ترجع جذور نشأة الأحزاب السياسية في مصر الي العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر. ففي هذه الفترة استخدمت كلمة الحزب في معناها الحديث بمعني تنظيم سياسي الي جانب استعمالها التقليدي بمعني جماعة او طائفة . وتعود بداية التنظيمات السياسية في مصر الي الجمعيات السرية التي وجدت من نهاية الستينيات من القرن التاسع عشر ، والتي امتدت من الجمعيات السرية في الأزهر ، الي بعض الجمعيات الماسونية، الي جمعية مصر الفتاة التي ضمت بعض المتعلمين الذين تأثروا بأفكار الشيخ جمال الدين الافغاني. كما تكونت جمعية سرية أخري بين ضباط الجيش في عام 1876 ، أسسها علي الروبي ، وانضم اليها الزعيم أحمد عرابي وعلي فهمي، ونشط عرابي فيها حتي أصبح الرئيس الفعلي لها. كما تكونت جمعية سرية في ابريل 1879 من كبار ملاك الأرض عرفت بإسم جمعية حلوان ضمت عددا من الشخصيات السياسية والنظار (الوزراء) السابقين الرافضين لسياسات رئيس النظار في ذلك الوقت رياض باشا .
ونتيجة للاتصال بين تنظيم الجيش وجمعية حلوان ، أعلن عن قيام الحزب الوطني الأولي الذي عرف أحيانا باسم الحزب الأهلي. أو حزب الفلاحين ، والذي قاده أحمد عرابي .
أولا : التجربة التعددية الأولي (1907 - 1919) :
يعتبر عام 1907 من الاعوام الهأمة في دراسة نشأة الحياة الحزبية في مصر، بل ويعتبره المؤرخون البداية الحقيقية لتجربة التعدد الحزبي. فقد شهد هذا العام مولد الأحزاب الثلاثة التي لعبت أدوارا هأمة علي مسرح السياسة المصرية حتي ثورة 1919. وهي الحزب الوطني ، وحزب الأمة، وحزب الاصلاح علي المبادئ الدستورية. وقد عبر كل منها عن اتجاهات فكرية وسياسية متمايزة .
1 - نشأة الأحزاب في مصر :
يعتبر كثير من المؤرخين، مثلما يشير د . يونان لبيب رزق في كتابه حول الأحزاب السياسية في مصر، أن حزب الأمة الذي ولد يوم 20 سبتمبر 1907 هو أول حزب سياسي بالمعني الحديث، حيث سبق الحزب الوطني الذي أسسه مصطفي كامل في ديسمبر من العام نفسه.
وفي هذا الاطار يمكن القول أنه في اوائل عام 1907 كانت هناك ثلاثة تيارات في العمل الوطني المصري، أولها مثًّله مصطفي كامل وصحيفة اللواء والذي تسمي بالحزب الوطني وبني مواقفه السياسية علي العداء للانجليز والسعي بكل الوسائل للتخلص من الاحتلال بما في ذلك الاتفاق مع الخديوي ممثل الدولة العثمانية التي كان هذا التيار يدين بالولاء لها. والتيار الثاني تكون من مجموعة صغيرة ممن وقفوا علي النقيض من التيار الأول ، وأسموا أنفسهم بالحزب الوطني الحر، واتخذوا من جريدة المقطم الموالية للانجليز منبرأ لهم. أما التيار الثالث فهو الذي ميز نفسه عن التيار الأول ووصفه بالتطرف (بسبب موالاته للدولة العثمانيه)، كما رفض التيار الثاني ورأي فيه استسلاما وتبني منهجا وسطا معتدلا. ومثل هذا التيار صحيفة الجريدة التي بدأت في الصدور في مارس 1907 وكان هو الرافد السياسي لحزب الأمة .
وكان التيار الثاني هو أول من سعي الي إنشاء حزب فأعلنت بعض قياداته (مثل محمد بك وحيد ومحمد بك نشأت) في منتصف يونيو 1907 قيام الحزب الوطني الحر وأعلن برنامجه المكون من ست نقاط ، الا أن هذا الحزب - ورغم أنه صاحب اول مبادرة لإنشاء حزب بحكم مسالمته للاحتلال - ظل ممثلأ لمجموعة قليلة لا تحظي بشعبية، فضلا عن افتقاده البناء التنظيمي الذي يلزم توافره لأي حزب.
ولذلك يصعب اعتبار قيامه بداية لميلاد الحياة الحزبية ليكون التيار الثالث الذي حول نفسه الي حزب منظم هو حزب الأمة هو الذي شكل هذه البداية يوم اعلان ميلاده في سبتمبر 1907.
ويعود إنشاء الحزب الي مارس من نفس العام حين قامت مجموعة من الأعيان وكبار الملاك بإصدار صحيفة الجريدة في 9 مارس 1907 والتي تولي رئاسة تحريرها أحمد لطفي السيد. ويشير د . عليّ الدين هلال في كتابه عن تطور النظام السياسي في مصر الي أن حزب الأمة كان هو حزب الصفوة الاجتماعية الذي ضم بتعبير رئيسه أعضاء متشابهي المقاصد متحدي المراكز الاجتماعية، وأنه يضم أغلبية رؤساء العائلات في هذا الشعب.
والواقع أن حزب الأمة لعب دورا هاما في التاريخ السياسي المصري من حيث طرحه لمفهوم القومية المصرية وهو ما يفسر خلافه مع الحزب الوطني لمصطفي كامل بسبب ارتباط الأخير بالخلافة العثمانية . وقد ضم عددا من الشخصيات التي كان لها دور هام في الحركة الوطنية فيما بعد ، وفي مجمل مسار التطور الحزبي في مصر ، مثل حسن عبدالرازق رئيس الحزب وأحمد لطفي السيد سكرتيره العام وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وغيرهم.
ساحة النقاش