انطلق فكر الحزب من اعتبار أن الاحتلال أمر واقع يجب العمل علي تغييره تدريجيا عن طريق المشاركة في السلطة وتدريب الكفاءات الوطنية لتولي الوظائف العامة. وكانت وجهة نظره أن الاحتلال ليس سببا لضعف الأمة ولكنه انعكاس لهذا الضعف. وبالتالي فإن مقاومته لا تكون إلا بنهضة الأمة ونشر التعليم ورفع مستوي الوعي الوطني التي تعد كلها شروطا للحصول علي الاستقلال. وكان مفهوم الاستقلال عنده مفهوما شاملا أي الاستقلال عن الدولة العثمانية وعن انجلترا . ولذلك رفض شعار الجامعة الاسلامية ورفع شعار القومية المصرية.
وقد شهد أكتوبر من نفس العام إنشاء الحزب الوطني الذي أعلن عنه في اجتماع شعبي بمسرح زيزينيا بالاسكندرية في 22 اكتوبر 1907 برئاسة مصطفي كامل ، ثم خلفه محمد فريد في 14 فبراير 1908 . وكانت قضية الاستقلال وجلاء الانجليز عن مصر هي محور برنامجه . واعتبر الحزب قضية الدستور هدفا أساسيا آخر له، كما اهتم بالمشكلة الاجتماعية، ونص في برنامجه علي ضرورة نشر التعليم، وحث الاغنياء علي تأسيس الجامعات وإرسال البعثات الي أوروبا، ونص ايضا علي تنمية الزراعة والصناعة والتجارة وجميع مرافق الحياة الاجتماعية حتي تحصل البلاد علي استقلالها الاقتصادي.
وقد لعب الحزب دورا رئيسيا في قيادة النضال الوطني حتي ثورة 1919.
وفي 9 ديسمبر 1907 تم تأسيس حزب الاصلاح علي المبادئ الدستورية الذي أسسه الشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد. وقد سعي في برنامجه الي الدفاع عن الخديوي في مواجهة حزب الأمة والحزب الوطني. وربط رئيسه في مقالاته بين حقوق الخديوي وحقوق الأمة المصرية ، إلا أن الحزب لم يحظ بتأييد جماهيري وانتهي عمليا بوفاة مؤسسه عام 1911.
وأخيرا شهد عام 1907 قيام عدد من الأحزاب الصغيرة محدودة التأثير. فإلي جانب الحزب الوطني الحر الذي سبقت الاشارة اليه ، كان هناك الحزب المصري الذي ارتبط باسم أخنوس فانوس الانجيلي المذهب . وكان مؤيدا من الانجليز، الا انه لم يحظ بنفوذ أو تأثير كبير في الحياة السياسية المصرية .وكذلك كان حال الأحزاب الصغيرة الأخرى مثل حزب النبلاء الذي كان يطلق عليه أحيانا حزب الأعيان لأنه سعي للدفاع عن الدولة العثمانية وسلطة الخديوي، وكان يعد تعبيرا عن الارستقراطية التركية. وكذلك الحزب الدستوري الذي انشأه ادريس بك مؤيدا لكل من سلطة الخديوي واستمرار الاحتلال البريطاني. وهذه الأحزاب لم يكن لها تأثير يعتد به .
2 -
خصوصية النشأه المصرية للأحزاب :
سبقت الاشارة في الفصل الأول الي الكيفية التي نشأت بها الأحزاب السياسية في اوروبا من داخل البرلمان وخارجه.
وقد اختلفت الحياة الحزبية في مصر من حيث النشأة التي انعكست بدورها علي المفهوم مما أكسبها خصوصيتها . فهي نشأت لمواجهة التدخل الأوروبي الذي أفضي الي الاحتلال العسكري البريطاني للبلاد منذ عام 1882، وقد بدأت أولا علي صورة تيار يضم جماعة الوطنيين الذين عارضوا الاحتلال البريطاني فأطلقوا علي أنفسهم أو اطلق عليهم إسم الحزب الوطني. وبهذا المفهوم كان ظهور تسمية الحزب دون شكله أو مضمونه مبكرا للغاية .
وتبدو غلبة هذا العامل علي ماعداه من أن الحزب الوطني السري الذي نشأ في منتصف التسعينات في القرن الماضي قد تكون من مجموعة لا رابط بينها سوي العداء للانجليز. واستمرت غلبة هذا التأثير حتي ميلاد الحياة الحزبية عام 1907.
كما اختلف ظهور الحزبية في مصر عن نشأتها في اوروبا في جانب آخر، اذ يلاحظ أن الأحزاب نشأت قبل الحرب العالمية الأولي أساسا حول الصحف الكبيرة التي كانت تصدر في تلك الفترة . وكان أهمها المؤيد التي صدرت منذ عام 1889، وتبعتها اللواء التي صدرت عام 1900 . ثم الجريدة التي صدرت عام 1907 .
فمن المؤيد ظهر حزب الاصلاح علي المبادئ الدستورية، ومن اللواء ظهر الحزب الوطني، ومن الجريدة تكون حزب الأمة .
وقد حدث العكس في نشأة الأحزاب في العالم الغربي حيث كانت تصدر الصحيفة ناطقة بلسان الحزب لا أن يتكون الحزب انبثاقا من صحيفته .
هذا الاختلاف يرجع الي أسباب عديدة منها ضعف الرأي العام سواء بسبب تفشي الأمية أو لنقص الوعي السياسي مما كان يتطلب اولا صدور صحيفة تقوم بمهمة تربية الرأي العام لجانب من المصريين. كما ان ظهور الأحزاب في مصر بمعزل عن البرلمان يرجع الي اختلاف النظام شبه البرلماني الذي كان قائما في ظل الاحتلال عن البرلمانات الأوروبية العريقة .
فهذا النظام الذي تمثل في مجلس شوري القوانين والجمعية العمومية حتي عام 1913 حين نشأت الجمعية التشريعية، غلب عليه الطابع الاستشاري . لذلك لا يمكن القول انه كان يشكل نظاما نيابيا حقيقيا بل ان العلاقة بينه وبين الأحزاب المصرية بعد نشأتها ظلت محدودة للغاية.
كما ارتبط ظهور التعدد الحزبي في مصر في العقد الأول من القرن العشرين بمجموعة من المتغيرات الاجتماعية والفكرية والسياسية ، كان أهمها دور طبقة كبار ومتوسطي الملاك، ومجموعة المثقفين اللتين رغبتا في المشاركة بدور أكبر في الحكم، ومن هنا جاء تأسيسهم للأحزاب والانضمام اليها . وقد ازداد دور الملاك الزراعيين المصريين بعد توقف تيار الهجرة التركية الي مصر نتيجة تقلص مشاركة الاتراك في الادارة المصرية.
أما دور المثقفين (الافندية) فقد ارتبط بتضاعف عدد المتعلمين الذين درس بعضهم في اوروبا وتأثروا بالفكر الغربي.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 100 مشاهدة

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

286,967