1 -
مبررات الحزب الواحد الأيديولوجي :
ساق انصار هذا النمط من النظام الحزبي عددا من الحجج للدلالة علي وجهة نظرهم ، ويمكن عرض أهم هذه الحجج علي النحو التالي :
أ - طبيعة البناء الطبقي في المجتمع :
فالمجتمع الاشتراكي القائم علي دكتاتورية البروليتاريا يتميز بعدم وجود طبقات متضاربة المصالح، وبالتالي لا يوجد أساس اجتماعي لتعدد الأحزاب، والذي لا يبرره سوي تعدد الطبقات في المجتمع. فالعلاقات الطبقية تختلف في ظل الاشتراكية ، عنها في ظل الرأسمالية، فالبنية الطبقية للمجتمع الرأسمالي ومصالح الطبقات المتعارضة ، لا يمكن التوفيق بينها ، مما يؤدي منطقيا الي تعدد الأحزاب وصراعها من أجل السلطة ، ولا ينطبق هذا علي بنية المجتمع الاشتراكي لأن الملكية العامة لوسائل الانتاج ، وتعزيز علاقات الانتاج الاشتراكية يزيدان من الوحدة الاجتماعية والسياسية للمجتمع الجديد . وعلي هذا الأساس تبني الاشتراكية جهازها الفعال للحكم الشعبي في ظل قيادة الطبقة العاملة وحزبها الطليعي . ولما كانت الماركسية تهدف الي بناء المجتمع الشيوعي، فإن هذه الغاية تحتم وحدة الأداة في صورة حزب واحد يقود الجماهير نحو تحقيقها ، فالأداة المنظمة ضرورة هأمة لنقل النظرية من مجال الفكر الي التطبيق العملي. وهذه الأداة المنظمة هي الحزب الطليعي للطبقة العاملة.
ب - التنشئة السياسية والتحويل الأيديولوجي :
فالحزب الواحد هنا، هو أداة للتنشئة السياسية ، حيث يقوم بوظيفة تثقيفية وتعليمية تتضمن غرس قيم معينة وتأكيدها علي حساب قيم أخري، وذلك في اطار تغيير أنماط الثقافة السياسية ونظام القيم السائد في المجتمع. ويتحقق ذلك من خلال نضال الحزب علي الصعيد الأيديولوجي من أجل تحويل الأفكار وصنع ما يسمي الانسان الاشتراكي ، ذلك أن تطوير المجتمع وتنميته يجب أن يتم في اطار تنمية الانسان ومساعدته علي التخلص من قيم المجتمع القديم التقليدي وتسليحه بالوعي الاشتراكي . وهذه العملية التي تتم من خلال دور الحزب تعد ضرورة هأمة لتزويد الفرد بالطاقة والرغبة في العمل والانتاج لأنه بسيادة الوعي الاشتراكي سيعم النظام ، وتتوحد الارادة، وعندئذ يصبح الأفراد فاعلين ونشطين ، ويحققون المشاركة الفعالة .
ج - شيوع الديمقراطية في البناء الداخلي للحزب :
إن تنظيم الحزب الواحد في هذا السياق يقوم علي مبدأين رئيسيين : الأول هو مبدأ القيادة الجماعية التي تعني عدم انفراد شخص واحد بالحكم، والثاني مبدأ المركزية الديمقراطية التي تعني تكوين كل تنظيمات الحزب من القاعدة الي القمة بواسطة الانتخابات ومشاركة كل الأعضاء في مناقشة سياسة الحزب وقراراته مع خضوع الأقلية لرأي الأغلبية . فمعيار الديمقراطية هنا ليس عدد الأحزاب السياسية أو وجود معارضة حرة، وإنما هو المدي الذي تساهم به جماهير الشعب في الحكم من خلال لجان الحزب المنتشرة، اذ أن بناء الاشتراكية يجعل الممارسة الديمقراطية تتخذ اتجاها جديدا وتكتسب طابعا طبقيا لصالح ما يطلق عليه في هذا السياق الشعب العامل.

