ثالثا : الحزب الواحد في بلدان العالم النامي :
ترتب علي دخول العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية عصر تصفية الاستعمار التقليدي حصول عدد كبير من الدول المستعمرة تباعا علي استقلالها وانضمام هذه الدول المستقلة الي الجماعة الدولية. وبدأت هذه الدول مرحلة البحث عن النظم السياسية الملائمة لها . وقد اصطلح علي تسمية مجموعة هذه الدول بالعالم الثالث، وهو مصطلح استخدمه اصلا العالم الفرنسي ألفريد سوفي عام 1956 للتمييز بين مجموعة هذه الدول، وبين العالم الأول - الغرب الرأسمالي - الذي تميز نمط التنمية فيه بالتطور البطئ، والعالم الثاني - الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية - التي انتهجت نظاما يقوم علي الملكية العامة لأدوات الانتاج والخطة الشاملة. وقد ضم العالم الثالث، بهذا المعني ، قطاعا ضخما من القارة الآسيوية، ومعظم قارتي أفريقيا وأمريكا اللاتينية وهذه المناطق هي التي يطلق عليها الآن جنوب العالم بعد أن ادي انهيار الاتحاد السوفيتي الي انتهاء ما كان يسمي العالم الثاني ، وأصبح العالم ينقسم الي شمال غني متقدم يشمل الاجزاء التي كانت تسمي العالم الأول، وجنوب متخلف أو نامٍ.
وعلي الرغم من أن الدول التي تنتمي الي ما يسمي بالعالم النامي لها في الغالب أصول حضارية متباينة، وتعكس تمايزا في درجة التطور السياسي وخصائص البناء الاجتماعي، والعلاقات الاقتصادية، إلا أن هذه الدول تشترك في عدد من السمات أو الخصائص العامة، مما يبرر تصنيفها في مجموعة واحدة تحت إسم العالم النامي . ومن أهم هذه السمات عدم وجود تقاليد للعمل السياسي . فهذه الدول ليست لها تجربة طويلة بنظام الحكم الديمقراطي ، مما أدي الي غياب تقاليد راسخة للممارسة الديمقراطية في معظم هذه البلاد. وعمق من هذه الظاهرة سيادة الأمية ، الأمر الذي انعكس في عدم وجود اهتمام بالمشاركة السياسية بين الأغلبية ، وعدم تطوير الأبنية والمؤسسات الرئيسية اللازمة للعملية السياسية. والانفصال بين النخبة الحاكمة والمحكومين ، واستناد النخبة الحاكمة في الغالب الي أساس تقليدي للسلطة كمصدر لشرعيتها، بالاضافة الي محدودية هذه النخبة ، ومركزية القرار السياسي .
1 -
تجربة الحزب الواحد في العالم النامي :
بمجرد حصول دول العالم النامي علي استقلالها السياسي، غدت إزاء اختيار حاسم يتعلق بنظامها السياسي، حيث تحتل قضية الديمقراطية وطبيعة النظام الحزبي أولوية هأمة .
وينبغي التمييز في هذا الصدد بين مجموعتين رئيسيتين من هذه الدول :
المجموعة الأولي ، ضمت الدول القليلة التي حصلت علي الاستقلال السياسي مبكرا قبل الحرب العالمية الثانية، وكان الطابع الغالب عليها هو تقليد النظام السياسي القائم في دول المتروبول (الدولة المستعمرة) أي الأخذ بالديمقراطية الغربية. ومن هذه الدول ما تأثر بتجربة النظام الرئاسي في الولايات المتحدة، مثل كثير من دول أمريكا اللاتينية في القرن الماضي، ومنها ما تأثر بالتجربة البرلمانية البريطانية ، مثل مصر والعراق في الربع الثاني من هذا القرن . ويمكن القول ، بصفة عأمة ، بأن هذه التجربة قد اصابها الاخفاق، إذ اقتصر الأمر علي نقل هياكل ومؤسسات الديمقراطية الغربية دون القيم الثقافية والفكرية التي قامت عليها، وبغير توافر الاساس الاقتصادي والاجتماعي اللازم لها .
والمجموعة الثانية، ضمت الدول التي حصلت علي استقلالها السياسي في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، ويمكن التمييز في داخلها أيضا بين مجموعتين فرعيتين ، شملت الأولي الدول التي حصلت علي الاستقلال بشكل سلمي وهادئ، وهذه اتجهت عموما اتجاها مشابها للمجموعة الأولي في اقتدائها بنمط الديمقراطية الغربية، وعانت تجربتها من متاعب ايضا قادتها الي الاخفاق في معظمها. وضمت الثانية الدول التي حصلت علي الاستقلال نتيجة حرب تحريرية كان يقودها في العادة حزب أو جبهة من الأحزاب والزعماء السياسيين ، وتؤيدها كتلة شعبية كبيرة. وكان من الطبيعي أن يتولي السلطة بعد الاستقلال ، الحزب أو الجبهة التي قادت الي الاستقلال، وذلك علي الرغم من أن تحقق الاستقلال كان يؤدي في الغالب بالأساس المشترك الذي اجتمعت عليه، مما يفتح الطريق الي الانقسامات الداخلية والتصفيات وعمليات التطهير .
ودلالة ذلك ، أن الحزب الواحد في العالم النامي وجد أحيانا منذ اليوم الأول لبناء الدولة المستقلة ، وأحيانا اخري بموجب قانون يلغي باقي الأحزاب ،علي اثر إخفاق تجربة الديمقراطية الغربية، ويبقي حزبا واحداً . وعلي ذلك فإن البدايات المتمايزة لدول العالم الثالث في أعقاب الاستقلال ، لم تلبث أن أخلت الطريق للاتجاه نحو شكل من أشكال الحزب الواحد الذي أصبح مع بداية الستينات هو النمط الغالب في بلاد العالم الثالث بوجه عام، بما في ذلك البلاد التي ظلت فيها بعض التجمعات السياسية الضعيفة التي لا وزن ولا تأثير لها ، ولا تمثل تحديا أو تهديدا لنفوذ وسيطرة الحزب الكبير الذي اتخذ في العمل صورة الحزب الواحد.
ومعني ذلك ، أن بلاد هذه المجموعة عندما سلكت طريق الحزب الواحد لم يكن ذلك علي أساس عقيدي كما هو الحال في نمط الحزب الواحد الأيديولوجي ، وإنما قادتها التجربة نحو هذا الطريق تحت وطأة القضايا والمشاكل التي واجهتها ، وهو ما يثير قضية مبررات هذا النمط من النظام الحزبي الذي اخذ يتطور في عديد من هذه البلاد نحو تعدد الأحزاب اعتبارا من منتصف سبعينات القرن العشرين.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 100 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,981