4 - مشاكل البيئة :

مع غلبة الاقتصاد على غيره من اهتمامات البشر، يرى رافضو العولمة إن البيئة أصبحت ضحية للعديد من الأنشطة الاقتصادية التى لم تأخذ فى اعتبارها إن الطبيعة هى مورد غير متجدد، وأن فناءها يهدد حياة البشر وصحتهم.
وقد لفتت الأنظار بشدة للمشكلات البيئية فى العقد الأخير من القرن العشرين مشكلة ثقب طبقة الأوزون، وهى الطبقة التى تحمى الأرض من أشعة الشمس الضارة، وارتفاع درجة حرارة الأرض، وتلوث الهواء والماء، وانقراض العديد من فصائل الحيوان والنبات الطبيعية. وقد ارتبطت بعض سياسات العولمة منذ نشأة الشركات متعددة الجنسية بعدد من القضايا البيئية الهامة، فقد لجأت بعض هذه الشركات لنقل نشاطاتها خارج الدول المتقدمة، ليس بحثا عن العمالة الرخيصة فحسب، وإنما هروبا من القيود البيئية الصارمة التى تفرضها قوانين الدول المتقدمة على عمل تلك الشركات. وبالتالى كان عمل بعض الشركات العالمية فى دول العالم الثالث ضارا بالبيئة، أو على الأقل لا يراعى المعايير الدولية لحماية البيئة.
والمشكلة الأساسية التى تواجه حماية البيئة، هى أن البيئة إرث جماعى عالمى، ومع ذلك فإن التشريعات التى تتعلق بقواعد حماية البيئة هى أساسا تشريعات محلية تفرضها الدول كل على حدة. وقد لعب مؤتمر قمة الأرض الذى عقد فى ريو دى جانيرو دورا هاما فى إلقاء الضوء على مدى الأهمية التى أصبحت قضايا البيئة تحتلها فى قائمة الاهتمامات العالمية. كما ألقى المؤتمر ضوءا كاشفا على مواقف الأطراف والحكومات المختلفة من الالتزام بمعايير دولية لحماية البيئة.