د - عدم وجود نزاع أيديولوجي :
ذلك أنه في ظل هذا النمط من النظام الحزبي تصبح النظرية الماركسية هي نظرة الشعب بأسره الي العالم، حيث تعبر هذه النظرة عن المصالح الأساسية للطبقة العاملة وحلفائها من العناصر المكونة للمجتمع الجديد. وبالتالي فإن قضية الحقوق المتكافئة مسألة غير واردة لأنه لا يوجد أساس اجتماعي لها. وبالاضافة الي ذلك ، فإن تعدد الأحزاب في الديمقراطية الليبرالية لا يحقق مساواة واقعية بين الأفكار لأن الذي يملك أجهزة التأثير علي الرأي العام من صحافة ومطابع وإذاعة وتليفزيون ، والذي يسيطر علي مراكز الأبحاث والجامعات وغيرها من مراكز انتاج الأفكار ، هو الذي يملك التوجه الأيديولوجي ، وهذا يجعل من حرية الفكر في ظل الديمقراطية الغربية شكلا بغير مضمون حقيقي من وجهة النظر هذه .
هـ - امكان التعبير عن تنوع المصالح دون تعدد حزبي :
فمواجهة المصالح المتنوعة لمختلف الجماعات الاجتماعية لا يفترض بالضرورة ، وجود أحزاب متعددة ، وإنما يتم عن طريق تطوير نسق من الاجهزة تتضمن وظائفها أداء هذه المهمة. ويشمل ذلك النقابات للعمال، والتعاونيات للفلاحين ، بالاضافة الي منظمات الشباب والجمعيات العلمية والثقافية والفنية وغيرها، ويكفل الحزب ارتباط مصالح هذه الجماعات بمصالح المجتمع ، ويعطيها اتجاها مشتركا، في ظل النظام الاشتراكي، وكذلك يمكن ضمان الرقابة الشعبية عن طريق النقد والنقد الذاتي وأجهزة الرقابة المختصة بالاضافة الي دور الحزب ونشاط هذه الاجهزة المتنوعة .
و - شمول عملية التنمية :
يقدم النموذج الصيني بالذات مبررا يتعلق بأن الحزب الواحد يستطيع في ظل ما يسمي بالثورة الدائمة ليس فقط أن يحقق خطوات سريعة نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية في فترة زمنية قصيرة، ولكنه كذلك يجعل من التنمية عملية شاملة في اطار صنع الانسان الاشتراكي. فإذا كان أحد اهداف الحزب الرئيسية العمل علي تحقيق الرفاهية المادية فإن ذلك يجب أن يتم في ظل تنمية الانسان وتشجيعه علي التحقق من قواه وطاقاته الخلاقة. فالتنمية من هذا المنظور، لا قيمة لها إلا اذا تقدم الجميع في وقت واحد، بحيث لا يترك أحد ، أو يتخلف أحد ، سواء اقتصاديا أو حضاريا. والتقدم السريع لا يتحقق إلا اذا تحققت تنمية وتقدم كل فرد مع المجموع. وهذه هي مهمة الحزب الذي يعمل علي دفع الجماهير الي نبذ الأنانية، والاستعاضة بالحوافز المعنوية عن الحوافز المادية، مما يقود الي تفجير طاقات الحماس، وتصبح مشاركة الجماهير الحقيقية من خلال لجان الحزب في اتخاذ القرارات أداة لتزويدهم بالمعرفة الكفيلة بتحويل الطاقات الكامنة الي طاقات منتجة، حيث تزداد رغبة العاملين في العمل المنتج ، وتزداد نسبة العمل التطوعي لتحقيق أهداف المجتمع وذلك من خلال ارتفاع مستوي وعيهم ، وزيادة معرفتهم ، وإحساسهم بالعالم المحيط بهم .

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 101 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

287,023