنميط العالم فى نموذجين كبيرين متناقضين، انتهى على مشهد سيطرة النموذج الغربى على معظم نواحى الحياة فى العالم. وبدا البشر فى كل أنحاء الأرض يؤمنون بوصفة جاهزة للنجاح تقوم على الحرية والليبرالية السياسية واقتصاد السوق المفتوح، واحترام الحقوق والحريات الأساسية للإنسان.

ثانيا : مستقبل العولمة:
أيا ما كانت بدايات العولمة التاريخية، فإن التفكير فى قضايا العولمة يرتبط بالتفكير فى المستقبل، فالعولمة تبسط آثارها يوما بعد يوم على مناطق جديدة من العالم، ومجالات جديدة للحياة لتغير شكلها وطريقة عملها التقليدية بشكل لم ير العالم له مثيل من قبل. ويرتبط الحديث عن العولمة بالحديث عن مستقبل العالم والبشر وشكل الحياة على وجه الأرض لسببن، أولهما أن العولمة ارتبطت فى ظهورها واتساعها بثورة هائلة فى التكنولوجيا، ولا ندرى، فى الحديث عن الاتصال العالمى، والإنترنت مثلا ، أين تنتهى التكنولوجيا، وأين تبدأ العولمة. والتكنولوجيا المتطورة استطاعت أن تغير الحياة على وجه الأرض فى السنوات الماضية، ولذلك يتطلع الكثيرون لمستقبل ترسمه كل من التكنولوجيا والعولمة.
والسبب الثانى الذى يجعل العولمة ترتبط بالتغيير والمستقبل، هو طبيعتها الديناميكية (الحركية)، فالعولمة عبارة عن حالة مستمرة من التفاعل، ومن سنن الحياة أن التفاعل يرتبط بالتغيير. ولذلك فإن فهم العولمة يصبح أمرا هاما لدراسة وتخطيط مستقبل الأمم والبشر.
وتهتم الهيئات العلمية العالمية، وكذلك وسائل الإعلام بنشر دراسات تحاول استشراف أو تخيل المستقبل فى ظل التطور التكنولوجى فى عصر العولمة. ومن المجالات الهامة التى تركز عليها دراسات المستقبل هى دراسة العمل ومستقبله، وأشكاله الجديدة المحتملة فى ظل تكنولوجيا الاتصال المتقدمة، خاصة وأن حوالى 20% من العمالة فى أوروبا اليوم يعملون من خلال أجهزة كمبيوتر فى منازلهم دون الحاجة إلى الذهاب إلى مواقع العمل.
ويستحوذ التفكير فى مصير ومستقبل الدول على جزء كبير من الدراسات المستقبلية للعولمة، فالدول تشهد اليوم مرحلة تراجع كبيرة فى سلطاتها وسيطرتها داخل حدودها. فهل تعنى العولمة بداية التفكيك العكسى للدولة التى ظلت لثلاثة قرون الوحدة الرئيسية فى العلاقات الدولية؟ ومن يملأ مثل هذا الفراغ إذا تراجعت سلطة الدولة؟ هل يصبح الإنسان سيد نفسه؟ هل تعود أهمية الانتماءات الأولية مثل الجماعة والعشيرة والرابطة الإثنية؟ هل تتزايد أهمية الشركات، أو المنظمات غير الحكومية، أو التجمعات المهنية لتمثل نوعاً من الحكم المباشر، أو الحكم من خلال التجمعات الطوعية؟ وهل مسيرة العولمة ذاتها قابلة للانتكاس؟ بمعنى، هل التحولات التى رتبتها العولمة على الحياة فى السنوات القليلة الماضية من الممكن أن تنتهى، ويعود العالم إلى مرحلة ما قبل العولمة؟
هذه التصورات وغيرها أسئلة تبحث عن حلول، وهى فى مجملها محاولات لكشف الغموض حول مستقبل ظاهرة العولمة التى ما زالت تغير وجه الحياة يوما بعد يوم.

 

 

المصدر: أ/ هناء عبيد - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN55.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 129 مشاهدة

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,906