ومن أهم المبررات التي سيقت لتبرير نمط الحزب الواحد في بلاد العالم النامي ما يلي :
1 -
متطلبات عملية التنمية ، وما كانت تقتضيه من اجراء عملية تغيير جذري في البناء الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية. وكان هناك اعتقاد في أن هذه العملية تحتاج الي تعبئة كاملة لكل طاقات المجتمع وموارده ، وأن هذه التعبئة تتطلب وجود حزب واحد ينظم حركة الجماهير ويغرس فيها قيم التنمية ويحركها سعيا الي التقدم .
2 -
حماية الوحدة الوطنية، حيث تعاني كثير من دول العالم النامي من انقسامات تأخذ صورة قبائل أو عشائر أو انتماءات دينية ولغوية وجغرافية (محلية) . فلم تكن شعوب عديدة من هذه الدول قد استكملت تكوينها الوطني علي النمط الذي نشأت علي اساسه الدول القومية الحديثة في الغرب .
ولذلك خشي قادة كثير من الدول النامية أن يؤدي تعدد الأحزاب الي تعميق الانقسامات وبالتالي تمزيق هذه الدول. واعتقدوا أن الحزب الواحد هو الكفيل بتحقيق الوحدة الوطنية.
3 -
الحاجة الي الاستقرار السياسي، بمعني توافر درجة من الاستمرار في الظروف وأنماط العلاقات داخل النظام السياسي من أجل العمل بفاعلية لتعبئة موارد المجتمع وتجاوز مرحلة التخلف . وكان هناك اعتقاد في أن الحزب الواحد هو الذي يستطيع تحقيق هذا الاستقرار .
4 -
الظروف الخاصة بالكفاح ضد الاستعمار ، فطبيعة الظروف الخاصة بهذه الدول والتي جعلتها تنال استقلالها نتيجة نضال وطني - سلمي أو عنيف - ضد الاستعمار رتبت نتيجتين أثرتا علي طبيعة النظام الحزبي الذي اخذت به بعد الاستقلال .
الأولي : أن عملية الكفاح ضد الاستعمار فرضت وضعا خاصا للتجمع السياسي الذي حقق الاستقلال للبلاد، اذ ساد الاعتقاد في إخلاص وتضحية رجاله، مما يصل بهم أحيانا الي مصاف الرمز القومي لهذه البلاد . وهذا يوفر لهم لدي الجماهير قدرا كبيرا من الولاء ، الأمر الذي ينعكس في عدم ظهور زعامات جديدة لفترة طويلة .
والثانية: ان تجربة تعدد الأحزاب والديمقراطية الليبرالية هي السائدة في الدول المستعمرة، ولما كانت خبرات المستعمرات السابقة مع هذه الدول ليست دائما مقبولة لدي قادة الحركات الوطنية، فإن ذلك ادي في الغالب الي اتجاه حركات التحرر الي البحث عن بديل يحقق استقلالا وتنمية سريعة.
وجوهر هذا المبرر ، بوجه عام، أن الحزب الواحد يعتبر امتدادا للحركة الوطنية في فترة الكفاح ضد الاستعمار .
5 -
عدم ملاءمة البيئة الاجتماعية لتعدد الأحزاب : حيث يفترض الأخذ بتعدد الأحزاب درجة معينة من التطور الاجتماعي، لم تتوفر في بلاد العالم النامي . ومن مظاهر ذلك اختلاط العلاقة السياسية ، بدرجة كبيرة، بالعلاقات الشخصية والاجتماعية ، بحيث يصعب التمييز بين التجمع الذي يستند الي وحدة الاتجاه السياسي ، وبين الجماعات العرقية أو الدينية أو الارتباطات الشللية والمحلية، ويرتبط بذلك مفهوم للولاء قوامه العلاقة الشخصية وليس الأداء أو الكفاءة .
2-
الانتقادات التي توجه الي الحزب الواحد في العالم النامي :
اذا كان الفكر السياسي في الستينات قد قبل الحزب الواحد كحقيقة سياسية تشهدها بلاد العامل النامي، فانه لم تلبث أن اثيرت التساؤلات من واقع تقويم التجربة حول مدي نجاح هذا النمط من الأنظمة الحزبية .