5 -
العنف والجريمة :
يربط رافضو العولمة بين تزايد معدلات الفقر وصعوبات الحياة من ناحية، وتزايد معدلات الجريمة والعنف والإرهاب من ناحية أخرى.
كما يرى البعض أن تراجع الحدود وتحرير التجارة قد سهلا النشاطات الإجرامية عبر الحدود الدولية، فانتقلت الجرائم والأنشطة غير المشروعة من النطاق المحلى إلى النطاق العالمى، ونشأت إلى جانب اقتصاد العولمة والتجارة الدولية المعلنة، شبكات موازية من الاقتصاد الخفى تعمل فى مجالات التهريب، وتجارة المخدرات، وغسيل الأموال، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة. ويطلق البعض على نشاط المافيا الدولية والأنشطة الاقتصادية غير المشروعة مصطلح العولمة الخفية.
6-
التفاوت الثقافى :
إن النقد الاقتصادى للعولمة باعتبارها تزيد من الفوارق الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء داخل الدول، وبين دول غنية ودول فقيرة، ينطبق بأشكال مختلفة فى مجال ثقافة العولمة. فالمصادر الثقافية من إعلام ومعلومات تتركز بشكل كبير فى الدول الغربية المتقدمة، مما يخلق فجوة معلوماتية بين الشمال والجنوب. ولذلك تتعرض العولمة الثقافية التى تبشر بديمقراطية وشيوع المعلومات لكل الناس وفى كل وقت عن طريق الإنترنت والفضائيات، للكثير من الانتقادات:
فالولايات المتحدة تمتلك وحدها نحو 56% من إجمالى بنوك المعلومات فى العالم، خصوصا بنوك البحث والعلم، بينما تمتلك الجماعة الأوروبية 28% منها، واليابان 12%، ولا يخص العالم الثالث إلا 1% منها على مستوى العالم.
والإنترنت التى تعتبر منبر العولمة الثقافية، وفيضان المعلومات، هى حتى الآن نادى للصفوة الذين يمتلكون القدرات المادية اللازمة للاشتراك فى الإنترنت، والمعرفة الأساسية باستخدام الكمبيوتر، وباللغة الإنجليزية، وهى اللغة الأساسية التى تستخدمها شبكة المعلومات الدولية. والرقم التقديرى لعدد المشتركين فى الإنترنت بنهاية عام 2000، هو 300 مليون مشترك على الأكثر من أصل 6 مليارات نسمة هو عدد سكان العالم، أى ما لا يتجاوز نسبة 5 مشتركين من كل 100 ألف نسمة.
ويتركز معظم المشتركين فى الإنترنت، فى الدول الغربية المتقدمة، وتضم الولايات المتحدة الأمريكية وحدها حوالى 40% تليها بعض الدول الأوروبية الغربية كما سبق التوضيح.
والحال فى توزيع مصادر الإعلام المسموع والمرئى العالمى ليس أفضل من المثالين السابقين، فالقنوات الفضائية العالمية الرئيسية التى تحظى بالإمكانيات الأكبر والشهرة الأوسع فى العالم تنتمى للعالم المتقدم، وخصوصا للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. إلى جانب ذلك، فقد تحول الإعلام الفضائى من خدمة تقدم للناس، إلى سلعة تجارية مقصورة على من يستطيع دفع الثمن، فالقنوات الفضائية، حتى المحلى منها، غير متاحة إلا عن طريق اشتراكات ورسوم محددة، ومن ثم فهى متاحة لشريحة محدودة حتى داخل الدولة الأم صاحبة البث.
كما أصبح الإعلام المسموع والمرئى يلعب دورا أساسيا فى عصر العولمة، وطغى دوره على الكثير من الوسائل التقليدية لنشر الثقافة وعلى رأسها الكتاب. فثقافة العولمة بوجه عام هى ليست الثقافة المكتوبة، وإنما مزيج من إبهار الفضائيات، وفيضان المعلومات فى الإنترنت. فى نفس الوقت سادت نزعة الإبهار على حساب المضمون الإعلامى، والتركيز غير المسبوق على النزعة الإعلانية.
وبلغ إجمالى الإنفاق الإعلانى العالمى فى وسائل الإعلام الرئيسية من إذاعة وتليفزيون وصحف ودور سينما وغيرها، حوالى 330 مليار دولار عام 1996 .
ويرتبط ذلك بأن الكثير من القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية ودور النشر العالمية تمتلكها شركات اقتصادية عملاقة ذات مصالح تجارية. فشركة جنرال إليكتريك تمتلك قناة إن بى سى، كما تمتلك شركة وستنجهاوس قناة سى.بى.إس وبعض القنوات الترفيهية الأخرى، كما إن شركة تايم/وارنر وهى اتحاد قام من اندماج مؤسسة تايم الصحفية مع شركة وارنر للإنتاج السينمائى، كانت تبث قناة إتش.بى.أو، وقناة كرتون، قبل أن تبدأ فى بث قناة سى.إن.إن الشهيرة للأخبار.
ويؤدى الارتباط بين وسائل الإعلام والمصالح الاقتصادية إلى التركيز على الإعلان كوسيلة لخلق الأنماط الاستهلاكية التى تتوافق مع المصالح التجارية لتلك الشركات العملاقة. ولذلك يتهم الكثيرون إعلام العولمة بأنه يعلى من شأن القيم المادية والاستهلاكية على حساب المضمون الإعلامى والرسالة الثقافية التى يجب أن تؤديها وسائل الإعلام بنزاهة وموضوعية، بعيدا عن تحيزات المال والأعمال.
فالإعلام فى عصر العولمة قد تخلص من سيطرة السياسة التى كانت فى الكثير من الأحيان تشوه الحقائق، أو تحجبها، لخدمة أهدافها ومصالحها، ليقع تحت سيطرة الاقتصاد والمال.

