ثانيا: حجج من يؤيدون العولمة:

يرى أنصار العولمة - على النقيض من معارضيها - أنها بداية الانطلاق إلى الآفاق الرحبة للإنسانية، والتحرر من كافة القيود التى تحد من قدرات البشر، والتحرر من الصراعات التى فرضتها السياسة والانتماءات السياسية، التى طالما أدت إلى الحروب بين القبائل والأمم والدول، والتحرر من سيطرة الدولة على الاقتصاد، والمعلومات، بل والتحرر من التعصب والتحيز ضد أى من بنى البشر على أساس الانتماء لبلد، أو دين، أوثقافة، أو طبقة اجتماعية، أو فكر مختلف. فالعولمة هى الحرية فى أبدع صورها، وهى نهاية الأسوار والحدود والقيود.
ويرمز أنصار العولمة إلى نهاية الأسوار بسقوط سور برلين عام 1989، وهو السور الذى كان يفصل بين ألمانيا الغربية، وألمانيا الشرقية، أو بين الغرب بمعتقداته وطريقته فى الحياة، والشرق بمبادئه الاشتراكية وأسلوبه فى إدارة الدولة. وقد تلى سقوط سور برلين السقوط المتتالى لكثير من الأسوار والعوائق التى كانت تقسم العالم وتضع الصعوبات فى وجه اندماجه وتفاعل أجزائه مع بعضها البعض.
وأنصار العولمة ينتمون عادة إلى اتجاهين سائدين: الأول يؤكد على فوائد العولمة الاقتصادية، وأهمها تحقيق أقصى كفاءة اقتصادية عن طريق استخدام الموارد الاقتصادية العالمية بشكل عقلانى ورشيد بعيدا عن تحيزات السياسة، بما يزيد فى النهاية من الرفاهية الاقتصادية على مستوى العالم. والاتجاه الثانى من أنصار العولمة، يدافع عن الأبعاد الثقافية والاتصالية فى عصر العولمة. ويرى هؤلاء أن الإنسان فى عصر العولمة قد تحرر من قهر الدولة وسلطانها، والبشر فى جميع أنحاء الأرض بإمكانهم اليوم التفاعل من خلال وسائل الاتصال الحديث، لبناء عالم واحد متماسك ، يحترم القيمة الإنسانية للفرد.
ويرد أنصار العولمة على التهم الموجهة إلى اقتصاد العولمة كالتالى:

1 -
العولمة والتفاوت :
إن أكثر الاتهامات تأثيرا فى نشر روح معادية للعولمة هو الربط بين العولمة والفقر، واعتبار العولمة سببا فى معاناة فئات لا حصر لها من البشر. ويرد أنصار العولمة على هذا الاتهام بأن الأدلة الإحصائية على ارتباط العولمة بزيادة الفقر والتفاوت بين البشر غير مؤكدة. فكما توجد إحصائيات حول تزايد حدة الفقر وعدم المساواة فى بعض مناطق العالم، توجد أمثلة أخرى لم ترتبط فيها العولمة بزيادة الفقر، أو التفاوت فى مستويات المعيشة. وبالتالى قد يكون التفاوت أو زيادة حدة الفقر فى بعض الحالات ناتجا عن أسباب أخرى، مثل اتباع سياسات تنموية غير مناسبة، أو غيرها من الأسباب، وليس بالضرورة عن العولمة.
كذلك الحال بالنسبة لعلاقة العولمة بتزايد معدلات البطالة فى معظم دول العالم. إن اقتصاد العولمة يتمتع بقدر كبير من المرونة، بحيث يخلق من فرص التوظيف والعمالة ما يعوض فرص العمل الضائعة من خلال تسريح بعض العمال، أو انتقال بعض الصناعات إلى الدول منخفضة الأجور.
ويقدم الاقتصاد الأمريكى مثالا واقعيا لتلك الحجة، ففى السنوات العشر الماضية فقد الآلاف من الأمريكيين وظائفهم، خاصة من العمال والموظفين فى الصناعات والأعمال التقليدية، وبالمقابل، نشأت فرص عمل جديدة فى مجالات مختلفة، والدليل على ذلك أن نسبة البطالة فى الولايات المتحدة الأمريكية تتراوح بين 3 إلى 4%، وهى من أفضل النسب العالمية.
2 -
العولمة والطريق الثالث :
على الرغم من أن الآثار الاجتماعية السلبية للعولمة ليست مؤكدة وفقا لبعض الإحصائيات والدراسات، فإن ملايين البشر فى العالم يخشون من تهديد فرصهم فى الحياة الكريمة فى ظل تراجع دور الدولة وترك العنان لأرباب المال والأعمال لتحديد مصيرهم. فالكثير من الفئات غير القادرة تعتمد على الدولة لتوفير التعليم، والصحة، وبرامج إعانة البطالة والعاجزين عن العمل، وبرامج الضمان الاجتماعى بشكل عام، وهذه الاختصاصات هى مناط الدور الاجتماعى للدولة.
وقد بلغت مخاوف المواطن العادى فى العالم ككل من طغيان المصالح الاقتصادية على فرص الحياة الكريمة للبشر إلى الحد الذى أثار جدلا عالميا موسعا حول الموضوع، ووضع تلك القضية على رأس اهتمامات المنظمات الدولية الاقتصادية، والمسؤولين البارزين، ورجال الفكر والسياسة. وظهرت بوضوح نبرة تراجع فى الخطاب العام عن الإسراف فى الحديث عن الكفاءة الاقتصادية والمنافسة، مع إعطاء العوامل الاجتماعية أهمية متزايدة، وكذلك الاهتمام بالأوضاع الخاصة للدول النامية فى ظل العولمة.
وقد ظهرت منذ فترة بعض المبادرات من ناحية أنصار العولمة، التى تحاول التوفيق بين مقتضيات الحرية والكفاءة الاقتصادية فى عصر العولمة من ناحية، ومراعاة شروط العدالة الجماعية، ومصالح الفئات غير القادرة والحفاظ على دور الدولة الاجتماعى من ناحية ثانية. وهذه المبادرات هدفها تجنب الآثار السلبية للعولمة دون التراجع عن مسيرة العولمة نفسها.
ومن أهم المبادرات التى يحاول المفكرون ورجال السياسة تطويرها اليوم، ما يسمى الطريق الثالث. ومن أبرز أنصار هذا الاتجاه الجديد رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير، الذى يرى أن دور الدولة لن يتراجع فى ظل العولمة، وإنما وظيفة الدولة فقط سوف تتغير من تقديم الخدمات بنفسها للمواطنين إلى تأمين وصول تلك الخدمات إليهم. ومن هنا، تفتح هذه المبادرة الباب أمام ابتكار الحلول الخلاقة والسياسات الجديدة للتوفيق بين تراجع دور الدولة ومواردها فى عصر العولمة من ناحية، وضرورة استمرار الدور الاجتماعى للدولة، والحفاظ على الحدود المناسبة للعدالة الاجتماعية من ناحية ثانية.
والمبادرة الثانية التى تسعى إلى التوفيق بين العولمة والعدالة أو القيم الإنسانية هى تلك الصيغة التى تقدم بها كوفى عنان السكرتير العام للأمم المتحدة. وهذه المبادرة هى دعوة لمجتمع الأعمال العالمى لتبنى القيم الإنسانية الأساسية، فى محاولة لإزالة الخلاف والتناقض بين البزنس والقيم. ويسمى كوفى عنان مبادرته العولمة المصغرة Global Compact، ويوجد موقع على الإنترنت تسجل فيه الشركات المنضمة إلى هذه المبادرة -والتى تتزايد مع الوقت- نشرات دورية بالأعمال والخدمات التى قدمتها لصالح خدمة أهداف المبادرة. ومن أهم تلك الأهداف:
أ - احترام حقوق الإنسان داخل نطاق عملها ونفوذها.
ب- احترام حرية العمال فى التنظيم والتعبير عن مصالحهم، والامتناع عن جميع أشكال التمييز والقهر فى سياسات التشغيل، وإلغاء عمالة الأطفال.
ج - اتباع سياسات إنتاجية لا تضر بالبيئة، ونشر التكنولوجيا النظيفة، مع اتخاذ المبادرات اللازمة لزيادة الوعى البيئى والمسئولية البيئية.
وأخيرا يؤكد أنصار العولمة أن التناقض بين اقتصادات العولمة ومقتضيات العدالة الاجتماعية، وبين المصلحة العامة والمصالح الخاصة غير حتمى. وتشير بعض التجارب على أرض الواقع إلى إمكانية الاستفادة من التحرير الاقتصادى دون الإضرار بمصالح الفئات غير القادرة. ففى اليابان مثلا، يعمل النظام الاقتصادى على الحفاظ على الأعمال الصغيرة وعدم الإضرار بها فى ظل منافسات العولمة. الأكثر من ذلك، إن إطلاق حرية رأس المال أمام العمل الخاص فى اليابان فى إطار عملية التنمية التى أعقبت الحرب العالمية الثانية، لم يضر بالمصلحة القومية، بل على العكس من ذلك، فقد نجح التعاون بين الدولة ورجال الأعمال من أجل بناء يابان قوية.

 

 

المصدر: أ/ هناء عبيد - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN57.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 694 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,906