وفي هذا الاطار ، وجهت الي تجربة الحزب الواحد في العالم النامي انتقادات متعددة، بعضها وجه قبل ذلك الي الحزب الواحد العقائدي ، مثل إهدار المعارضة والاستبداد السياسي، وبعضها الآخر اقترن بتجربة الحزب الواحد في العالم الثالث، وأهم هذه الانتقادات:
أ - تشخيص السلطة :
وينصب هذا الانتقاد علي أن الحزب الواحد في العالم النامي، يفتح الطريق الي تشخيص السلطة، بمعني انفراد مجموعة أو نخبة بالحكم ، واتجاه الحزب الي اضفاء كل الصفات الحسنة عليها، وإلصاق كل الصفات السيئة بمعارضيها. وفي بعض الدول اقترن تشخيص السلطة بظاهرة عبادة الفرد التي تجلت في رسم صور رؤساء هذه الدول علي العملية المعدنية والورقية، وبناء القصور ومقار السلطة ومراسم الاحتفالات، وإطلاق اسماء وصفات التبجيل علي بعض هؤلاء الرؤساء . وصاحب ذلك تقييد السلطة التشريعية ، وتقييد المناقشات الرسمية العلنية في البرلمانات ، وإنشاء مجالس عليا لمعاونة القيادات في مهام السلطة بعيدا عن الرقابة الشعبية .
ب - ظاهرة البيروقراطية :
فالطابع الذي يسود هذا النمط من النظام الحزبي، هو طابع العمل الاداري والمكتبي في ظل وضع يتسم بغلبة الادارة علي السياسة. ويؤثر ذلك بوضوح علي عملية التعبئة التي يفترض أن الحزب يهدف الي تحقيقها ، فتغلب عليها سيطرة ظاهرة البيروقراطية في ظل ترهل تنظيمات الحزب. ويؤدي ذلك الي عجز الحزب عن تنظيم المشاركة السياسية وتنشيطها، ويشيع فقدان الاهتمام السياسي بين قطاعات واسعة من الأعضاء ، فتتحول العضوية فيه الي مسألة روتينية أو مصلحية ، وينتهي الأمر بحصر نشاط الحزب في رفع تقارير الي المستويات الأعلي. وعندئذ يكف تماما عن الاسهام في صنع القرار السياسي ، وتتحدد وظيفته في مهام تنفيذية وجزئية .
ج - انتشار الفساد :
ويركز هذا الانتقاد علي أن الحزب الواحد في العالم الثالث فتح الطريق الي استغلال النفوذ في غياب تقاليد راسخة للعمل السياسي، وعدم وجود رقابة شعبية. وتتمثل صور الفساد هنا ، في الرشوة والعمولات وسرقة المال العام ومحاباة الأنصار والإثراء غير المشروع.
ويمكن القول ، بوجه عام ، بأن الحزب الواحد في العالم الثالث واجه ازمة أثرت علي أدائه، وأدت الي تدهور هيبته . وضاعف من حدة الأمر عدد من الاعتبارات ، بعضها سيكولوجي نابع من إخفاق الحزب في التجاوب مع ثورة التوقعات المتزايدة بعد الاستقلال ، وبعضها تنظيمي مرتبط بعدم ملاءمة الأدوات والأساليب التي كانت صالحة للعمل ضد الاستعمار لمواجهة مشاكل ما بعد الاستقلال ، وبعضها اجتماعي يتمثل في عدم قدرة الحزب علي الحفاظ علي الوحدة الوطنية في بعض البلاد وما يقود إليه من توطين ظاهرة التفكك السياسي ، هذا فضلا عن شيوع ظاهرة عدم الاستقرار السياسي، واقترانها بتدهور درجة الفعالية السياسية .
وفي ضوء هذه الاوضاع ، بدا الحزب الواحد في العالم النامي كأداة للاتصال من أعلي الي اسفل فحسب دون أن يلعب دورا في السماح بالمشاركة السياسية أو تحقيق التكامل السياسي، وبدا ايضا كما لو أن الهدف منه هو زيادة قدرة النظام علي الضبط الاجتماعي والتوجيه السياسي. وإزاء ذلك ، كان من الطبيعي أن تثار أزمة الديمقراطية في العالم النامي ، وأن تطرح نفسها بإلحاح علي رجال السياسة والفكر، وأن يتجه عدد متزايد من الدول النامية الي الأخذ بشكل من اشكال تعدد الأحزاب.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 120 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,966