يشبه الكثير من المحللين نظام العولمة الحالى بالقطار المسرع الذى يعطيك فرصة محدودة من الوقت للحاق به، ولكن تظل هناك أسئلة كثيرة محيرة، فإلى أين يتجه هذا القطار؟ وماذا يحدث لو فاتتك تلك الفرصة؟ وهل من بديل أو وسيلة مواصلات أخرى أفضل أو أنسب توصل إلى نفس الهدف؟ كل هذه التساؤلات هى محور النقاش المستمر حول العولمة بين المؤيدين والمعارضين.
والنقاش فى العالم كله حول العولمة يختلف حول تعريفها، ويتصاعد حول بداياتها وأصولها التاريخية، ولكن التناقض يبلغ مداه حول الموقف من العولمة ما بين تأييد، ومعارضة، وقبول مشروط.
فقد أصبحت العولمة من أكثر المفاهيم إثارة للجدل فى السنوات الأخيرة، ويدور فيما بين المفكرين والمثقفين والمواطن العادى فى العالم كله حوار متصل حول سلبيات وإيجابيات العولمة. وفى الوقت الذى يرى فيه البعض العولمة حلا سحريا لكافة المشكلات، يعتبرها البعض الآخر آفة الآفات ومفتاح كل الشرور.
وأسباب هذه التناقضات كثيرة، منها أن العولمة هى ظاهرة متعددة الجوانب، تتناول ظواهر تشمل كل نواحى الحياة ، كما أنها ظاهرة حديثة لم تستقر على شكلها النهائى. ويزيد من تلك الاختلافات حول العولمة أنها تنطوى على تنظيم معين للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مبنى إلى حد كبير على مبادئ الدول الغربية، ولذلك يعارض بعض المفكرين فى دول العالم الثالث العولمة لأنها ظاهرة غربية أساسا.
وفيما يلى نعرض الآراء المختلفة حول العولمة، والفرص التى تتيحها، والمخاطر المتوقعة داخل قطار العولمة، أو على رصيف الانتظار.

أولا: حجج من يرفضون العولمة:
إن الآراء التى ترفض العولمة عادة تتمتع ببريق إعلامى أكبر من تلك الآراء التى تؤيدها. فرفض العولمة يكون فى أغلب الأحوال دفاعا عن البيئة، أو حقوق العمال والمستضعفين فى الأرض، وقد يكون دفاعا عن القيم الإنسانية والروحية فى مواجهة القيم المادية والاستهلاكية، وأخيرا قد يكون دفاعا عن الانتماء والهوية والسيادة الوطنية فى مواجهة غزو العولمة.
فمنذ نهاية التسعينيات، خلقت سياسات العولمة، خاصة فى المجال الاقتصادى موجات من العداء فى العالم أجمع إلى حد تنظيم مظاهرات حاشدة ضد العولمة.
وقد ضمت المظاهرات خليطاً من البشر والمنظمات والجماعات المدافعة عن حقوق العمال والبيئة، وجماعات حماية المستهلك، وغيرهم من الذين يخشون أن تدهس مسيرة العولمة فى طريقها الفقراء والمستضعفين.
فالاعتقاد الشائع هو أن العولمة تعمل تلقائيا لخدمة المصالح الاقتصادية والمالية الكبرى على حساب غيرها من الاعتبارات الاجتماعية، الإنسانية، والبيئية. فالعولمة تعلى من أهمية السوق، وفى القلب منه مصالح كبار رجال المال والأعمال. وقد بلغ التخوف من هذه النظرة للعولمة الحد الذى جعل كلمة البزنس فى حد ذاتها، والتى من المفترض أنها كلمة محايدة تعنى الأعمال، تحمل اليوم بالغ مشاعر التوجس والعداء.
ومن أهم الاتهامات الموجهة إلى العولمة فى مجال الاقتصاد:

