ثانيا : الانتقادات التي توجه الي الحزب الواحد الأيديولوجي :
تعرض هذا النمط من النظام الحزبي لعدد من الانتقادات، التي ظهرت خلال وجوده وقبل سقوطه بانهيار الاتحاد السوفيتي وثورة الشعوب ضد الأحزاب الشيوعية في دول شرق أوروبا ، بحيث لم يبق هذا النمط الحزبي إلا في الصين وكوبا وكوريا الشمالية، وهذه الانتقادات هى:
1 - إنه حزب مغلق :
فباب الانتساب للحزب الواحد الأيديولوجي غير مفتوح لجميع المواطنين، حيث لا يقبل سوي طراز معين من الأفراد هم المخلصون لمبادئ الحزب، ولذلك يبدو الالتحاق به كشرف لا يناله إلا الذين يعتقد أنهم الممتازون من الصفوة. وأحيانا يكون علي طالب الالتحاق بالحزب، أن ينضم أولا الي بعض التشكيلات أو الهيئات التي ينشئها الحزب ليخضع خلالها لفترة من الاختبار الدقيق. كما ينص أحيانا علي توافر شروط معينة للحصول علي العضوية. والنتيجة التي تترتب علي ذلك هي تضييق نطاق المشاركة السياسية. ويساق كمثال علي ذلك الحزب الشيوعي السوفيتي الذي ظل حتي عام 1947 لا يضم أكثر من 3% من المواطنين . ورغم أن هذه النسبة زادت بعد ذلك ، إلا انها لم تتجاوز 12% من مجموع هؤلاء المواطنين. ومع ذلك فقد سيطر لفترة طويلة قبل انهياره علي الحياة السياسية وكان المحرك الحقيقي والأوحد لكل أوجه النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد .
وكان انصار الحزب الواحد الايديولوجي يردون علي هذا الانتقاد عادة بأن الحزب يقوم بدور هام في النضال الأيديولوجي لرفع مستوي وعي الجماهير بما يؤهلها للاضطلاع بالمهام الحزبية مما يؤدي باستمرار الي اتساع قاعدة عضوية الحزب.
2 - المركزية المفرطة :
حيث يسود داخل الحزب، وفي المجتمع، انضباط حديدي صارم يؤدي الي انفراد الجهاز الأعلي للحزب بالسلطة الكاملة في البلاد لأن الحزب هو الذي يسيطر علي مقادير الأمور ويمتزج بالحكومة ، بل ويسيطر عليها ايضا. فالحكومة في ظل هذا الوضع لا تمثل الشعب وإنما تمثل الحزب . وبذلك يحل مبدأ سيادة الحزب محل سيادة الشعب ويتحول الي جهاز آخر للسلطة القاهرة منفصل عن الجماهير.
وكان انصار الحزب الايديولوجي يردون علي هذا الانتقاد بوجود ديمقراطية في البناء الداخلي للحزب تتمثل في الانتخابات الدورية وحق النقد والمناقشة لجميع الأعضاء ، مع الالتزام بحقائق النظام الاجتماعي ومصالح الشعب وخضوع الاقلية في النهاية لرأي الاغلبية.
3 - الحزب الواحد يؤدي الي إهدار المعارضة :
فالحزب الواحد لا يسمح بوجود أحزاب أو هيئات سياسية أخري معارضة، مما يحرم المواطنين من حرية الرأي والنقد والاجتماع وتكوين الجمعيات، وهي الحقوق الأساسية التي ينبغي أن تتوافر في أي مجتمع حر. وكان يساق كدليل علي ذلك، ما يعاني منه المنشقون في الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوروبا، من قهر فكري ومادي، حيث كان المفكرون والعلماء والفنانون الذي يتجاسرون علي إبداء رأي يعارض سياسة الحزب مضطهدين، وذلك في إطار يمتهن مواثيق ومبادئ حقوق الانسان ، مما يجعل السبيل الوحيد امام أصحاب الرأي الآخر هو البحث عن منفذ الي العالم الحر، بدلا من المشاركة بآرائهم في بناء المجتمع، وعكس ما يحدث في المجتمع الديمقراطي .
وكان انصار الحزب الواحد الايديولوجي يردون علي هذا الانتقاد بأنه يتغافل عن الفارق بين العلاقات الطبقية في ظل الاشتراكية ، وبين العلاقات الطبقية في ظل الرأسمالية . وكانوا يكررون القول بأن البنية الطبقية للمجتمع الرأسمالي ، وعدم إمكان التوفيق بين المصالح المتعارضة، هو الذي ينتج تعدد الأحزاب ، وأن هذا لا ينطبق علي المجتمع الاشتراكي.
4 - الحزب الواحد يقود الي الاستبداد السياسي :
فالحزب الواحد في واقع الحياة السياسية أمر تحكمي يتنافي مع أبسط المبادئ الديمقراطية ويجعل من الفرد أداة بدلا من أن يكون غاية . كما أنه ينفي قيام حكومة عن طريق إرادة جماهيرية حرة. وتصبح الوظيفة الأساسية للحزب هي اختيار الصفوة الحاكمة من خلال الصراعات الداخلية ، بما يرتبه ذلك من غياب الحريات السياسية والحقوق المدنية، ويشيع الاستبداد في انحاء المجتمع .
وكان انصار الحزب الواحد الايديولوجي يردون علي هذا الانتقاد بأن الذي يحدد حقيقة الاستبداد أو الحرية في المجتمع ، ليس مجرد الاعلان عن النوايا، وأن الذي يحول دون الاستبداد هو النظام الاجتماعي القائم علي الملكية العامة والحكم عن طريق الشعب العامل الذي يقوده الحزب الطليعي .
ساحة النقاش