7 -
الخوف من الأمركة :
إن الاتجاه العام للعولمة الثقافية هو خلق قيم ثقافية عالمية، وزيادة التشابه بين أسلوب حياة البشر فى جميع أنحاء العالم. والسؤال هنا : هل تؤدى هذه الثقافة العالمية إلى إلغاء الهويات والثقافات الأصلية للمجتمعات؟ من يصيغ هذه الثقافة العالمية؟
إن شيوع أنماط الحياة والاستهلاك الغربية وخصوصا الأمريكية، أصبح حقيقة نلمسها فى الحياة اليومية ليس فى مصر والعالم العربى فقط، وإنما فى أكثر الدول انغلاقا على ثقافتها التقليدية مثل الصين واليابان. وتعمل فى الصين وحدها أكثر من مائتى فرع من سلسلة مطاعم ماكدونالد الأمريكية التى تقدم الوجبات اٍلسريعة فى العالم أجمع.
فثقافة العولمة، وخصوصا ما يمكن أن نسميه بالثقافة الشعبية، هى فى الحقيقة متأثرة بشكل كبير بالثقافة الشعبية الأمريكية. ويرجع بعض علماء السياسة الأمريكيين استمرار تفوق الولايات المتحدة، ليس إلى عناصر قوتها المادية الملموسة فى الاقتصاد والتسلح، وإنما للجاذبية التى تتمتع بها الآن الثقافة والقيم الأمريكية عبر العالم أجمع.
فقد انتشرت الثقافة الشعبية الأمريكية، وسيطرت على أذواق الناس فى العالم بأسره، فالمنتجات الثقافية الأمريكية فى مجالات الموسيقى والسينما أصبحت تكتسح أسواق الترفيه فى العالم، من مايكل جاكسون ومادونا، إلى أفلام الأكشن الأمريكية، إلى المسلسلات التليفزيونية مثل دالاس، والجرئ والجميلة. الأكثر من ذلك أن وسائل الإعلام المحلية والإنتاج الثقافى المحلى بشكل عام فى الكثير من البلدان أصبح يقلد القنوات والبرامج والأفلام الأجنبية لكى ينجح فى حلبة المنافسة فى أسواق الفن والترفيه.
وفى حياتنا اليومية انتشر الذوق الأمريكى فى الملابس وأبرز مثال عليه الجينز، أو ما يسمى الآن بالملابس الكاجوال خاصة بين الشباب، وافتتحت سلاسل مطاعم الوجبات السريعة الأمريكية فروعها فى كافة أنحاء العالم. ومع هذا وذاك انتشرت اللغة الإنجليزية، وخصوصا اللهجة الأمريكية، لتصبح لغة عالمية.
ويسمى البعض الثقافة الأمريكية بثقافة الماكدونالدز، التى يعتبرها رافضو العولمة نوعاً من الغزو الثقافى الذى يسعى لإضعاف الثقافات الأصلية لتحل محلها الثقافة الأمريكية تدريجيا، بما يضمن استمرار قوة وتفوق الولايات المتحدة الأمريكية.

8 -
خصخصة العلم والثقافة :
يرى رافضو العولمة إن العلم فى عصر العولمة قد أصبح أكثر ارتباطا بالسوق، نتيجة للدور الكبير الذى تقوم به الشركات العالمية العملاقة فى مجال البحث والتطوير العلمى، ونتيجة لتطبيق حقوق الملكية الفكرية التى جعلت الأفكار والبحوث العلمية سلعا تباع وتشترى.
ولذلك يتهم البعض العولمة بأنها قد جعلت المعرفة التى كانت مجانية ومفتوحة للراغبين فيها ولصالح المجتمع، معرفة متملكة، ومخصخصة، ولصالح السوق. وبعد أن كان أهل العلم يحرصون على استقلالهم العلمى، أصبحوا الآن يخططون المناهج العلمية وفقا لاتفاقات مع شركات ومؤسسات الأعمال التى تمول النشاط العلمى فى الكثير من الأحيان. والعلماء وأصحاب براءات الاختراع أصبحوا حريصين على أقصى استفادة مادية من اختراعاتهم، والبعض منهم قد يبيع اختراعه لدولة غير وطنهم الأم، لأنها تعطى السعر الأعلى.
ولم يعد العلم اليوم إبداعا يقوم به فرد، بل أصبح مشروعا ضخما لا يقدر عليه إلا المؤسسات العملاقة، إنه عمل منظم ومخطط ومقيد بقيود المال والسوق.

 

 

المصدر: أ/ هناء عبيد - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN57.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 117 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

274,408