في مشروع بحث ميداني قام به د. أحمد مصطفى شلبي – واستمر لمدة 5 سنوات - حول المشكلات التي تواجه أبناء مدارس التربية الفكرية وأمهاتهم والمدرسين والأخصائيين المتعاملين معهم (الأسباب والعلاج )
اتضح وجود ثمانية أنواع من المشكلات يعاني منها هؤلاء الأبناء وأسرهم :
<!--مشكلات تنشأ كردود أفعال خاطئة من الوالدين على أزمة الإعاقة ، مثل : الإنكار ، الشعور بالذنب ، ضعف الثقة بالنفس.
<!--مشكلات تحدث نتيجة إخفاق بعض الآباء في التعامل مع الإعاقة ، مثل : اضطراب العلاقات الأسرية ، اللوم من الأقارب والمحيطين بالإسرة ، الإحباط .
<!--وينشأ عن النوعين السابقين ازدياد حدة الضغوط النفسية على بعض هذه الأسر بالإضافة إلى ضغوط الحياة والضغوط بسبب مشاكل الأبناء الآخرين.
<!--وينتج عن ذلك أن يقوم الوالدان الذان تعرضا للمشكلات السابقة بتكوين اتجاهات سالبة تجاه الابن صاحب الإعاقة على ذنب لم يرتكبه وليس له دخل فيه ، ومن أمثلة هذه الاتجاهات السالبة : النبذ من الوالدين لابنهما صاحب الإعاقة ، السخرية والإيلام النفسي له ، الإهمال .
<!--وهذه الاتجاهات السالبة لا تظل حبيسة العقول والصدور وإنما تظهر في شكل الضرب والإساءة الجسدية وسوء المعاملة الأسرية .
<!--ونتيجة للإخفاقات والإحباطات المتكررة في التعامل مع الإعاقة ، يقصر بعض الآباء في القيام بمسئولياتهم وأداء واجباتهم تجاه الابن صاحب الإعاقة في توفير الرعاية الصحية والبحث عن التعليم أو التأهيل المناسب له وتنمية قدراته بالشكل المطلوب
<!--وفي خضم هذه المشاكل لا ننسى أن الابن قد تعرض لإعاقة ذهنية ؛ والإعاقة قصور يؤدي إلى تأخر في بعض جوانب النمو الجسمي والمعرفي والانفعالي وفي التواصل الاجتماعي لصاحبها مع الآخرين .
<!--و هذا الابن لم ينزل من السماء وإنما إن كان طفلا فسيمر بمشكلات الطفولة التي يمر بها الأطفال العاديون ، وإن كان مراهقا فسيمر بمشكلات فترة المراهقة ... وهكذا .
بعد هذا العرض الموجز لأشكال وألوان المشكلات التي يتعرض لها صاحب الإعاقة الذهنية وأسرته –والتي اعتقد أنك لم تكن تتخيل مثلي أنها بهذه الضخامة والتنوع- لعلك تتفق معي أن هذه الأنامل الصغيرة لطفل ناشئ لم يتلمس صفحة الدنيا إلا لسنوات معدودات، وأن أسرة مهما كانت إمكاناتها لا تستطيع أن تواجه هذه المشكلات بمفردها فضلا عن أن تتحملها وتعايشها إذ أنها مشكلات لا يتسع لها ليل امرؤ القيس على طوله:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ بصبح وما الأصباح منك بأمثلِ.
ولا يتحملها جبل التوباد على رسوخه وتنوء بها العصبة أولي القوة
أن التصدي لهذه المشكلات ضرورة ملحة لهذه الأسر كي تستقر وتستمر، وحاجة ماسة لهذا الابن كي يحيا كأقرانه، وحق لهم علينا كأخصائيين وكمجتمع، وواجب أمام ضمائرنا وإنسانيتنا، ثم هو تحدٍ لا بد أن تتصدى له المؤسسات والهيئات العاملة في هذا المجال. والطريق إليه من وجهة نظرنا سهلة ويسيرة وهي آلية أطلقنا عليها التنمية الأسرية المستدامة ، وسوف نتناول خصائصها خطواتها وكيف نفعلها في مقالة تالية بإذن الله .
ورغم الكثير من المشكلات والعقبات التي يواجهها أصحاب الإعاقة وأسرهم ، وبخاصة أصحاب الإعاقة الذهنية ، فإن العديد منهم قد تركوا لامرؤ القيس ليله وهمومه وتعلقوا بضوء القمر الساري وصولا لنسمات الصباح البادية ، مستعينين بالله ثم بقوة إرادتهم عبروا النفق الزاخر بالمشكلات وتطلعوا إلى سلم الارتقاء المضيئ بالإبداعات والإنجازات ، نحتوا في الصخر وعلموا أبناءهم الفن التشكيلي وأقاموا فرقا للفن ومعارض للرسم اجتازوا العقبات ودفعوا بأبنائهم للأولمبياد والبطولات ،لفظوا المكث الكئيب في البيوت واقتحموا عالم الحرف والمهن فكسبوا القوت من عرقهم وبأيديهم وعاشوا الحياة الكريمة المستقلة التي كانوا يحلمون بها .
وإذا كان الفريق الأول – وهم الكثرة الغالبة - يحتاجون إلى التنمية الأسرية المستدامة كي نحل مشكلاتهم ونخفف بعض ضغوطهم ونوفر لهم حدا معقولا من الحياة الكريمة التي نرجوها لهم ، فإن الفريق الثاني يحتاجون هم أيضا إلى التنمية المستدامة كي نكتشف وننمي قدراتهم ونتبنى إنجازاتهم
فالتحية والتقدير لهم ولأسرهم ولك عزيزي القارئ الكريم .......
والله ولي التوفيق .
ساحة النقاش