1 -
التفاوت داخل الدول :
ينظر البعض إلى التفاوت باعتباره نقيض العدالة، ويعنى التفاوت وجود فجوة كبيرة فى الدخل وفرص الحياة الكريمة بين أقلية غنية وأغلبية فقيرة. ومن أهم الانتقادات الموجهة للعولمة هو أنها تزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء داخل الدولة، وبين الدول الغنية والدول الفقيرة على مستوى العالم.
ويرتبط الاتهام الموجه إلى العولمة الحديثة، باعتبارها تزيد من التفاوت وصعوبات الحياة على الفئات غير القادرة، بنقد أقدم يرجع عمره إلى قرون فاتت، ويتركز على الرإسمالية أو مبادئ اقتصاد السوق فى حد ذاتها، باعتبارها تعلى من ِشأن الحرية على حساب العدالة الاجتماعية.
ويرى نقاد اقتصاد السوق إن إطلاق حرية رأس المال، والتى زادت بصورة لم يسبق لها مثيل فى عصر العولمة، تزيد من صعوبة الحياة على الفئات المستضعفة، لأن حرية السوق فى نهاية الأمر هى حرية القادرين.
وتشير بعض الدراسات الإحصائية لاقتصادات العولمة إلى زيادة عدد المليارديرات، وتضاعف السلع والأنماط المعيشية الباهظة، فى نفس الوقت فقد تضاعف عدد المتعطلين والمهمشين، وتقلصت الطبقة الوسطى، وأصبحت تواجه ضغوطا كبيرة لتوفير مستوى معيشة لائق لأفرادها. وفى تقرير نشرته الأمم المتحدة أن 358 شخصا من كبار الأثرياء فى العالم تساوى ثروتهم النقدية المصادر التى يعيش منها ملياران وثلثمائة شخص من فقراء العالم. وفى الولايات المتحدة ارتفعت نسبة الغنى والثروة بحوالى 60% بين عامى 1975-1995، إلا أن المستفيدين من هذا الارتفاع لم يتجاوزوا 1% من الشعب الأمريكى. وقد وصلت ثروة بيل جيتس الأمريكى مؤسس وصاحب شركة مايكروسوفت العملاقة للكمبيوتر فى فترة من الفترات، إلى ما يزيد عن دخل 100 مليون نسمة من أفقر الأمريكيين.
وفى فرنسا يتحكم الـ20% الأغنى من السكان بحوالى 43% من الدخل الوطنى، فى حين ينال الـ20% الأفقر من السكان ما لا يزيد عن 6% من الدخل الوطنى.
والعلاقة بين العولمة والتفاوت سببها إن الاقتصاد الحديث يسعى إلى أقصى إنتاج بأقل تكلفة، وتؤدى التكنولوجيا الحديثة وعمليات الخصخصة إلى توفير والاستغناء عن أعداد كبيرة من العمالة.
فالتطور التكنولوجى يؤدى إلى إنتاج أكبر بعمالة أقل، ففى اليابان مثلا تعمل مصانع السيارات بالروبوت أو الإنسان الآلى، وتعمل هذه المصانع 24 ساعة يوميا، وتنتج سيارة كل 15 دقيقة، باستخدام عدد محدود من العمالة البشرية.
كذلك فإن رأس المال الحر فى ظل العولمة، يستطيع نقل نشاطه إلى المناطق التى تقل فيها تكلفة الإنتاج، وخاصة البلاد التى تتوافر فيها العمالة الرخيصة. وقد تعرضت العمالة غير الماهرة فى الدول المتقدمة، وهى تلك الفئة من العمال الذين لا يملكون مهارات التعامل مع التكنولوجيا المتطورة، إلى أضرار كبيرة نتيجة لحرية حركة رأس المال فى ظل العولمة، بسبب المنافسة الحادة من العمالة ذات الأجور المنخفضة فى دول العالم الثالث، وخاصة فى آسيا. وقد واجهت العمالة غير الماهرة فى العديد من الدول المتقدمة أحد مصيرين، إما فقد وظائفها بسبب انتقال بعض فروع الصناعات التقليدية إلى الدول منخفضة الأجور، أو تخفيض أجرها بشكل لم يسبق له مثيل. بينما العاملون فى مجالات التكنولوجيا، وبشكل خاص تكنولوجيا المعلومات Knowledge Workers هم أصحاب الحظوة فى فئات العمالة والتوظيف فى معظم دول العالم. والكثير من الدول المتقدمة اليوم تعتبر الأمى أو الجاهل، هو من لا يستطيع التعامل مع أجهزة الكمبيوتر، ومن ثم تقل بشكل كبير فرص هؤلاء فى الحصول على فرص عمل مناسبة.
ومع تزايد مشكلات البطالة فى معظم دول العالم، لجأت بعض الدول الأوروبية إلى تقييد الهجرة إليها من دول العالم الثالث، بعد أن كانت الهجرة منفذا أمام قوة العمل فى الدول النامية، ومصدرا من مصادر الدخل والنقد الأجنبى. وتعتبر هذه القضية من تناقضات عملية العولمة، فبينما تقوم مبادئ العولمة الأساسية على حرية انتقال عناصر الإنتاج القابلة للانتقال وهى رأس المال، والعمل، والتنظيم، لتحقيق أقصى كفاءة ممكنة، فإن الدول المتقدمة حين تعارضت مصالحها مع أحد هذه المبادئ، فرضت القيود على حرية انتقال العمالة الأجنبية إليها، للحفاظ على مصالح مواطنيها.

 

 

المصدر: أ/ هناء عبيد - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN57.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 1302 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,885